الحرس القومي العربي مليشيا داعمة لنظام الأسد

ليث الزعبي

مقدمة

يعتبر دعم الميلشيات ذات الصبغة الطائفية الشيعية جزءاً أصيلا في سياسية إيران الخارجيّة وذلك لتفتيت محيطهاالإقليمي ذو الصبغة العربية عبر إغراقه في نزاعات مذهبيّة، وتهدف إيران من ذلك للتمدد لتأمين الطريق الحيوي بين طهران وبيروت مروراً ببغداد ودمشق بما بات يعرف بالهلال الشيعي ، ولكن هل كانت أدوات إيران جميعها ذات صبغة شيعية طائفية؟
أم أن إيران دعمت ميلشيات وإرهابيين من مختلف الأديولوجيات والانتماءات السياسيّة؟
هل إيران تعتمد الطائفيّة فقط كوسيلة لتفتيت المجتمعات والدول العربيّة؟
سنحاول في هذا البحث إثبات ارتباط إيران بميلشيات ذات صبغة قومية عربيّة واستخدامها للشباب القومي العربي كأداة قذرة في الحرب السورية.

”ناصريّة” ومقاتلوها متعددو الجنسيات”!

حالة فريدة للدعم الإيراني للميلشيات المقاتلة إلى جانب الميلشيات الإيراتية والنظام السوري ضد فصائل المعارضة المسلّحة على امتداد الأراضي السوريّة منذ انخراطها في الحرب السوريّة في العام 2012.
الفصل الأول في هذا البحث يستعرض جذور نشأة الميلشيا, وكيفيّة تحويل شباب “قومي عربي متحمس” يقوم بنشاطات مدنيّة في البلدان العربيّة إلى ميلشيا مسلّحة تعمل في فلك المشروع اإليراني, وكذلك سنتحّدث عن مدى ارتباطها بحزب البعث السوري, وعن علاقتها بالمنظمات القوميّة العربيّة كالمؤتمر القومي العربي ومنظمة الشباب القومي العربي.
والفصل الثاني سيسلّط الضوء على هيكلية الميلشيا العسكرية وجناحها السياسي و مكتبها الإعلامي وأبرز قياداتها, وكذلك
المعارك التي شاركت بها على امتداد الأراضي السورية.
والفصل الثالث سيركز على الفوائد التي يجنيها الإيرانيون والنظام السوري عن دعم مثل هذه الميلشيات على الصعيد الدولي والسياسي والعسكري فيما سيتناول الفصل الرابع الجدل الدائر حول تجريم من يقاتل معهم من قبل الدول العربية.

 الفصل الأول : النشأة

يحيط الغموض موضوع نشأة الميلشيا, فهنالك روايات متعددة من أطراف متنازعة ولكن يمكن تلخيصها:
– رواية الميلشيا ذاتها : تأسس الحرس القومي العربي في غ زة بعد حرب 2008 ,بهدف “مقاومة” اسرائيل واستعادة الوحدة

العربيّة, ومساندة الحركات والأنظمة العربيّة “المقاومة” لللإمبريالية العالميّة, ولكن حركة حماس “منعتهم” من العمل في غزة.
– رواية المعارضة السورية : تأسست الميلشيا في 2013 بعيد التهديدات الأمريكية بضربات ضد النظام السوري, أي بعد استخدام السلاح الكيماوي في الغوطة الشرقيّة, وبعدما قطعت المعارضة طريق حمص-دمشق الدولي واقتراب المعارضةمن حصار العاصمة دمشق, وتتحدث المعارضة عن دخول عناصر الميلشيا إلى جانب حزب الله اللبناني.
– مصادر إعالمية عربيّة : تحدثت أن الميلشيا نشأت في أواخر 2012 بعيد المؤتمر الناصري العام بتونس في سبتمبر 2012 ,بهدف مساندة النظام السوري ضد “المؤامرة” التي يتعّرض لها, ولمحاربة الجماعات المعارضة لتأمين العاصمة دمشق التي كانت خرجت أحياؤها الشرقيّة والجنوبيّة وقتها من قبضة بشار األسد, وهنالك رواية أخرى تحّدثت أن بداية ” من تونس ببيان لهم بأن تشكيل الحرس مرتبط بتهديدات “بالحماية المنظمة” أطلقها منظمو مخيم “الشباب القومي العربيإثر استهداف سمير القنطار خالل زيارته لفعالية عن فلسطين, يذكر أن سمير قيادي لبناني بحزب الله قتل لاحقا في دمشق بتاريخ .2015-12-19
وعلى الرغم من اختلاف الروايات إلا أنّها تؤ كد أن الحرس القومي تأسس لمساندة النظام السوري ضمن خطّة الجيش السوري للإستعانة بميلشيات أجنبيّة “رديفة” وتشكيل لجان شعبيّة.والمؤكد أن النظام السوري قام باستقطاب وفود من الشباب القومي العربي منذ العام 2012 ,حيث زارت وفود شبابيّة بشكل متواتر في سفارات سوريا في الدول العربيّة .

ساهمت الميلشيا في استعادة بلدة القصير لصالح النظام السوري وفتح طريق حمص-دمشق الدولي, وشهدت البلدى عرضاً علنيّاً من ابراهيم علوش ومسؤول بمنظمة الشباب القومي العربي بتشكيل ميلشيا تساند الجيش السوري في عمليّاته ضد ما وصفوهم “بالإرهابيين”.
بعد هذا اللقاء بشهرين فقط أي في 8 أغسطس 2013 تناقلت وسائل إعلامية عربيّة خبراً أفاد بسقوط عدد من قتلى الحرس القومي العربي في معارك داريّا في غوطة دمشق الغربية, ولكن القتيل ” محمد عليان” الذي شيّع في حي جرماناالدمشقي كان سوريّاً لهذا لم يتم الاهتمان بالخبر على نطاق واسع, واعتبرت الميلشيا ذراعاً لحزب البعث السوري وجزءمن اللجان الشعبيّة.
ولكن الحدث الكبير الذي لفت مراكز الأبحاث السوريّة والعربيّة كان سقوط أول قتيل مصري في سوريا في 2013/9/20, وقالت أن اسمه أحمد غازي عثمان ولقبه الحركي بكر ونعت صفحة على فيسبوك باسم “الحرس القومي العربيبكر وهو من مواليد القاهرة, وأضافت أنه قتل أثناء معارك القلمون.” في عام 2010 وخضع لدورات عسكريّة
ولفت البيان أن القتيل انتسب لمنظمة “الشباب القومي العربيدون تحديد من الجهة التي دّربته, وقاتل ضمن كتيبة جول ج مال في الحرس القومي العربي. وهنا بدأ البحث عن ميلشيا “مصريّة” مرتبطة بالمؤتمر القومي العربي ومخيم الشباب القومي العربي, خصوصاً
أنهم يحملون نفس الشعار, وهو حرف الضاد الذي يرمز للغة العربية، سقوط قتلى آخرين في 2013/10/19 أ ّكد أن الميلشيا ليست مقتصرة على مقاتلين من بلد محدد بل متعددة الجنسياتفالقتيل حسين عيسى الملقب بأبو عدي جزائري الجنسية, والقتيل الفلسطيني محمد خير علي عثمان والمولود بمخيّم السبينة لللاجئين الفلسطينيين بسوريا, وكلاهما قتل بمعارك داريّا أيضاً بمحيط دمشق, والملفت أن جثثهما دفنت فيحي جرمانا الدمشقي ولم ترسل إلى بلدانهما.
ولكن ظهور القائد العسكري للميلشيا علناً حسم الخالف حول طبيعة مقاتليها, فخلال تشييع قتلى مصريين يعملون مع الحرس القومي وهما سامر قاسم شحادة الملقب بأبو شاهد وعامر عيد عبدالله الملقب بأبو ناصر, خرج ذو الفقار العاملي الذي تبيّن الحقاً أنه شيعي لبناني الجنسية واسمه الحقيقي أسعد حسين محمود وخطب متحّدثاً عن مساندة “الحرس القوميللجيش السوري.

