تطبيع أردوغان مع الأسد دونه رفض أميركي

وليد شقير

نعيم قاسم نقل من طهران عتبها على دمشق لعدم التنسيق معها في الانفتاح على أردوغان والإمارات. لم تكن سوريا يوماً خارج إطار الصراع الروسي – الأميركي، وخارج إطار التنافس بين الدول المؤثرة في الميدان السوري، وذلك بعدما تحولت إلى ساحة لشتى أنواع التدخلات في الحرب الدائرة فيها، التي تتصاعد حيناً وتخبو حيناً آخر على وقع تقاطع مصالح الدول أو تعارضها. وهي اليوم في خضم هذا الصراع أكثر، حيث تلعب موسكو دوراً رئيساً في سوريا بالتعاون مع إيران، التي انحازت بدورها إلى روسيا في المواجهة التي يخوضها الغرب وأميركا خصوصاً في أوكرانيا.

إزاء التطورات الأخيرة سواء على الصعيد السياسي أو على الصعيد الميداني على المسرح السوري، أعادت مساعي موسكو لتحقيق المصالحة التركية – السورية إلى الواجهة انعكاسات هذا الصراع على موقف واشنطن من الوضع السوري، فأعلنت رفضها التطبيع مع النظام، فضلاً عن أن هذه التطورات أيقظت مجدداً الريبة الإيرانية من أي ترتيبات جديدة على الأرض السورية، خصوصاً أن لطهران وجوداً عسكرياً منتشراً على امتداد بلاد الشام، خصوصاً أن دولة الإمارات عادت إلى تفعيل انفتاحها على دمشق عبر الزيارة التي قام بها وزير خارجيتها الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان في الرابع من يناير (كانون الثاني) الحالي. وباتت الأسئلة تتوالد عما إذا كانت جهود الجانب الروسي ستخضع لجهود إفشالها بسبب توجس الجانبين الأميركي والإيراني منها، كل لسبب مختلف.

جيش النظام على الحدود يقلق واشنطن

كان هدف الجهود الروسية للمصالحة بين أنقرة ودمشق، تجنيب شمال شرقي سوريا اجتياحاً ينفذه الجيش التركي بعمق 30 كيلومتراً، لإبعاد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) عن الحدود مع تركيا، نظراً إلى اتهامها باحتضان “حزب الاتحاد الديمقراطي” الكردي، و”وحدات حماية الشعب” اللذين تعتبرهما تابعين لحزب “العمال الكردستاني” في تركيا، الذي تصنفه “إرهابياً”. لكن سرعان ما اعتبرت واشنطن أن الكرملين يسعى إلى استهداف حلفائها على الأرض السورية، لأن المصالحة تضمنت خططاً لتولي الجيش النظامي السوري أمن الحدود مع تركيا وإبعاده الميليشيات الكردية عنها، بمجرد انسحاب القوات التركية من المنطقة. فواشنطن باتت تعتبر أن تولي الجيش السوري منطقة الحدود يعني السماح بتوسع الانتشار الإيراني، لأنه يعزز قدرات طهران عبر حليفها السوري، على استهداف القوات الأميركية الموجودة في شمال سوريا في المناطق التي توجد فيها “قسد”، التي تحظى برعاية كاملة سياسياً وعسكرياً من واشنطن، فضلاً عن إضعاف الحليف الكردي الذي تستند إليه في حضورها على الساحة السورية.

