بانتظار الميلاد السوري

علي محمد شريف

السوريّون حالهم كحال معظم شعوب الشرق يخشون الفرح ويتطيّرون من الضحك؛ وقد يعتبرونه ذنباً ينبئ بالويل والثبور، فغالباً ما يتعوّذون من الشرّ الكامن وراء ضحكهم أو شعورهم المباغت بالسعادة، ويسألون الله خير هذا الشعور، ربما يفسّر هذا الحال إيمان عميق بأنّ الفرح طارئ ومؤقت، وبأنّ الحزن هو الوضع الطبيعيّ الأكثر ملاءمةً في ظلّ الثقافة الغيبية السائدة، وقد يعود الأمر إلى أنّ فترات السلام والطمأنينة التي عاشتها منطقتهم لا تكاد تذكر أمام تاريخ طويل يعجّ بالحروب والمآسي والآلام، ولعل السبب الحقيقي لهذا الشعور، إلى جانب هذا وذاك، يكمن في الخوف من الفقد في أوطان محكومة بالطغيان والاستبداد كقدرٍ ملازمٍ وابديّ.

مع إطلالة أعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة، كذلك في جميع مناسبات السوريين وأعيادهم،   تتجدّد المشاعر المتناقضة، وترتفع حدّة الخلاف والجدل حول المشروعية الأخلاقية في الاحتفال، وفيما إذا كان يحقّ للسوريّ أن يبتهج ويفرح فيما تعلو آهات أبناء وطنه وأنين المشرّدين والنازحين والمهجّرين، وتدوّي في الآفاق صرخات الضحايا والمعتقلين والمفقودين وحسرات ذويهم، وقد يصل استنكار البعض لمظاهر الاحتفال بالأعياد حدّ التجريم.

من الطبيعي أننا حين نتحدث عن الاحتفال بالمناسبات والأعياد لا نقصد بها تلك الكرنفالات والمهرجانات الكراكوزية، الرسمية وشبه الرسميّة، التي تتمظهر بها الشوارع والساحات بأمر نظام الإجرام وأدواته القذرة، فهذه الزعبرات لا تخرج عن كونها ممارسات استفزازية يقصد بها تزييف الواقع، وتجميل الحالة المزرية التي وصلت إليها حالة البلد، وتضليل الإعلام الخارجي الراغب أصلاً في التضليل، وبالتأكيد زيادة جرعة القهر ومنسوبه لدى السوريّ الرازح تحت سلطات الأمر الواقع المافيوية وتعميق إحساسه بالعجز.

كذلك لا يمكن أن نعدّها تعابير احتفالية تلك الممارسات التشبيحية، ومظاهر البذخ والإسراف التي يفتعلها الغوغاء، بل إنها تدلّ على أن مظاهر الاحتفال باتت حكراً على من لا تاريخ له ولا ذاكرة ولا انتماء، وأنّ الفرح لم يعد ممكناً للسوريين ولا لأية طائفة منهم، وإن في أعيادها الأشدّ خصوصية، ما دام نظام الكبتاغون الأسديّ يحتلّ سوريّة ويمارس عربدته على أرضها وشعبها.

إنّ إحياء هذه المناسبات والقيام بالشعائر المعتادة في المعابد والبيوت ليست بالضرورة تعبيرأ عن السعادة والابتهاج، ولا تعدّ تجاهلاً للمعاناة والألم، إنما قد تكون شكلاً من أشكال التضرّع، وسبيلاً لالتماس الخلاص من واقع مأساوي آلت إليه حال الأسر المكلومة والإنسان السوري بعامّة، وهي في أحد وجوهها إصرار على الحياة في مواجهة آلات الموت اليومي، وتمسك بالهويّة والانتماء، وصون لثقافة باتت مهددة بالمحو والإلغاء.

ها هي سنة أخرى تمدّ رأسها لتبتلع ذيل سنة مضت وتحلّ محلّها، لقد شحذت أنيابها وبردت أظفارها متوعّدة ومهدّدة، فهل سيكون السوريّ طريدتها من جديد؟ لقد ابتلعت السنوات الماضية كثيراً من أحلام السوريين وأكلت أخضرها ويابسها ولم تبق لهم سوى انتظار ما لا يأتي. فهل تكون السنة الجديدة عاماً للبشارات وبداية لفرحٍ لا يتخلله القلق والخوف؟

لقد طوّقت الخيبات قلوب السوريين وأنبتت في حلوقهم شوك اليأس، فما عادوا ينتظرون العدالة من سادة الأرض؛ وهم إذ أيقنوا بأنّ من يملك الهيمنة والقدرة على تقرير مصيرهم ومستقبل وطنهم هم حرّاس الجحيم وسدنة الطغيان، فقد استعاضو عن أملهم في يقظة الضمير الأمميّ وفي دعم المجتمع الدوليّ لقضيّتهم الإنسانيّة العادلة، بالابتهال إلى السماء وبالرجاء من مالك الملك، فهو أدرى بما مرّ عليهم بعد هذي السنين العجاف من ويلات، فإمّا ميلاد جديد لسوريا يضاف إلى أعيادهم ويحتفل به من قلبه كلّ سوريّ، وإمّا قيامة على العالم لا تبقي ولا تذر.

المصدر: إشراق

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى