جيوبوليتكال: السلام بين العرب وإسرائيل سيظل بارداً.. وهذا هو السبب

أصيب الصحفيون الإسرائيليون الذين كانوا يغطون مباريات كأس العالم في قطر بالذهول من عداء المشجعين العرب تجاههم. وبالنظر إلى أن 6 دول عربية لديها علاقات طبيعية مع إسرائيل، بينما تحافظ دول أخرى على اتصالات عبر القنوات الخلفية مع المسؤولين الإسرائيليين، اعتقد الصحفيون الإسرائيليون أن العرب سيبدون استعدادًا أكبر للانخراط معهم لكنهم كانوا مخطئين.

وقال مراسل إسرائيلي إنه لم يجد من يرغب في التحدث إليه وإن العرب “يهاجمونهم وينتقدون وجودهم”. وخلص المراسل إلى أنه لا أمل في تحسين علاقة إسرائيل بالشعوب العربية. وفي عام 2017، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” للكنيست إن عقبة السلام مع العالم العربي ليست القادة العرب بل الشعب العربي نفسه.

ومع هدوء التوترات الإسرائيلية مع الحكومات العربية، يمكن القول إن عداء الجمهور العربي تجاه الإسرائيليين هو نتيجة الفشل في حل القضية الفلسطينية.

ولم يعتقد “ديفيد بن جوريون”، مؤسس إسرائيل وأول رئيس وزراء، أن الإسرائيليين والعرب سيصبحون شركاء في السلام، ومن ثم، فقد أبدى اهتمامًا ضئيلًا بإشراك المنطقة العربية، مفضلاً بناء الجسور مع دول أجنبية أخرى بدلاً من ذلك. وقد طورت إسرائيل سياسة خارجية قوية في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية والولايات المتحدة وأوروبا الغربية، لكنها لم تدرب الدبلوماسيين على العمل في البلدان والثقافات الناطقة باللغة العربية.

ورأى “بن جوريون” أن الفشل في التواصل ينبع من الاختلافات الثقافية العميقة بين الإسرائيليين والعرب، وفي كتابه “الثقافة والصراع في العلاقات المصرية الإسرائيلية.. حوار الصم”، يشرح المؤلف “ريموند كوهين” كيف وقفت الثقافة في طريق مفاوضات السلام، حتى عندما سعى الطرفان بشغف إلى حل خلافاتهما.

وعلى مدى عقود، احتفظ العرب بشعور الغضب تجاه الاحتلال الإسرائيلي في غضون ذلك، كان القادة العرب أقل قلقًا بشأن خسارة فلسطين، وأكثر اهتماما بتقوية أنظمتهم وبناء الدولة، كما يتضح من الانقلابات في سوريا ومصر.

وجاءت فرص متعددة للتطبيع، لكن الرأي العام العربي كان عائقا في كثير من الأحيان، على سبيل المثال، وجد الرئيس المصري “جمال عبدالناصر” صعوبة في تحقيق السلام مع إسرائيل لأنه لم يرد تشويه سمعته كبطل للقومية العربية. مع ذلك، حافظ القادة العرب على خطوط اتصال سرية مع الإسرائيليين لسنوات.

خلف الأبواب المغلقة

في الواقع، تواصل المسؤولون العرب واليهود خلف الأبواب المغلقة حتى قبل قيام إسرائيل في مايو/أيار 1948. وبالرغم من الخلافات التي حدثت في اللحظة الأخيرة قبل حرب 1948، أرسل العاهل الأردني الملك “عبدالله الأول” جيشه إلى فلسطين ليس لمنع إنشاء دولة يهودية ولكن للاستيلاء على الجزء العربي من خطة تقسيم فلسطين لعام 1947. واستمرت المحادثات الخاصة بين الهاشميين والإسرائيليين حتى اغتيال “عبدالله” عام 1951 وطوال فترة حكم حفيده الملك “حسين”.

وعشية حرب الأيام الستة عام 1967، أبلغ الإسرائيليون “حسين” أنهم لن يهاجموا الضفة الغربية إذا لم يشرع في القتال. وفي حرب 1973، تعاون “حسين” بشكل وثيق مع الإسرائيليين، بالرغم من إرسال لواء من الجيش إلى سوريا في محاولة لإظهار التضامن العربي.

وفي عام 1954، قال “ناصر” لصحيفة “لوموند” إن مصر بحاجة إلى السلام مع إسرائيل حتى تتمكن من التركيز على القضايا الداخلية ويمكن للولايات المتحدة أن تسهل التطبيع. ومع ذلك، أدت عملية “سوزانا” الفاشلة التي نفذها الموساد، والتي استهدفت المصالح الغربية في مصر من أجل تخريب العلاقات الأمريكية المصرية، إلى تصاعد التوترات، والتي أدت بدورها إلى حرب السويس عام 1956.

وفتحت اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 بين مصر وإسرائيل فصلاً جديداً في العلاقات العربية الإسرائيلية. وفي عام 1981، أعلن ولي العهد السعودي الأمير “فهد” عن خطة سلام شاملة بين العرب والإسرائيليين بالرغم من رفض كلا الجانبين لها في نهاية المطاف، ووصفها رئيس الوزراء الإسرائيلي “مناحيم بيجن” بأنها خطة لتدمير دولة إسرائيل تدريجياً.

