ما دور إيران.. لماذا “يتعنّت” النظام السوري تجاه التقارب التركي

محمد فنصة

اتبعت تركيا خطوات فعلية على مسار التقارب وتطبيع العلاقات مع النظام السوري، بدأتها بالتصريحات الممهدة للتقارب وأتبعتها باللقاءات المباشرة، بينما لم تكن خطوات النظام على ذات الوتيرة، إذ تدل التصريحات والتسريبات على تردد دمشق في مواصلة الاجتماعات مع أنقرة، ما يثير التساؤل عن الأسباب.

واشترط رئيس النظام السوري، بشار الأسد، خلال لقائه مع المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، في 12 من كانون الثاني الحالي، ما وصفه بـ”إنهاء الاحتلال ووقف دعم الإرهاب” حتى تكون اللقاءات مع تركيا “مثمرة”.

فيما كان الخطاب أوضح خلال لقاء الأسد مع وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في 14 من كانون الثاني الحالي، حين اشترط الأسد لمواصلة الحوار مع تركيا أن يكون هدفه “إنهاء الاحتلال، ووقف دعم التنظيمات الإرهابية”.

وفي رد على هذه التصريحات، قال المتحدث باسم حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا، عمر تشيليك، إن بلاده “ليست قوة احتلال في سوريا”، وإن “التهديد الأول والحقيقي للجانب السوري هو المنظمات الإرهابية وليس تركيا”، وجدد تأكيد بلاده أنها تحترم وحدة وسلامة سوريا.

وجاءت هذه التصريحات بعد تأجيل الموعد المعلَن عنه للقاء وزيري خارجية تركيا وسوريا بوساطة روسية، إذ إنه عقب اللقاء الذي جمع بين وزراء الدفاع، قال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، إن أنقرة اقترحت عقد اجتماع لوزراء خارجية تركيا وسوريا في النصف الثاني من كانون الثاني الحالي.

وعاد جاويش أوغلو، في 12 من الشهر نفسه، وقال، إنه لا يوجد تاريخ محدد بعد للقائه المرتقب بوزير الخارجية في حكومة النظام السوري، فيصل المقداد، لكنه قد يكون مطلع شباط المقبل.

فيما نقلت قناة “الميادين” اللبنانية عن مصادر سورية وصفتها بـ”رفيعة المستوى” قولها، إن النظام رفض تحديد اجتماع يجمع بين وزيري الخارجية السوري والتركي قبل انسحاب الجيش التركي من كامل الأراضي السورية.

واعتبرت المصادر أن تركيا لديها أهداف انتخابية من التقارب مع النظام، مضيفة أن دمشق غير معنية بتقديم هذه الورقة حاليًا.

النظام يخشى التغيير

في 12 من كانون الثاني الحالي، قُتل وجُرح عناصر من قوات النظام السوري، بينهم ضابط برتبة عميد، إثر قصف مدفعي تركي استهدف نقطة عسكرية لهم في محيط مدينة عفرين شمالي محافظة حلب، وهو الحدث الأول من نوعه منذ لقاء وزراء الدفاع ووفد استخباراتي تركي- سوري برعاية روسية في موسكو.

وجددت تركيا تهديدها بخصوص شن العملية العسكرية، إذ قال المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، في 14 من كانون الثاني الحالي، إن العملية العسكرية التركية في سوريا لا تزال خيارًا مطروحًا على الطاولة بالنظر إلى مستوى التهديد الذي تواجهه أنقرة.

المحلل السياسي المقرب من الخارجية الروسية رامي الشاعر، قال لعنب بلدي، إن أنقرة “جادة” في التحضير لاتخاذ خطوات فعلية تمهد لتسوية العلاقات مع دمشق، وعلى النقيض حتى الآن، لا تتجاوب الأخيرة بشكل فعال مع هذه الخطوات.

وقال الشاعر، إن “تعنّت” دمشق سببه علمها بأن التسوية مع تركيا ستؤدي لبدء التغيير السياسي في البلاد بحسب القرار الأممي “2254”، وهو ما أشار إليه وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، في تصريحاته الأخيرة.

و”سيضطر” النظام السوري إلى المشاركة بعملية التقارب، لأن التغيرات ستجري على الأراضي السورية، وباعتبار النظام المعني الأساسي و”السلطة الشرعية”، بحسب وصف المحلل السياسي.

والأربعاء الماضي، صرح لافروف خلال مؤتمر صحفي، أن التحضير لاجتماع وزيري الخارجية السوري والتركي يجري التحضير له بوساطة روسية، وأن تركيا تؤيد تطبيع العلاقات مع النظام السوري، مشيرًا إلى أن أنقرة طلبت مساعدة موسكو في ذلك.

الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش، أوضح لعنب بلدي أن النظام السوري “غير مستعجل” في الحوار مع تركيا، وأن قبوله الانخراط باللقاءات الثلاثية هو بفعل الضغوطات الروسية، ولكن في مقابل التجاوب الجزئي لهذه الضغوطات لتطوير مسار الحوار مع تركيا، يريد النظام نتيجة أي مصالحة تنعكس بانسحاب تركي.

وتعكس تصريحات وشروط النظام للحوار، التأثير الإيراني عليه، حيث بدت “مهمشة” خلال عملية التقارب، حسب وصف علوش، وتريد طهران لعب دور في هذه المصالحة لحماية مصالحها، خوفًا من تكريس الحضور التركي في سوريا، وهو ما بدا بتمسك النظام بمطلب الانسحاب التركي.

إيران مشاركة بالتقارب

قال المحلل السياسي المقرب من الخارجية الروسية رامي الشاعر، إن تركيا تنسق مع مجموعة “أستانة” (روسيا وتركيا وإيران) في خطوات التقارب، وهي الأخرى سوف تدفع باتجاهه، ويتخللها “انسحاب” تدريجي من الشمال السوري، وتسوية أوضاع المجموعات المسلحة وعائلاتهم، غير المنتمين للمعارضة السورية.

ونشرت هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، الأربعاء الماضي، تقريرًا نقلت فيه عن “مسؤول أمني تركي رفيع المستوى”، لم تكشف هويته، استعداد بلاده لطرح جميع المواضيع على طاولة الحوار مع النظام السوري، بما في ذلك انسحاب القوات التركية كليًا أو جزئيًا من سوريا.

وتوقع الشاعر تحديد موعد للقاء وزراء الخارجية السوري والروسي والتركي في موسكو قريبًا، ستسبقه مشاورات سورية- روسية “على أعلى المستويات”.

وستواجه اللقاءات بين وزراء الخارجية والزعماء لاحقًا “تعنّتًا” من قبل النظام، لكنها ستحصل، وفق الشاعر، وسترافقها “تغيرات ملموسة” في الشمال السوري، وتنتهي بتسوية العلاقات السورية- التركية من جهة، وحل الصراع السوري بشكل عام من جهة أخرى.

الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش، يرى أن النظام لديه مصلحة في وجود إيران داخل مسار المفاوضات مع تركيا، وأشار إلى إشادة المقداد خلال زيارة عبد اللهيان الأحدث بالعلاقات السورية- الإيرانية “الاستراتيجية”.

وتأتي مصلحة النظام في الانخراط الإيراني بعملية التقارب من جهة وجود مصالح إيرانية في الأراضي السورية، ولإعطاء دور إيراني لتقييد الضغوط الروسية نحو النظام تجاه التقارب دون تلبية شرط الانسحاب التركي.

وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد، ووزير الخارجية الإيراني، أمير عبد اللهيان، خلال زيارة الأخير لدمشق- 14 من كانون الثاني 2023 (سانا)

وتزامنت زيارة عبد اللهيان مع تصريحات كبير مستشاريه للشؤون السياسية الخاصة، علي أصغر خاجي، خلال مقابلة أجراها الثلاثاء الماضي مع وكالة أنباء الطلبة الإيرانية (إسنا)، وأكد خلالها أنه لا يمكن حل القضية السورية بسهولة دون وجود إيران.

كما قال خاجي، إن مشاركة إيران في جميع القضايا المتعلقة بـ”الأزمة السورية” ستستمر بكامل قوتها في المستقبل.

وأضاف المسؤول الإيراني أنه خلال الزيارة الأخيرة إلى دمشق، “أجرينا مناقشات مستفيضة مع الأسد وكبار المسؤولين السوريين، وكان من الواضح تمامًا أهمية الدور الإيراني الذي تؤكده السلطات السورية وتقر بأن هذا الدور يجب أن يستمر”.

ويعتقد علوش أن نتائج الضغط الروسي من أجل دفع العلاقات مع تركيا، ستحدد المدى الذي يمكن أن تصل إليه روسيا في تأثيرها بقرارات النظام، بينما يرى الباحث في العلاقات الدولية أن إيران تملك تأثيرًا “لا يستهان فيه” بالنظام، ويمكنها أن تلعب دور “المفسد” في الحوار بين أنقرة ودمشق.

ومنذ منتصف عام 2022، تسارعت الجهود التركية لتحقيق تقارب مع النظام السوري، وصولًا إلى لقاء وزيري دفاع الجانبين ومديري استخباراتهما بوساطة روسية بموسكو، في 28 من كانون الأول.

المصدر: عنب بلدي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى