بعد أن وقعت إسرائيل “اتفاقيات إبراهيم” لتطبيع العلاقات مع دول عربية في 2020، تتجه أنظارها نحو السعودية، والتي قد تشكل دفعة لعملية السلام في الشرق الأوسط.
وأعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، الخميس، أنه بحث مع مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، فرص تحقيق انفراجة دبلوماسية مع السعودية، فيما تشترط الرياض السماح للفلسطينيين بتأسيس دولتهم في خطوة تسبق أي مرحلة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وتعهد نتنياهو، الذي استعاد منصب رئيس الوزراء الشهر الماضي، بالسعي لتدشين علاقات رسمية مع الرياض بعد توقيع اتفاقيات تطبيع مع الإمارات والبحرين في عام 2020 تحمل اسم “اتفاقيات إبراهيم”.
وأكد وزير الخارجية السعودي، الأمير، فيصل بن فرحان، أن بلاده لن تقوم بالتطبيع مع إسرائيل من دون إقامة دولة فلسطينية.
وأوضح في تصريحات نشرتها وزارة الخارجية السعودية، الجمعة، عبر حسابها على تويتر أن “التطبيع والاستقرار الحقيقي لن يأتي إلا بإعطاء الفلسطينيين الأمل من خلال منحهم الكرامة وهذا يتطلب منحهم دولة”.
فرص التطبيع
المحلل السياسي السعودي، مبارك آل عاتي، يرى أن “موقف الرياض تجاه تطبيع العلاقات مع إسرائيل لا يزال كما هو من دون أي تغيير، خاصة وأن إسرائيل لم تقدم أي خطوات تبرهن على جديتها في إقامة علاقات مع السعودية”.
ويشرح آل عاتي في رد على استفسارات موقع “الحرة” أن “السعودية ليست في حالة عداء مع إسرائيل، ولكنها لن تطبع العلاقات من دون وجود قواعد وأرضية واحدة متفق، وهي دائما ما تقف في صف الشعب الفلسطيني، وترفض الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة والتي كان آخرها اعتداء مسؤول إسرائيلي بزيارته للمسجد الأقصى”.
أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العبرية في القدس، مئير مصري، يعتقد أن “هناك فرصة حقيقية للتطبيع بين إسرائيل والسعودية، بسبب تشابك المصالح والمخاطر الجمة التي تعصف بالمنطقة”.
وأضاف في حديث لموقع “الحرة” أن “الزمن قد تغير، وأسلوب تعامل النظام الرسمي العربي مع القضايا الإقليمية قد تغير هو أيضا، إذ لم تعد العلاقة مع إسرائيل من المحرمات العربية كما كان الوضع في السابق”.
وأوضح مصري وهو عضو اللجنة المركزية لحزب العمل الإسرائيلي أن “السعودية ليست مجرد دولة عضو في الجامعة العربية، بل إنها القاطرة التي تعبر عن التوجه العربي العام في المنطقة”.
ووقعت إسرائيل في 2020 اتفاقات لتطبيع العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب ثم السودان في يناير 2021.
واعتبر الفلسطينيون جميع هذه الاتفاقات “طعنة في الظهر”، إذ أنها خالفت الإجماع العربي الذي جعل من حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني أساسا لأي سلام مع إسرائيل.
شروط السعودية للتطبيع
ويؤكد المحلل السياسي آل عاتي أن “السعودية لن تقوم بتطبيع العلاقات من دون اعتراف إسرائيلي بإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، وهو ما نصت عليه صراحة مبادرة السلام العربية”.
وأكد أن “هذا النوع من العلاقات الذي تريده إسرائيل يتطلب منها القيام بخطوات جادة تجاه الفلسطينيين لإحلال السلام، إذ يمكن الاستفادة من مبادرة السلام العربية باعتبارها خارطة تكشف خطوات تحقيق السلام في الشرق الأوسط”.
تتشارك إسرائيل وحلفاؤها في الخليج المخاوف إزاء إيران لكن عودة نتانياهو إلى السلطة على رأس حكومة يمينية قومية أثارت مخاوف من تصعيد الصراع المستمر منذ عقود مع الفلسطينيين، وفق تقرير لوكالة رويترز.
ويرى مصري أن “السلام الإقليمي سيؤدي حتما إلى إحتواء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني”، وأن “السعودية باتت على قناعة أن إسرائيل ليست هي العائق أمام التوصل إلى حل نهائي ومرض مع الشركاء الفلسطينيين، والسلام الدائم بين إسرائيل والفلسطينيين يتطلب حزمة من الإصلاحات داخل البيت الفلسطيني أولا”.
ويبين أن “احتواء الطرفين في إطار إقليمي موسع من شأنه أن يضيق رقعة الصراع القائم، وأن يحجم دور المتطرفين”، مضيفا أنه “لا يوجد أي تناقض بين مبادرة السلام السعودية التي اعتمدتها الجامعة العربية في قمة بيروت عام 2002 والتقارب السعودي مع إسرائيل”.
وشهدت الضفة الغربية، وهي من بين المناطق التي يسعى الفلسطينيون لإقامة دولة عليها، تصاعدا في أعمال العنف منذ أن كثفت إسرائيل غاراتها العام الماضي ردا على سلسلة من الهجمات الدامية في الشوارع بمدنها.
ودعا وزير الخارجية السعودي، بن فرحان الحكومة الإسرائيلية، الأربعاء، إلى التعامل بجدية لتسوية الصراع مع الفلسطينيين.
وقال متحدثا خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس إن الحكومة الإسرائيلية ترسل “بعض الإشارات التي ربما لا تبشر بذلك” لكنه عبر عن آماله في أن ترى الحكومة أن حل الصراع سيكون في مصلحة إسرائيل والمنطقة ككل.
“واشنطن والرياض والتطبيع”
ويؤكد مسؤولون إسرائيليون أن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية “لن يكون ممكنا طالما بقيت العلاقات بين الرياض وواشنطن متوترة”، بحسب تقرير نشره موقع أكسيوس.
ومنذ أكتوبر الماضي توترت العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية، إثر توصل السعوديون لاتفاق ضمن إطار “أوبك بلس” لخفض إنتاج النفط بشكل كبير، وهو ما تراه إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، انتهاكا للتفاهمات بين البلدين.
مستشار وزارة الخارجية الأميركية، ديريك شوليه، أكد في حديث مع قناة “الحرة” أنه يوجد “خلافات” يجري الحديث عنها بشكل “واضح وصريح” بين الرياض وواشنطن، ولكن “الولايات المتحدة لديها علاقات طويلة مع السعودية تتجاوز 8 عقود، ولا زلناء شركاء”.
وأوضح شوليه أن هذه العلاقة شابها “بعض الخلافات كما حصل في السبعينيات عندما وقع حظر تصدير النفط، والذي فرضته السعودية بعد حرب 1973 مع إسرائيل”، ولكن واشنطن لديها “شراكة اقتصادية قوية مع الرياض” في عدة مجالات منها “الطاقة”.
وانهارت في 2014 محادثات السلام التي كانت تتوسط فيها الولايات المتحدة بهدف إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة، وتضاءلت آفاق إحيائها بصورة أكبر منذ تشكيل حكومة نتانياهو الجديدة التي يعارض كثير من الشركاء فيها إقامة الدولة الفلسطينية ويدفعون لتوسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية.
ماذا يعني التطبيع لنتانياهو؟
ووفق تقرير نشره موقع “أكسيوس” وضع نتانياهو “التطبيع مع السعودية كأحد أهدافه الرئيسية في السياسية الخارجية”.
أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن، ريتشارد تشازدي، يرى أن وجود تحالف رسمي بين إسرائيل والسعودية “سيساعد نتانياهو وإسرائيل في إيجاد جبهة جديدة ضد إيران” والتهديدات التي تفرضها في المنطقة.
وقال في رد على استفسارات موقع “الحرة” إنه ينبغي على نتانياهو “إجراء حسابات التكاليف والفوائد التي قد تنتج عن مثل هذا التحالف” بتطبيع العلاقات، إذ قد يتيح لإسرائيل الاستفادة أيضا من “النفط” الذي تنتجه الدول في المنطقة، خاصة تلك التي وقعت على “اتفاقيات إبراهيم”.
ويؤكد أستاذ العلوم السياسية الإسرائيلي، مصري أن “نتانياهو رجل دولة وصاحب رؤية، له كتاب صدر قبل ثلاثة عقود تحت عنوان (مكان تحت الشمس) كتب فيه أن السلام مع الفلسطينيين لن يأتي إلا من خلال تشابك المصالح في إطار إقليمي موسع تلعب فيه السعودية دورا محوريا”.
واعتبر أن هناك “استمرارية ومنطقا في نظرة نتانياهو للعلاقة مع الخليج، بصرف النظر عن مستقبل الرجل السياسي”، مستبعدا أن “يقدم على الترشح مرة أخرى لمنصب رئيس الوزراء بعد إنتهاء ولايته الحالية عام 2027، نظرا لسنه”.
وقد يمثل “تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية” نقطة هامة في تعزيز مكانة نتانياهو “السياسية”، وتعني تحقيقه “اختراقا وانتصارا هاما” يحول الانتباه عن أعضاء حكومته المثيرين للجدل وائتلافه غير المستقر، بحسب تحليل نشرته مجلة ناشونال إنترست.
ويشدد آل عاتي أن “دول المنطقة عليها التفكير في التحديات الأمنية بشكل أكبر خاصة مع ازدياد التهديدات الإيرانية، وإيقاف ممارسات طهران التي تزعزع استقرار المنطقة”.
وعلق مستشار الخارجية شوليه على زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي، سوليفان، لإسرائيل والأراضي الفلسطينية بأنها “مهمة للغاية، لأنها أتاحت التواصل مع الحكومة الجديدة في إسرائيل، والتي أعاد الجانبان فيها التأكيد على التزامات مشتركة بعدم السماح لإيران بالحصول على سلاح نووي، وملفات العلاقات الثنائية، وبحث الإندماج في المنطقة”.
المصدر: الحرة. نت