وفي عام 1994 بعد 8 سنوات من تخلي الأردن عن مطالبته بالضفة الغربية، عقدت عمان صفقة سلام مع إسرائيل واعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني. وفي عام 1999، التقى ممثلو الرئيس العراقي “صدام حسين” سرا مع المفاوضين الإسرائيليين وعرضوا إعادة توطين 300 ألف لاجئ فلسطيني في العراق كغصن زيتون لواشنطن.

وبالرغم من عدم تعامل الولايات المتحدة أو إسرائيل مع العرض على محمل الجد، لكنه كان من الممكن أن يحل مسألة حق عودة اللاجئين، وهو أحد الشروط المسبقة التي وضعتها منظمة التحرير الفلسطينية للتوصل إلى اتفاق الوضع النهائي مع إسرائيل. وفي عام 2020، قال وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، “بيني جانتس” لصحيفة سعودية إنه زار “كل الدول العربية لكن سرا أثناء أداء مهام عسكرية”. بل إنه زار الجزائر التي رفضت بشدة منذ استقلالها عام 1962 الاعتراف بوجود إسرائيل.

ومن الجدير بالذكر أن الرئيس الجزائري “عبدالعزيز بوتفليقة” قرر تفكيك برنامج بلاده النووي بسبب مخاوف أمنية إسرائيلية، بالرغم من موقف بلاده الثابت المناهض لإسرائيل. وفي عام 1999، صافح “بوتفليقة” رئيس الوزراء الإسرائيلي “إيهود باراك” أثناء حضوره جنازة ملك المغرب “الحسن الثاني”، وقال له إنه يمكن الاعتماد على الجزائر لتسهيل السلام في المنطقة.

معضلة مستمرة

ولطالما كانت إسرائيل حريصة على التطبيع لكن النقطة الشائكة كانت دائما القضية الفلسطينية. ومنذ عام 1967، حُرم الفلسطينيون في الضفة الغربية من حقوقهم المدنية. وبموجب الأمر العسكري الإسرائيلي رقم 101 الصادر عام 1967، فإن التجمعات السياسية التي تضم 10 أشخاص أو أكثر محظورة لأسباب تتعلق بالأمن العام. ويجرم الأمر العسكري رقم 1651 الصادر عام 2010 محاولات التأثير على الرأي العام بالسجن لمدة 10 سنوات.

وفي فبراير/شباط الماضي، وصفت منظمة العفو الدولية معاملة إسرائيل للفلسطينيين بأنها “وحشية وجريمة ضد الإنسانية”. وقد أدت هذه الظروف إلى اشتباكات عنيفة متكررة أدت إلى مقتل 227 فلسطينيًا و27 إسرائيليًا في عام 2022 وحده.

وتنبع المواقف العربية تجاه الإسرائيليين أيضًا من حملة التنشئة الاجتماعية السياسية الضخمة المعادية لليهود والتي بدأت في وقت مبكر من عام 1919، عندما بدأ يهود أوروبا الشرقية في الوصول إلى فلسطين. وبعد تأسيس إسرائيل عام 1948 وما تلاها من حروب عربية إسرائيلية، نمت هذه المشاعر السلبية. ويعكس موقف العرب من القضية الفلسطينية هذه التنشئة الاجتماعية الشديدة.

وقدم رؤساء الدول العربية في قمة بيروت عام 2002 مبادرة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وطالبوا بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب الأيام الستة عام 1967 وقبول إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية. لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي رفض الخطة على الفور. وبعد ما يقرب من 20 عامًا، وقّعت إسرائيل اتفاقيات تطبيع مع 4 دول عربية هي الإمارات والبحرين والمغرب والسودان.

وبالرغم أنها تتعامل الآن علنًا مع بعض الحكومات العربية، فإن إسرائيل ما تزال غير جادة جادة في حل القضية الفلسطينية، ولا يوجد دليل على أن المأزق الحالي سينتهي في أي وقت قريب.

ويعد الزمن هو الشاغل الرئيسي لدى إسرائيل، وهذا أمر مفهوم لأنها محاطة بسكان معاديين تهتم نخبهم الحاكمة فقط بالترتيبات الأمنية وليس لديهم صلة باليهود. على سبيل المثال، تضلل الإمارات الجمهور بشأن دافعها للتطبيع مع إسرائيل. وقبل التوقيع على اتفاقية إبراهام في 2020، قال مسؤولون إماراتيون إنهم اتخذوا هذه الخطوة لوقف ضم أراضي الضفة الغربية. غير أن النسخة الإنجليزية الرسمية للمعاهدة لم تذكر سوى تعليق الضم وليس إيقافه.

في الواقع، لا تريد إسرائيل ولا الدول العربية أن ترى إنشاء دولة فلسطينية، ويري البعض أن الأرض الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط أصغر من أن تستوعب بلدين. علاوة على ذلك، ينظر القادة العرب إلى الفلسطينيين باعتبارهم تهديدا ويخافون من حماستهم الثورية.

المصدر | هلال خاشان | جيبوليتكال فيوتشرز – ترجمة وتحرير الخليج الجديد