 الفصل الثاني الهيكليّة

تحّدث قائد الحرس أسعد حمود اللبناني ونائبه التونسي محمد المعماري عن هيكلية الميلشيا العسكريّة بأكثر من مناسبة,وقال بأنها قوميّة عربيّة ناصريّة, وأن مؤسسيها هم متطوعون من كوادر عملوا سابقاً بالمؤتمر القومي العربي ومخيّمالشباب القومي العربي الذي كان يعقد بعّدة دول عربيّة في أغسطس من كل عام منذ 1990 ,وأسعد نفسه أحد مؤسسيرابطة القوميين العرب. وتداولت وسائل إعلام مشاركة أسعد ح مود في المؤتمر الناصري العام بتونس في عام 2012بصفته أحد منظّمي مخيم الشباب القومي العربي, والتقى وقتها بعّدة قيادات ناصريّة وشيوعيّة تونسيّة أبرزهم محمدالابراهيميوبعد مقاطعة معلومات من مصادر مقّربة من الحرس القومي استطعنا رسم صورة أوسع عن هيكليّتها فهي تتكّون من :
– أربع مجموعات عسكريّة
– مكتب سياسي تنفيذي
– مكتب إعلامي

وتضم مقاتلين من تونس ومصر والجزائر ولبنان وسوريا.
وتحمل المجموعات العسكريّة ) التي تحوّلت لاحقاً لكتائب ( أسماء قيادات يعّدها الناصريون “رموزاً ” قوميّة عربيّة, وقّدرت قناة أورينت السورية عدد المقاتلين في 2013 بصفوف الميلشيا ب500 مقاتل فيما قال مكتب الحرس اإلعالمي أن عددالمقاتلين في 2013 كان 200 ,ولكن عدد المقاتلين اآلن يتجاوز 3 آالف مقاتل, مو ّزعين على المجموعات التالية :
-مجموعة وديع حداد :وهو القائد العسكري الأسبق للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين, وأحد قيادات حركة القوميين العربالناصرية, قتل في ألمانيا عام 1978.
-مجموعة محمد االبراهيمي : وهو القيادي التونسي والأمين العام لحركة الشعب و قبلھا أحد مؤسسي حركة الوحدويين الناصريين التي اسست في ال 2005 ,وتم اغتياله بتونس في سنة 2013.
-مجموعة جول جمال : وهو عسكري سوري فجر طراده البحري في بارجة فرنسية إبان العدوان الثالثي على مصر عام.1956

وقد لوحظ حضور عدد من المشايخ الشيعة اللبنانيين في تأبين قتلى الحرس أبرزهم الشيخ صادق النابلسي

كانت أولى الإشارات إلى ارتباط الحرس القومي بإيران هو ما عرضته قناة الميادين عن مشاركة الحرس في معارك بلدة “سبينة الكبرى” إلى جانب وحدات من حزب الله اللبناني في 2013 ,وهذا ما يفسر التدريبات النوعيّة التي تلقاها مقاتلو الحزب. وتحدثت قناة الآن عن تورط الحرس القومي العربي إلى جانب لواء ذو الفقار الشيعي العراقي بتنفيذ مجزرة في
مدينة النبك راح ضحيتها 40 مدنيا, وكذلك تحدث موقع مراسل سوري بسلسلة تقارير عن الحرس أن المكتب الإعلامي يتبع حزب الله مباشرة ويدار من بيروت.
وتمركزت العمليات الرئيسية للحرس بداية بريف دمشق وريف حمص , وكانوا التشكيل الأهم في معارك القلمون والقاسمیة وحتیتة التركمان, ولكن مع امتداد رقعة الحرب السورية قاتل الحرس في محافظة حلب وحماة وآخر معاركه كانت الهجوم الأخير على محافظة درعا التي أصيب بها قائد الميلشيا.أما عن تسليحها فهي تمتلك الرشاشات الخفيفة والمتوسطة, ومنصات إلطالق صواريخ محليّةالصنع استخدمت بكثافة في معارك حي جوبر الدمشقي(, والعديد من مدافع الهاون,وكذلك العربات المصفّحة المز ودة بمضادات طيران ,وبعض الصواريخ المضادة للدروع.ومن الملفت تواجد نساء كمقاتلات في الميلشيا وعاملات في المكتب الإعلامي ومكاتب التجنيد فيسوريا ولبنان, لعل أبرزهن لمى صياد فلسطينية تقيم بصيدا جنوب لبنان ، دلال المغربي ابنة القيادي الفلسطيني بالميلشيا فادي المغربي ، وهما تشرفان على تجنيد المقاتلات بشكل مباشر وعلى تقديم بعض المساعدات لعائلات قتلى الميلشيا.ومما سبق نلحظ هيكلية متينة ومتشعبة للحرس القومي التي نظّم وجودها مرسوم أصدره بشار الأسد في 2013 يقضي بجواز تشكيل مؤسسات وشركات أمنية بهدف حماية المؤسسات,فالحرس القومي يتفوق على ميلشيا محلية مثل الدفاع الوطني بوجود ذراع إعلاميّة ومكاتب سياسيّة, وكذلك التأكيد الدائم على الإرتباط الوثيق بإيران تتكرر تلك التأكيدات في” يوم الشهيد القومي العربي ” الذي يحييه الحرس في ديسمبر من كل عام.

الفصل الثالث :الفوائد العائدة على إيران من علاقتها مع الميلشيا

تهدف إيران من دعم هذه الميلشيات إلى كسر النمط السائد عن تمثيلها للطرف الشيعي في الصراع الدائر في الشرق الأوسط , وتبعث رسائل عبر دعمها ميلشيات قوميّة للحكومات العربيّة خصوصاً الرباعي العربي, مفادها أننا قادرون على تحريك جبهتكم الداخليّة بأكثر من شكل, ومن هنا نستنتج أن الدول العربيّة التي تحوي تواجداً للطائفة الشيعية قد تكون أيضاً معّرضة لخطر المد اإليراني.وكذلك تستفيد إيران إعلامياً من هذه الميلشيات بدعم روايتها عن “المقاومة” لإسرائيل, وتهدف لتصوير أن المقاومةليست حكراً على المنظمات الشيعية فحسب, بل تؤكد أن ذراعها ودعمها مفتوح ليمتّد لدعم منظمات يرأسها سنّة عرب حتى وإن كانوا من القوميين أو الإشتراكيين أوالعَلمانيين .

الفصل الرابع: الأثر الإقليمي لنشاط الميشليا في سوريا

أثار قتال الحرس ضجة إعلامية ذلك للصدمة التي أحدثها وجود مقاتلين عرب يقاتلون إلى جانب إيران, مما اضطر وزيرالعدل التونسي السابق نور الدين البحيري أواخر عام 2013 بفتح تحقيق حول المقاتلين التونسيين الذين يساندون الميلشيات الشيعية الطائفية خارج البلاد وكان الحدث الأبرز في هذا الصعيد هو توقيف أسعد حمود قائد الميلشيا خلال تنقّلهفي لبنان في مارس 2014 من قبل شعبة الأمن والمعلومات, ولكن تم إطلاقه بعدها إثر تهديدات من حزب الله بالتصعيد لكون أسعد من “المقاومين” المقاتلين تحت “لواء” بشار الأسد ونظامه .

 ختاماً:
تجرم القوانين العربية القتال خارج الإطار القطري عموماً, وتعتبر السلاح حكراً على الجيوش الوطنيّة, فكيف إذا ساند هؤلاء المقاتلون جماعات مصنّفة كجماعات إرهابية, فحزب الله مصنّف في تونس مثالًا كتنظيم إرهابي والتونسيون الذين قاتلوا مع الميلشيا سيعتبرون أنهم قاتلوا مع جماعة إرهابية, فهل سيعودون لبلدانهم دون محاسبة؟ كل ما سبق يطرح إشكاليّة أمام الدول العربية والإقليمية والمجتمع الدولي حيال أؤلئك المقاتلين .

المصدر: الشرق نيوز

 

ملاحظة: ننشر هذه المادة مهما كانت دوافع كاتبها، لنبين أن هؤلاء من مدعي العروبة والناصرية لايمكن أن يكونوا ممن يعبر عن العروبة والناصرية الحقة، فالبوصلة واضحة: من يقف إلى جانب نظام القتل الأسدي وإيران، لايجوز أن يسمى ناصريًا ولا عروبيًا. العروبة كانت وماتزال مع الحق والحقيقة، وليس مع نظم القهر والاستبداد  الفاشيستي، ولا مع المشاريع الفارسية/ الملالية التي تهدد أمن ووجود الأمة كل الأمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى