يمكنك أن تقول في أمريكا وسياستها واستراتيجيتها داخلاً وخارجاً ما تشاء، ابتداءً مما فعله الإنسان الأبيض بالسكان الأصليين لتلك البلاد، مروراً بتعاملها مع السود، وما فعلته في فيتنام وأفغانستان والعراق، واحتضانها لدكتاتوريات لتنفيذ مصالحها، وصولاً إلى “إدارتها” للمسألة السورية، لا المساهمة الفعلية بحلّها، رغم وجود قرارات دولية بهذا الخصوص.
ولا بُدّ أن “خط أوباما الأحمر” لازال في أذهان السوريين، وكذلك طلب أمريكا “تغيير سلوك نظام الأسد”، لا المساهمة الفعلية بتنفيذ القرارات الدولية. وبالتأكيد تذكر “قانون قيصر” كأول مساهمة غير مباشرة بزعزعة كيان نظام الأسد، الذي استطاع من جانبه أن يجعل شعب سورية يدفع فاتورة مفاعيله بالإفقار والإذلال؛ حيث كان طيف قانون قيصر داخلياً كعقوبة على ما يفعله النظام بمواطنيه، ومن أجل دفعه للانخراط بالعملية السياسية. أما قانون الكبتاغون، فهو قصة مختلفة تماماً.
تنظر الدراسة التالية في هذا القانون الجديد من خلال ردة فعل مختلف الأطياف السورية تجاهه، وسياق إصداره وأدواته، والاختلاف بينه وبين ما سبقه من إجراءات ومواقف أمريكية، إضافة إلى مخاطره الفعلية والحقيقية، وما على السوريين القيام به تجاهه.
رؤية الأطياف السورية للقانون
أولئك الذين لازالوا على ضفة “نظام الأسد” لم يدخلوا بجوهر مفاعيل القانون الخطيرة، بل صبّوا جام غضبهم على أمريكا؛ فهي بالنسبة لهم أُم المخدرات، ولا تستطيع ظبط حدودها، وهذا هو أسلوبها في محاربة الشعوب، وهو دليل على عجزها وإفلاسها. وهدفها الوحيد شرعنة بقائها في سورية، وسرقة النفط السوري، وتشويه النظام المقاوم الممانع. استذكر هؤلاء اتهام أمريكا للعراق بأسلحة الدمار الشامل. وما هذا القرار أو القانون برأيهم إلا لمعاقبة النظام لانتصاره على المؤامرة. والنظام صامد وشوكة في حلوقهم؛ وسيبقى رغماً عنهم.
أما ردة فعل مَن هُم في الضفة الرافضة لنظام الأسد فكان مزيجاً من الخيبة والإحباط المُرفَق بالسخرية، وعدم الثقة بأمريكا. قالوا إنهم منذ زمن يسمعون الكلام ذاته، وما القانون إلا حقنة تخدير جديدة؛ ولو أرادت أمريكا أو إسرائيل إسقاطه لانهته على الفور بهاتف؛ ولو لم تكن تريده، لكان مصيره كالقذافي وصدام. يرى هؤلاء أن النظام استخدم السلاح الكيماوي، ولم يحرِّك الأمريكيون ساكناً؛ وكأنهم يريدونه أن يقتل بكل الأسلحة عدا الكيماوي. ولو كان الأمريكيون جادين بمحاسبته لكانت “صوُر قيصر” واستخدامه السلاح الكيماوي كفيلة بإنهائه. بالنسبة لهؤلاء السوريين، نظام الأسد سقط منذ أول رصاصة أطلقها على الشعب؛ وما بقاؤه إلا لاستمرار الدمار.
سياق إصداره وأدواته
بالتحليل، يمكن اعتبار قانون الكبتاغون مكملاً لقانون قيصر؛ وما كان ليأتي، لولا أدلّة دامغة على عصابات “النظام”، حيث يأتي في ظل الوضع الاقتصادي المتهتك لمناطق “النظام”؛ وإصدار هكذا قانون يزيد في عزلته واضعافه وإثارة الناس ضده. إنه يأتي في ظل إفلاس روسي إثر اختناقها في أوكرانيا، وفي سياق اضطرابات غيرمسبوقة في أيران.
إضافةً إلى “قانون قيصر” كأداة، يمكن لهذا القانون- بعد تحديد آليات عمله- أن يستخدم ويفعل مؤسسات ووكالات دولية وأذرعها في الاقتصاد والعلاقات العامة و الإعلام أمريكياً وإقليمياً، وصولاً إلى استخدام القوة المباشرة لإنفاذه. فإذا كان قانون “قيصر” قد حكَم بالسجن المؤبد والعزلة الخانقة على نظام الأسد، فقانون “الكبتاغون” قد حكم عليه بالإعدام العاجل أو الآجل؛ فنحن أمام إغلاق الباب بالمطلق واستحالة استمرار النظام ورأسه.
اختلافه عمّا سبقه
لاشك أن العقوبات على “نظام الأسد” قديمة، وتعود إلى نهاية القرن الماضي، دون أن تؤثر على استمراره؛ بل ساعدته كغطاء لدكتاتوريته واجرامه وفساده؛ إلا أن هذا القانون يختلف عما سبقه من مواقف وتصريحات وإجراءات أمريكية بأنه يسمي ويخص شخص الأسد ونظامه ومفاعيل وأثار إجرامهم ليس على السوريين بل عالمياً. فالرئيس الفرنسي الذي قال يوماً: إن بشار الأسد عدو للسوريين، وليس عدواً لنا؛ لا يستطيع أن يقولها الآن. وإذا كان “قانون قيصر” يخص إجرام النظام بحق السوريين، فقانون الكبتاغون يخص إجرامه دولياً وعالمياً. ويمكن لقانون قيصر أن يكون أداة من أدوات هذا القانون.
المخاطر الفعلية للقانون
صحيح أن القانون صناعة أمريكية، إلا أنه دولي بامتياز عبر استناده وتفعيله لاتفاقات عالمية ودولية لمكافحة الجريمة بحكم تهديده للأمن والسلام العالمي؛ وبذلك يتجاوز بطيفه الحدود السورية، ويضع المحيط الإقليمي بحالة استنفار لظبط شحنات “الكبتاغون”، وتعقب منفذيها، وتشديد المراقبة المالية عليهم. وهنا تكمن خطورته على النظام وعلى المنخرطين سلبياً في القضية السورية.
ومن هنا يجعل احتمال أو أمل إعادة تأهيل أو تكرير منظومة الاستبداد مستحيلاً، ليس فقط من خلال حرقه لتلك المنظومة اقتصادياً وسياسياً وأخلاقياً، بل بضغطه على حُماتها وحلفائها ومن يسعى للتطبيع معها.
إن تسمية بشار الأسد ونظامه، يعني لا هو شخصياً ولا نظامه يمكن أن يبقى؛ فالكل مدموغ ومدان: تفكيك شبكات المنظومة وملاحقته وملاحقتها بتهمة جنائية لا سياسية لخطرهم على أمريكا والعالم المعني بذلك. مفاعيل القانون بعيدة عن الصراعات البينية؛ وحلفاؤه لا يستطيعون حمايته؛ حيث أضحى حتى الهروب محفوفاً بالمخاطر.
حتى ولو كان المقصود بقانون الكبتاغون امتلاك ورقة ساحقة ماحقة بيد أمريكا في وجه حُماة النظام وروسيا وإيران لاستعمالها في خدمة ملفاتها ومصالحها الخاصة لاخراجهما وخنقها أكثر، إلا أن القانون يختص بحرق الأسد ومنظومته تحديداً؛ وبمفاعيله وتأثيراته الجانبية والثانوية فقط يطال حُماته.
ما يجب فعله
مع بقاء جذوة ثورة السوريين على الاستبداد والإجرام حيّة في داخلهم، ومع استمرارهم برفض “التصالح” مع هذه المنظومة، وعدم قبولهم أية وصاية على حقوقهم؛ لا بد أن يساهموا باستخدام هذا القانون الجديد كأداة لتحقيق هدفهم من خلال مساهمتهم في انجاحه. على مؤسساتهم الرسمية بداية التواصل مع الأمم المتحدة لطرد ممثل “النظام” حسن خضور في مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات. هذا فضيحة للهيئة الدولية؛ وكذلك التواصل مع دول متضررة من المخدرات. وعليهم حتى كأفراد ومجموعات تتبع بؤر تصنيع وترويج وتهريب الكبتاغون، وكذلك العاملين والصناعيين والشبكات والميليشيات الداعمة لهم عبر البحث والاستقصاء عن أدلة من خلال المتابعة الميدانية على الأرض بحثاً واستقصاءً. لا بُدّ من الوصول إلى مصانع الأدوية السورية ومعرفة ما يجري بها. استقصاء مراكز أمريكية لإنفاذ القانون. من جانبه وبعد شكره، لا بُدّ للمجلس السوري الأمريكي والتجمعات السورية في أمريكا، والتي جعلت هكذا قانون يرى النور متابعة الأمر مع الإدارة والكونغرس بلجانه، عبر جلسات استماع.
المصدر: نداء بوست