صدر عن دار موزاييك للدراسات والنشر في اسطنبول كتاب الشراقة… للكاتبة السورية المنتمية للثورة، الذي يمثل شهادات عن تجارب معتقلين سوريين وثقتها بالتعاون مع الشبكة السورية لحقوق الإنسان ونشرت على حلقات برنامج ياحرية في تلفزيون سوريا…
في هذا الكتاب – الشهادة – تعيد سعاد قطناني توثيق هذه الشهادات وتنشرها في كتاب .
- الصفعة
– فدوى ابراهيم –
التقت الكاتبة مع فدوى ابراهيم في ألمانيا بعد سنوات من قيام الثورة السورية ربيع ٢٠١١م.
فدوى ابراهيم زوجة المعتقل السياسي عبد العزيز الخير وام المعتقل ماهر الطحان، الذين ما زالوا معتقلين حتى تاريخ تدوين الشهادة .
فدوى ابراهيم ابنة الساحل السوري، انتمت الى حزب العمل الشيوعي الذي نشط منذ ثمانينات القرن الماضي ضد النظام السوري كجزء من التيار الوطني الديمقراطي السوري. اعتقلت فدوى أثناء مداهمة منزلها في دمشق عام ١٩٩٣م، حيث كانت تعيش مع طفليها ماهر وايهم، كانت تخفي في منزلها ناشطة من الحزب، حيث قرر النظام أن يعتقل الحزب كاملا. فدوى من الطائفة العلوية ولا يخفى على أحد أن بنية النظام الامنية والعسكرية من الطائفة العلوية. وعندما دوهم منزلها، بحثا عن القيادي في الحزب عبد العزيز الخير، اكتشفوا انها اخت رئيس التحقيق في الامن السياسي، عاملوها بلين وجاء اخوها، صفعها، اعتقلوها و الفتاة المختفية عندها .
في المعتقل تم التحقيق معها للحصول على معلومات عن رفاقها، وكذلك حاولوا استغلالها لاعتقال احدى الرفيقات، لكنها لم تتعاون معهم. لم يعذبوها شخصيا، لكنها كانت تسمع وترى التعذيب الذي يصيب المعتقلين والمعتقلات من رفاقها ورفيقاتها. استمر اعتقالها في الفرع الامني سنة وشهرين، ثم حولت لمحكمة امن الدولة سيئة الصيت بقاضيها فايز النور وحكمت بسنتين سجن، قضت مدتها المتبقية من الحكم في سجن دوما للنساء…
وعند حصول التحرك الشعبي السوري في ربيع ٢٠١١م. كانت فرحتها وزوجها عبد العزيز الخير بالحراك كبيرا. واعتبروه خشبة خلاص للسوريين، لكنهم كانوا يتخوفوا من تحوله للعمل العسكري. وهذا ما حصل وتحت ضغط عنف النظام وقتله للمتظاهرين وتوسع العنف ليطال السوريين جميعا.
كان زوجها عبد العزيز الخير من المؤمنين بالعمل السياسي السلمي للوصول الى الديمقراطية في سوريا وقد سمح النظام لهامش من التحرك لبعض المعارضين للنظام، ضمن لعبة شق صف المعارضة، وتجمعوا تحت مسمى هيئة التنسيق الوطني وكان عبد العزيز الخير من مسؤوليها، كان يؤمن بضرورة التحرك مع الدول الداعمة للنظام لكي يدفعه لتغيير سياساته ويقدم تنازلات ديمقراطية للشعب السوري الثائر. لذلك التقى بالروس والصينيين، وفي احدى زياراته للصين عام ٢٠١٢م لنفس الهدف عاد واعتقل بالمطار مع ابن فدوى ماهر الناشط أيضا في الثورة السورية وناشط آخر من هيئة التنسيق. ومنذ ذلك الوقت وفدوى تتحرك لتعرف اي معلومة عن زوجها وابنها، لكنها لا تصل إلى نتيجة. غادرت بعد ذلك الى لبنان بصحبة ابنها الثاني ايهم. وهناك كانت بيتا للسوريين، ومن هناك غادرت إلى ألمانيا تعيش هناك وروحها في سوريا مع زوجها عبد العزيز الخير وابنها ماهر الطحان… تنتظر خلاصهم وخلاص سوريا وبناء دولة ديمقراطية عادلة فيها.
- بكرا أحلى.
– باسل هيلم –
التقت الكاتبة مع باسل هيلم في تركيا وتحدث عن مشاركته في الثورة السورية.
باسل هيلم دمشقي عريق، ولد وعاش وتعلم ودرّس الدين فيها، وعمل في أحد جوامعها. كان قبل الثورة التي قامت في ربيع ٢٠١١م ككل السوريين متكيفا مع واقع سيطرة النظام واستبداده وهيمنته على مفاصل الدولة والمجتمع، عمل باسل إضافة للتدريس إماما في أحد مساجدها، كما عمل في التجارة وكان له مصالح اقتصادية كبيرة، وصنع شبكة علاقات واسعة مع كثيرين من الأجهزة الامنية والجيش، يعني كان يتصرف وفقا لواقع المحسوبيات والفساد في الدولة ويحمي نفسه ومصالحه.
كان للحراك الشعبي ومطالبة الناس بالحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية والحياة الأفضل الأثر القوي في باسل حيث قرر أن يقوم بدور في الحراك وان يعمل لينتصر هذا الحراك وتتحقق مطالب الناس، وان هذا ما كان ينتظره السوريين…
بدأ في دعم التظاهر والتخطيط له في كثير من أحياء دمشق. ساهم في إنشاء الكثير من التنسيقيات، عمل من وراء كواليس لتأمين الإمداد بجميع حاجات التظاهر، كان حريصا أن لا يظهر بالصورة وان لا يشارك بالتظاهرات ابدا. لم يكن يعرفه ويعرف دوره إلا عدد محدود من الشباب من قادة التظاهر الذين يتعاملون معه بالمباشر… كان حريصا على عدم تحول الحراك من السلمية الى العنف المسلح. لكن النظام بدأ بإطلاق النار وقتل المتظاهرين. شارك في تشييع جنازة أحد الشباب من طلابه ومن قادة التظاهرات… استمر في دوره في توجيه الحراك ودعمه بعيدا عن الأضواء. استمر ذلك حتى شهر آب عام ٢٠١١م بعد مضي ستة أشهر على الثورة، اعتقل أحد الناشطين وكان على علاقة مباشرة مع باسل، وتحت التعذيب اعترف عليه مما أدى إلى اعتقاله. تصرف باسل وأنه لا علاقة له بالثورة مطلقا. كان الاعتقال مهينا بدأ يطالب بالتواصل مع علاقاته الامنية والعسكرية الواسعة، لكن الأمن رفض ذلك. طالبه بالاعتراف بدوره، وعندما أنكر واجهوه بمن أخبر عنه؛ تلميذه الناشط. لم ينفعه الإنكار، عمل على منع التوسع بالتحقيق، وعدم تقديم مزيد من المعلومات، واقتصر على ما اعترف به تلميذه المعتقل. استمر اعتقاله في اول فرع لشهرين وتنقل من فرع الى آخر. بالمعتقل شاهد وعايش ما لم يخطر على باله. التعذيب بكل الوسائل والأساليب، لا يهم ان قُتل المعتقل أو اصابته عاهة. كثافة في غرف المعتقل وحتى في الزنازين، التجويع والتنكيل كل الوقت. وبعد انتهاء التحقيق معه. نقل الى اكثر من فرع أمني وأعيد التحقيق معه مجددا مع إعادة التعذيب والتنكيل به. كان يستمد صموده وصبره من إيمانه بالله وأنه عمل بما يرضي الله عنه ومن عدالة قضيته. وبعد فترة التحقيق نقل الى سجن المزة، ومنه الى سجن صيدنايا الاحمر. وهناك عاش لمدة سنتين في حياة أقرب للموت، كان سجن صيدنايا سجن التعذيب الدائم والموت المعلن على كل السجناء. بالقتل المجاني والتجويع والإذلال و الضرب كل الوقت. المهاجع مكتظة الأمراض منتشرة، أطلقوا يد السجانين في أرواح المعتقلين، لم يتركوا أي أسلوب من التعذيب والضرب والاذلال الا واستخدموه. بما فيها تحويل بعض المعتقلين لمخبرين برغيف خبز . أجبروا بعض المعتقلين على اللواطة فيما بينهم؛ تحت التهديد بالقتل. كان المعتقلين تسلية الموت عند السجانين. ومع ذلك لم ييأس باسل من ان يقوم بدور بين المعتقلين بالتوعية وشد الهمة وتحفيظ القرآن وممارسة العبادات قدر المستطاع…
لم يستطع باسل التواصل مع اهله حتى زاروه وهو في سجن صيدنايا لمرة واحدة، كان قد فقد نصف وزنه وهزل. لم تعرفه أمه وزوجته وأبنائه. فرح انه شاهد اهله، وحزن انهم وجدوه بتلك الحال.
استمر باسل معتقلا لم يصبه الموت في سجن صيدنايا ، الذي كان محتملا كل الوقت، رغم تمنيه اياه. حولوه الى المشفى لمعاينة طبية مع آخرين في مشفى تشرين وضعوه مع آخرين في زنزانة المشفى حتى يتم الكشف عنهم. استمر احتجازهم لثلاثة ايام. مات نصف المحتجزين واعيدوا للسجن دون كشف طبي. ثم بعد سنتين من السجن في صيدنايا حوّل باسل إلى محكمة عسكرية. واجهوه بتهم قيادة التظاهر في الشام والاساءة للرئيس والعمل ضد مصلحة الوطن. أنكر كل ذلك واعترف انه شارك في تشييع جنازة تلميذه التي تحولت الى مظاهرة… وبعد ذلك بوقت أطلق سراحه بعد إعادته مجددا الى كل الفروع الأمنية التي كان قد اعتقل فيها في شهر آب من عام ٢٠١٣م، بعد مضى سنتين على اعتقاله…
بعد خروجه من المعتقل نصحوه بالهروب من سورية لأنه سيعتقل مجددا. غادر إلى لبنان ومنها إلى تركيا، وهناك عاش يحلم بسوريا ويتمنى ان يعود لها وقد أسقطت الاستبداد وتحققت الحرية واستعادت الكرامة والعدالة للشعب وبنيت الدولة الديمقراطية وتحققت الحياة الأفضل.
- ثلاث ثقوب في الزنزانة.
رياض اولر – تركي الجنسية –
هذه الشهادة التي كتبتها سعاد قطناني تتعلق بالشاب التركي رياض اولر الذي اعتقل وسجن في سوريا في عهد الاسد الاب والابن لمدة إحدى وعشرين عاما.