عقب نجاح روسيا في ترتيب اجتماع وزراء الدفاع فيها وفي سوريا وتركيا، إضافة إلى قادة الاستخبارات في الدول الثلاث، لمناقشة الوضع في الشمال السوري، في 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، كان للخارجية الأميركية تعليق اقتصر على تذكير الجانب التركي بما سمته “تاريخ الأسد وسجله”، لكن تسلسل الأحداث استدعى رفع واشنطن اللهجة حيال الخطوات التركية، خصوصاً مع إعلان وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو عن لجان تقنية ستجتمع وسيعقبها اجتماع لوزراء خارجية الدول الثلاث منتصف الشهر. وأوضح أردوغان أن الاجتماع على مستوى الرؤساء الثلاثة سيتم لاحقاً، فيما سرب الجانب السوري أن هذه اللجان تشكلت بهدف بحث ترتيبات انسحاب تركي تدريجي من منبج وعين العرب، ثم من محيط إدلب، تمهيداً لحلول جيش النظام السوري مكانها وإنهاء وجود “قسد” في كافة مناطق الشمال الشرقي، وأن هذا سيكون مقدمة للمطالبة بانسحاب الجيش الأميركي. فموسكو وطهران لا تتوقفان عن المطالبة بانسحاب كافة القوات الأجنبية التي لم تأتِ بطلب من الحكومة السورية.

غولدريتش يحذر “أي دولة” من العقوبات

وبعد إشاعة تسريبات بأن دولة الإمارات دخلت على خط الاجتماعات الثلاثية، من خلال زيارة وزير خارجيتها الشيخ عبدالله بن زايد إلى دمشق، وإمكان استضافة أبوظبي اجتماع وزراء الخارجية للدول الثلاث، أعلن المبعوث الأميركي إلى سوريا، نائب مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط، إيثان غولدريتش في السادس من يناير الحالي، في مقابلة مع “تلفزيون سوريا” الناطق باسم المعارضة (يبث من تركيا)، “نحن واضحون، لن نطبع مع نظام الأسد. وقلنا للدول المطبِّعة إنكم لن تحصلوا على شيء من سوريا”. واعتبر أن “نظام الأسد لم يقم بأي شيء لكي يحظى بالتطبيع معه. ونحن نذكّر الدول التي طبعت مع الأسد بأهداف المجتمع الدولي”، مشيراً إلى أن بلاده “لم تفشل في سوريا، ولدينا موقف واضح من التطبيع. كما أننا لم ندفع أحداً للذهاب إلى بشار الأسد ولن ندعم أحداً في هذا الشأن”. وإذ شدد غولدريتش على “أهمية التركيز على الحل السياسي في سوريا وتطبيق القرار 2254″، ذكّر بأن واشنطن “ستحافظ على العقوبات المفروضة على نظام الأسد وأي انتهاك لعقوباتنا على الأسد سنتعامل معه، وسنحقق في نشاط أي دولة تخرق عقوباتنا على سوريا”.

وفي هذا الموقف الأميركي تلويح للجانب التركي بأن التعامل مع نظام الأسد قد يُخضع التعامل التجاري مع النظام السوري للعقوبات خصوصاً أن من التسريبات التي أعقبت الاجتماع الثلاثي على المستوى العسكري أن هناك وعوداً باستثمارات تركية وتعامل تجاري بعد تنفيذ الإجراءات المفترضة بتولي حرس الحدود السوري إبعاد “قسد” عن الحدود، بهدف المساعدة على تنشيط الدورة الاقتصادية في سوريا التي تعاني من أزمة حادة، والمشاركة في إعادة إعمار البنية التحتية لتسهيل عودة جزء من النازحين السوريين في تركيا إلى بلادهم. فأردوغان يتعرض لانتقادات المعارضة بسبب احتضانه هؤلاء النازحين في ظل الوضع الاقتصادي المتأرجح في تركيا.

يذكر أن محاذير قانون “قيصر” الأميركي للعقوبات كانت وراء فرملة تقديم الإمارات مساعدات لدمشق بعد زيارة الأسد لأبوظبي في مارس (آذار) الماضي.

وأوضح الدبلوماسي الأميركي أن واشنطن “ضد أي عملية عسكرية” (قاصداً التلويح التركي بها) في شمال شرقي سوريا، وأشار إلى أنها “ستهدد أمن جنودنا. ووجودنا في سوريا يتعلق بمحاربة الإرهاب”. وأكد “الشراكة المهمة مع “قسد”، معتبراً أن للمعارضة السورية “دوراً لتلعبه”.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، في رأي المتابعين للموقف الأميركي، فالمعلومات الواردة من سوريا تشير إلى أن واشنطن زادت من حجم قواتها في منطقة شرق الفرات واستحدثت قاعدة جديدة لها وتمركز جنود القوات الخاصة الأميركية في موقع الفرقة 17 السورية التي كانت انسحبت منها، إضافة إلى تعزيز عدد الجنود الأميركيين في محيط معبر التنف على مثلث الحدود السورية العراقية الأردنية، كذلك في محيط مطار القامشلي.

رد الفعل الأميركي تبعه إعلان الوزير أوغلو بأنه سيزور واشنطن في 17 يناير، ليلتقي نظيره الأميركي أنتوني بلينكن في اليوم التالي للبحث في الوضع السوري، ولتبديد الاعتراض الأميركي على التطبيع مع الأسد. فالرئيس التركي أردوغان يعمل على تحقيق التقارب مع قيادة النظام السوري قبل الانتخابات التركية أواخر الربيع المقبل، لأن معارضيه يحملون على سياسته في بلاد الشام، فضلاً عن أنه يسعى بحسب مراقبين إلى الإفادة من حاجة موسكو إليه في التطبيع مع الأسد، من أجل التخفيف من مشكلة النازحين.

وسبقت زيارة أوغلو وصول وفد أميركي إلى تركيا للقاء “المجلس الأعلى للمقاومة الأفغانية” سيلتقي أيضاً المسؤولين الأتراك لمناقشة آخر التطورات في شأن سوريا.

وفي المعطيات سواء من دمشق أو من أنقرة، فإن اجتماع وزراء خارجية الدول الثلاث لن يتم قريباً، بانتظار عقد اجتماعات اللجان الفنية التي تقرر تشكيلها في اجتماع موسكو بين وزراء الدفاع في الدول الثلاث، خصوصاً أن من بين مهماتها البحث في مناطق الانسحاب التركي، وتموضع الجيش السوري والتوافق على تعريف موحد للإرهاب وتحديد التنظيمات التي ينطبق عليها… لم تنجز شيئاً مهماً يمكن أن يمهد لشيء.

إيران منزعجة

لم تكن واشنطن وحدها المنزعجة من التطبيع التركي – السوري، بل إن العارفين بهواجس طهران يشيرون إلى عتبها لعدم التنسيق معها في شأن اللقاءات في موسكو، وإلى ريبتها من زيارة وزير خارجية الإمارات الشيخ عبدالله بن زايد المفاجئة إلى دمشق، نظراً إلى أن دول الخليج يهمها استمالة الأسد كي يبتعد عن إيران.

وعلم أن رسالة الانزعاج نقلها إلى القيادة السورية نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم الذي عاد من زيارة إلى طهران منتصف الأسبوع الماضي، ناصحاً بتدارك الأمر بالتواصل مع الجانب الإيراني، فأوفدت دمشق على عجل معاون وزير الخارجية السورية أيمن سوسان، الذي كان شارك في الاجتماعات التمهيدية للقاءات موسكو الثلاثية التي عُقدت في منطقة كسب السورية، ثم في اجتماعات عُقدت في موسكو، إضافة إلى حضوره اللقاء مع الوزير الإماراتي، من أجل إطلاع الجانب الإيراني على تفاصيل ما جرى خلالها. وعليه جرى اتصال بين وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان ونظيره السوري فيصل المقداد ثم إعلان الخارجية الإيرانية عن أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي يدرس زيارة كل من دمشق وأنقرة. وجاء ذلك في سياق استرضاء طهران، حيث إن لأي توافق مع تركيا تأثير على وجودها العسكري في بلاد الشام.

وفضلاً عن أن أي تدابير يُتفق عليها بين أنقرة ودمشق، مثل إعادة نازحين سوريين إلى منازلهم وممتلكاتهم، يُفترض أن يأخذ في الاعتبار موقف طهران التي تمركزت قوات موالية لها في بعض مناطقهم في إطار التغييرات الديموغرافية التي ترعاها طهران، التي تعتبر نفسها شريكاً أساسياً مع الأسد.

المصدر: اندبندنت عربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى