بدأت ثورتنا بالمظاهرات، وكانت هي الشكل الأول الذي عبر فيه السوريين عن أهدافهم بحياة حرة وكريمة وإسقاط النظام، واستمرت المظاهرات على مدى سنوات الثورة، تخفت تارة وتتعاظم تارة، ربما لأن الثورة أخذت طابعًا مسلحًا على الرغم منها، بسبب تمادي النظام في قتلنا بكل أنواع الأسلحة التي يملكها. وبعد سنوات من الثورة، وبسبب مشاركة روسيا في قتل السوريين وحرق أراضيهم، استطاع النظام أن يستعيد السيطرة على جزء كبير من سورية، كان الثوار قد حرروها منه بأبسط ما يملكون من أسلحة.
وبعد أن ساعدت روسيا النظام على استعادة جزء واسع من الأراضي بدأت مساعيها لأجل إعادة تأهيله سياسيًا وإعادة الشرعية له، كخطوة مكملة لاستعادته غالبية الأراضي التي فقدها.
وفي كل مرة تحاول روسيا بشكل من أشكال الضغط الذي تمارسه أن تعيد شرعية النظام وتسعى لإنجاح التطبيع معه مع دولة ما، يفشل الأمر وينتهي، والأسباب واضحة، وهي سجله الإجرامي الواسع ومجازره التي تشهد على وحشيته، إضافة إلى أنه حول سورية إلى دولة فاشلة بامتياز.
إن محاولات التطبيع مع النظام لن تجدي نفعًا، بسبب ما أحدثه لسورية أولًا،
وبسبب ما يعانيه من عزلة سياسية لن يكون الخروج منها بالأمر السهل ثانيًا.
على الرغم من ذلك علينا أن نعي تمامًا أن محاولات روسيا لإنجاح التطبيع مع النظام مستمرة وتسعى إليها بكل قوتها، لأسباب لا يمكن أن نغفل عنها، هي شريكته التي مكنته من استرجاع أغلب سورية بقوتها العسكرية، وهي الآن تستخدم قوتها السياسية في محاولات التطبيع معه، ولا يمكننا كسوريين أن نفرض على الدول ألا تُطبع مع النظام، لأن ذلك يحتاج إلى قوة سياسية لا أظن أننا نمتلكها، لذلك دعونا لا نناقش هذا الأمر. أريد ان أركز على أمر آخر، في البدء كانت المظاهرة، هي سلاحنا الوحيد والسلمي الذي جمع كل السوريين على كلمة واحدة، والآن عودٌ على بدء، المظاهرات هي السبيل الوحيد والسلمي الذي سيحقق مطالبنا، ربما لا نمتلك القوة العسكرية التي يمكن أن تُسقط الأسد، ولا نملك أن نحمل المجتمع الدولي على إسقاط الأسد، لأنه لو أراد ذلك لفعل من 12 سنة، ولا نملك أن نُخرج روسيا وإيران وكافة الميليشيات التي ساندت الأسد، لكننا نمتلك حناجرنا وصوتنا، وهي الحكم في قضيتنا.
والحقيقة التي يجب ألا تغيب عن أحد منا أن الثورة السورية هي ملكنا نحن، وإن تعقد المشهد وتشابكت المصالح أو تضاربت، لن يكون القول الفصل فيها لغير أبنائها.
إن المظاهرات في الشمال أثبتت أن لا تغيير سيطال ثورتنا، لن نصالح، ولن نتنازل عن دماء شهدائنا، ولا عن حق من تشرد واعتُقل وتدمر منزله وفقد عائلته وممتلكاته، لن يكون سهلاً علينا أن نعود إلى حظيرة الأسد بعد كل هذا الثمن الذي دفعناه، ومن خرج على الأسد مرة سيخرج كل مرة.
لقد حطمنا حاجز الخوف داخلنا، ولن يثنينا عن ثورتنا إلا الموت، حقيقةً واضحةً كما الشمس، ظهرت في المظاهرات الأخيرة، وكأنها رسالة للكون كله تحمل إعلان بداية جديدة للثورة السورية، هي طريقٌ بدأناه، لن نتوقف حتى نصل إلى آخره. وهو إسقاط النظام.
المصدر: إشراق