رفع الاتحاد الأوروبي مجدداً لاءاته الثلاث في وجه النظام السوري، الذي يعاني من تبعات الحصار عليه، في محاولة لدفعه إلى الجلوس إلى طاولة مفاوضات جادة للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية.
وأكدت دائرة العمل الخارجي الأوروبي في الاتحاد الأوروبي عقب اجتماع لها، أول من أمس الثلاثاء، في العاصمة البلجيكية بروكسل، اللاءات الثلاث، بما يخص الأزمة، وهي: لا للتطبيع، لا لإعادة الإعمار، لا لرفع العقوبات عن النظام، ما لم يسر بشكل فعّال في الحل السياسي.
وحول ذلك، ذكرت المبعوثة الأوروبية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هيلينا لو غال، في تغريدة على “تويتر”، بعد اجتماع الثلاثاء: “اجتمعنا في بروكسل مديرين ومبعوثين خاصين وسفراء من 27 دولة في الاتحاد الأوروبي، وبحضور ممثلين عن الأمم المتحدة لمناقشة الوضع المزري في سورية”.
من جانبه، قال المبعوث الألماني الخاص إلى سورية ستيفان شنيك، إن “الاتحاد الأوروبي ودوله متحدون. سنواصل دعمنا للشعب السوري”. وأضاف شنيك في تغريدة على “تويتر”: “نعيد تأكيد لاءاتنا الثلاث: لا للتطبيع، لا لإعادة الإعمار، لا لرفع العقوبات، ما لم يشارك النظام بشكلٍ فعّال في الحل السياسي. ندعم بشكلٍ كاملٍ جهود الأمم المتحدة والقرار 2254”.
الموقف الأوروبي الموحد
ويأتي الموقف الأوروبي الموحد في ظل تقارب تركي مع النظام السوري، الذي يعاني من تبعات الحصار الاقتصادي المفروض عليه من الغرب، بسبب رفضه التعاطي بشكل إيجابي مع جهود الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية. ويتماهى موقف الاتحاد الأوروبي تماماً مع الموقف الأميركي الرافض بشدة أي انفتاح أو تقارب مع نظام بشار الأسد، سواء من الجانب التركي أو من غيره.
ووصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس، مطلع الشهر الحالي، بشار الأسد بـ”الديكتاتور الوحشي”، مؤكداً أن بلاده لا تدعم الدول التي تعزز علاقاتها أو تعرب عن دعمها لإعادة الاعتبار لبشار الأسد، مضيفاً: “نحضّ الدول على أن تدرس بعناية سجل حقوق الإنسان المروع لنظام الأسد على مدى السنوات الـ12 الماضية”. وجاءت تصريحات برايس رداً على الانفتاح التركي على النظام والاستعداد للتقارب معه بعد نحو عقد من العداء.
وبدأ الجانب التركي الانفتاح المفاجئ على نظام بشار الأسد بدفع من الروس، وهو ما استدعى تأكيد الاتحاد الأوروبي أن أي تقارب مع الأسد مرفوض من دون تقدم حقيقي في المسار السياسي، المستند إلى القرارات الدولية، وخصوصاً القرار 2254 الذي رسم خريطة حل للأزمة السورية، إلا أن النظام وحلفاءه الروس والإيرانيين يعرقلون تطبيق مضامين هذا القرار.
ودعم الاتحاد الأوروبي الحراك الثوري في سورية منذ انطلاقه في ربيع عام 2011، وفرض عقوبات مشدّدة على النظام وأركان حكمه من عسكريين وسياسيين. ومدد الاتحاد منتصف العام الماضي العقوبات على النظام عاماً آخر “بسبب قمع النظام للسكان المدنيين في سورية”.
وتشمل العقوبات 70 هيئة و289 شخصاً فُرض عليهم حظر السفر وتجميد الأصول، ومن بينهم بشار الأسد وأفراد عائلته. وتتضمن العقوبات الأوروبية على النظام الحظر النفطي، وقيوداً على بعض الاستثمارات، وتجميد أصول المصرف المركزي السوري في الاتحاد الأوروبي، وتقييد استيراد معدات أو تقنيات مستخدمة في القمع ومراقبة الاتصالات.
واعتمد الاتحاد الأوروبي على تشديد العقوبات الاقتصادية طريقة للتعامل مع النظام الذي لم تردعه العقوبات عن ارتكاب المجازر واعتقال عشرات الآلاف، وتهجير الملايين من السوريين منذ عام 2011، لجأ نحو مليونين منهم إلى دول أوروبية عدة، أبرزها ألمانيا والسويد وهولندا، في موجات لجوء لم تنتهِ بعد.
ولم تمكّن هذه الطريقة الاتحاد الأوروبي من تأدية دور فعّال في سورية، التي تحولت منذ عام 2015 الى ساحة نزاع وصدام بين الروس والغرب، الذي لم ينخرط عسكرياً بشكل فعلي في الصراع، مكتفياً بالعقوبات والبيانات. ورجّح ذلك كفة النظام على الأرض بسبب الدعم العسكري اللامحدود من الروس والإيرانيين، الذي بدأ منذ الأشهر الأولى لانطلاق الثورة السورية.
وجاء التدخل الروسي العسكري المباشر في سبتمبر/ أيلول 2015، ليقلّص التأثير والحضور الأوروبي في القضية السورية إلى الحدود الدنيا، إلا أن الرفض الغربي لأي تطبيع مع نظام بشار الأسد، يُفشل كل المحاولات الروسية لإعادة تأهيل النظام ويجهض أي محاولة للبدء بإعادة الإعمار، في البلاد التي دمّر طيران النظام والمقاتلات الروسية قسماً كبيراً منها.
غياب الضغوط الأوروبية لفرض انتقال سياسي
ورأى مدير وحدة تحليل السياسات في مركز “الحوار السوري” محمد سالم، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “الدور السياسي الفاعل للاتحاد الأوروبي ودوله غائب عن الملف السوري”، مضيفاً أنه “على الرغم من المواقف الرسمية المعلنة التي تقاطع نظام الأسد سياسياً، لم يضغط الاتحاد الأوروبي بشكل كافٍ وفعال لفرض انتقال سياسي”. وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي “لم يستخدم أوراقه للضغط على الفاعلين الأساسيين، خصوصاً على الولايات المتحدة وروسيا”.
وأشار سالم إلى أن الاتحاد الأوروبي “ركز على تمويل العمل الإنساني بهدف إدارة ملف الهجرة إلى دوله من دون حلول جذرية لها”، معتبراً أن “الاستجابة للمأساة السورية من قبل الاتحاد لم تكن قوية مقارنة باستجابته للأزمة الأوكرانية”.
وأبدى اعتقاده أنه “كان هنالك نوع من التغاضي من قبل الاتحاد عن الدور الروسي، بل والتماهي معه أحياناً في دعم نظام الأسد”، مشدّداً على أنّ “من المهم ألا ننسى أيضاً أن الاتحاد الأوروبي جسم تنسيقي، لكنه ليس دولة واحدة، وبالتالي هنالك خلافات داخله، ما يصعب أخذ مواقف حاسمة، كما تأثر كثيراً بخروج بريطانيا منه”.
وفي السياق، وصف الباحث السياسي أحمد القربي، في حديثٍ مع “العربي الجديد”، موقف الاتحاد الأوروبي من الأزمة السورية بـ”الجيد إذا ما قورن بمواقف دول عربية وتركيا تجاه التطبيع والتقارب والانفتاح على نظام الأسد”، معيداً التذكير بأنه “منذ بداية الثورة كان الموقف واضحاً لجهة دعم مطالب السوريين بالتغيير، ومؤتمر الاتحاد الأوروبي السنوي أكبر داعم لملف المساعدات الإنسانية للسوريين في الداخل والخارج”.
وأضاف: “لكن الاتحاد الأوروبي غير مؤثر بالأزمة السورية إذا ما قورن بالموقف الروسي أو الإيراني. فعالية الاتحاد الأوروبي تتجلى بالبعد السياسي والاقتصادي والقانوني”.
ولفت القربي إلى أن “موقف دول الاتحاد تابع للموقف الأميركي”، موضحاً أن “واشنطن ضد أي تقارب أو تطبيع مع نظام بشار الأسد، لذا من الطبيعي أن يتناغم موقف الاتحاد الأوروبي مع الموقف الأميركي”. ورأى أن الأزمة الأوكرانية “قد تؤدي إلى تراجع الاهتمام الأوروبي بالأزمة السورية”.
المصدر: العربي الجديد