بلغ رياض اولر من العمر حوالي العشرين عاما، أراد أن يزور سوريا ويتعلم اللغة العربية فيها. كان من اسرة متدينة، جاء الى سوريا مع زوجته في عام ١٩٩٦م. ودخل معهد لتعليم اللغة العربية. تعرّف على واقع سوريا مع نظامها الاستبدادي، تواصل مع كثيرين من المعارضين السوريين. وانجز بمساعدة بعضهم تقريرا مفصلا عن مجزرة تدمر التي حصلت في الثمانينات من القرن الماضي. حاول إرسالها عبر إحدى وسائل البريد المتوفرة وقتها. وصل التقرير إلى يد المخابرات السورية دون علمه، مما أدى إلى اعتقاله…
اعتقل ولم يعرف هو السبب، وهم لم يخبروه، عذبوه كثيرا، وطالبوا بالاعتراف، وهو لا يعلم بداية عن أي شيء يعترف. استمر اعتقاله لأشهر، ثم اخبروه أن يعترف على نفسه بالعمل ضد الدولة السورية والتخابر مع جهات خارجية للضرر بسوريا ودولتها. لم يقبل بداية رغم شدة التعذيب، لكنه استسلم واعترف لهم بما يريدون أن يقوله. حصل ذلك تحت ضغط اعتقال زوجته وتعذيبها أمامه، لم يستطع التحمل. استمر موقوفا في الفرع الأمني الذي اعتقل به لمدة سنتين، وضع في زنزانة ضمن وحدة قاتلة، لا يتواصل معه أحد. علم بعد فترة أن زوجته معتقلة ايضا. وبعد سنتين نقل مع زوجته الى سجن عدرا السياسي، على اثر اضرابه عن الطعام حتى يتم تغيير وضعه او محاكمته، كما نقلت زوجته الى السجن معه في قسم النساء. طالب ان يلتقي بها ، عذبوه ولكن أصبح يلتقي بها كل شهر لوقت قصير. وبعد مضي أربع سنوات من وجوده وزوجته في سجن عدرا تم تحويله الى محكمة امن الدولة، حاكموه وزوجته هناك بشكل صوري، وحكم عليه بالسجن المؤبد. وحكم على زوجته بالمدة التي سُجنت بها وهي ست سنوات ونصف وأطلق سراحها بعد ذلك. اما هو فقد نقل بعد ذلك الى سجن صيدنايا، حيث وضع في القسم السياسي للسجن. كان بصحبة نخبة من المساجين السياسيين السوريين من الإسلاميين والشيوعيين والقوميين، وهناك قرر ان يستثمر وقته بتعلم اللغة العربية لفظا وكتابة، وأمضى أغلب وقته بالقراءة بكل انواعها. وبعد وفاة الأسد الأب ومجيء الإبن واحتلال العراق، والاعتقالات التي طالت جهاديين إسلاميين قرروا الذهاب الى العراق أو عادوا منه، حيث كان النظام قد فتح الباب لحصول ذلك. وبعد وقت حدث استعصاء سجن صيدنايا الذي تعامل النظام معه بعنف تدميري اولا بحيث قتل الكثير من السجانين والسجناء. ثم تمت محاصرته لاشهر ثم تم اقتحامه بالقصف والتدمير ومات به الكثير من السجناء. نجى رياض من الموت او الاصابة في استعصاء سجن صيدنايا.
كانت حياة رياض قد استقرت نسبيا في السجن بمضي السنوات، تعلم مهنة الشغل اليدوي كان يعمل مشغولات ويبيعها ليعيل نفسه، صنع لنفسه شبكة انسانية رائعة في السجن، كانوا له أشبه بعائلة تقدم له المساعدة كل حين. وبعد مضي سنوات كثيرة وصل خبر سجنه لاهله فجاء أخوه لزيارته. وبعد ان تغيرت العلاقات بين سوريا وتركيا افرج عن معتقلين اتراك وهو لم يشمله الإفراج، وعندما حصل الربيع السوري كان سعيدا لحراك السوريين لاجل اسقاط الاستبداد وبناء الدولة الديمقراطية العادلة. وبدأ النظام يعتقل الناس، أصبح السجن ممتلئا، زيادة عن طاقته اضعافا مضاعفة…
وبعد مضي عشرين عاما في عام ٢٠١٦م على سجنه بدأ يقدم اللوائح ليتم الإفراج عنه. نجح اخيرا بالخروج من السجن بعد مضي احدى وعشرين عاما في سجون النظام، حصل ذلك في نهاية ذلك العام. غادر إلى تركيا والتقى بعائلته. كان قد أُعلن وفاته هناك أعيد تسجيل قيوده مجددا. يتحدث بألم وفقدان وتعاطف عمن تركهم في السجن ممن أمضوا ما يزيد عن الثلاثين عاما…
يؤمن أن الثورة السورية محقّة وأن سوريا سجن كبير ويتمنى للسوريين نجاح ثورتهم وبناء حياة ملؤها الخير، محققة العدل والحرية والديمقراطية والحياة الأفضل.
وفي تعقيبنا على هذا الجزء من توثيق الشهادات، نختصر ونقول:
بسبب كل ذلك ثار الشعب السوري…