لا مستقبل للعرب مع بقاء إيران بخريطتها الحالية

عبدالله غانم القحطاني*

عبر التاريخ حتى قبل الإسلام، والقومية الفارسية تضع عداء العرب في مقدم أولوياتها وتسعى لاقتلاعهم أو تدمير هويتهم وإلحاقهم بها كأتباع. وفي هذه المرحلة من التاريخ أي في وقتنا الحالي، أصبح تهديد الثورة الخمينية المتطرفة أخطر على العرب من أي وقت مضى. ومع أن المكوّن الفارسي شرق الخليج العربي “إيران” لا يزيد على 50 في المئة من بقية المكونات الأخرى، إلا أن الفارسي يهيمن على شعوب عدة مختلفة ويحتل كل مناطقها وينهب ثرواتها.
والسؤال المطروح ليس هل أن التهديد المشار اليه حقيقي أم لا؟ بل هل يمكن للعرب القيام بأي تدبير استراتيجي لردع ثورة إيران الخمينية ومن سيخلفها بعد انهيارها وإيقاف هذا الغزو والتدمير الممنهج الذي يتم تنفيذه بأساليب مختلفة ضد كل ما هو عربي؟. وإذا لم تخطط الدول العربية الفاعلة لإطلاق مشروع قومي استراتيجي مستمر من أجل البقاء فمصيرها سيكون التمزق والتشرد بما هو أسوأ من حال الأمة الكردية والشعوب العربية التي تعيش اليوم تحت هيمنة وإذلال “الحرس الثوري” داخل ايران وخارجها.
صحيح أن الخيارات العربية كانت وما زالت علاجية موقتة وليست استراتيجية للتصدي لعدوان إيران وإنهاء الصراع، لكن في المقابل تتوافر لطهران خيارات عدة واسعة ومُتاحة، إضافة إلى حصولها على غطاء مؤثر من دول كبرى في الغرب والشرق سمح لها بحُرية العمل سعياً لنزع سيادة كل الدول العربية المستقلة وتخريب هويتها الوطنية لتصبح أسوأ من أوضاع العراق واليمن وسوريا ولبنان وليبيا والصومال وفلسطين. ولا بد من الاعتراف بأن كل المحاولات العربية لردع إيران قد فشلت كما فشل القرار العربي لتقديم الدعم المفترض لقوميات عدة صديقة تعيش تحت الاحتلال الإيراني والهيمنة الفارسية ولم تجد من يقف معها، في الوقت الذي تحتل فيه الثورة الخمينية أربع جمهوريات عربية يجري تغيير ثقافتها ومعتقداتها وتراكيبها السكانية على قدم وساق.
وبكل تأكيد يمكن تحجيم هذا الخطر التاريخي من دون إطلاق رصاصة واحدة. ليس هناك اليوم أمام الدول العربية أي خيار تقليدي كما في السابق لتهدئة عدوانية إيران والحد من أطماعها، ويبقى الحل الأخير الممكن، وهو التعامل مع العدو بأساليبه واستراتيجياته نفسها، أي العمل الجاد لتقسيم إيران إلى كيانات عدة في شكل يتفق وخريطة القوميات والشعوب المضطهدة. وخيار التقسيم هذا يمكنه النجاح ولا يحتاج لأكثر من الدعم المدروس عن بعد لتلك القوميات الصديقة التي تناضل لأجل الاستقلال عن نظام عنصري استبدادي لا يمثل هوية تلك الشعوب.
لكن على العرب أولاً تغيير مفهوم العلاقات الحالية مع طهران وعدم الاعتراف بأن على الضفة الشرقية للخليج العربي كياناً سياسياً واحداً اسمه إيران، بخريطتها السياسية القائمة لأن هذا يخالف الواقع والعدل والمنطق، ولن ينفع العرب المزيد من تجاهل السياسة الجغرافية الإيرانية التوسعية الزاحفة التي لن تتوقف بغير نقل المعركة إلى عمقها وتقسيمها كما تفعل هي بالدول العربية. (فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ).
صحيح أن سياسات إيران العدوانية بأنظمتها المختلفة الملكية والجمهورية ضد العرب تنال رضى قُوى دولية معروفة في مقدمها أوروبا التي لا تريد الاستقرار للدول العربية، ولأجل إيجاد توازن استراتيجي ثابت يحقق الاستقرار الدائم للمنطقة العربية فذلك يتطلب من العرب انتهاج سياسات مختلفة بقيادة السعودية ومصر على محاور عدة كما يلي:
– اضعاف الاتحاد الأوروبي وتشجيع خروج المزيد من أعضائه على غرار بريطانيا، وعلينا التأثير في اقتصاد أوروبا العجوز ذلك السند الدائم لإيران والغطاء الاستخباري لأذرعها الإرهابية في العالم، ويجب تكبيدها خسائر كبيرة وإقناعها أن العرب بشر ومن حقهم العيش بسلام في دول عربية عدة، وليس في الإمكان إخضاعهم بالتذويب تحت هيمنة إيران أو غيرها.
– لا بد من الاعتراف الصريح المُعلن بمغربية الصحراء ودعم قيام علاقات مصالح دائمة بين موريتانيا والمغرب بعيداً من أي تدخل إقليمي، وتصحيح مسار علاقات الجزائر بالمغرب وإنهاء هذا التوتر المفتعل الذي ليس له مبرر وإنما يخدم تركيا وإيران وأوروبا والإرهاب.
– المصالح والأمن يستدعيان الشراكة الاقتصادية والأمنية والثقافية مع اثيوبيا لحماية الأمن القومي العربي واستقرار القرن الإفريقي ويجب حل كل الخلافات مع هذه البلاد الكبيرة وعدم ترك ساحاتها للعمل ضد المصالح العربية وخاصة الأمن المائي وأمن جيبوتي عضو الجامعة العربية.
– المصلحة الدائمة والمستقبل يتطلبان تواجداً موسعاً ومتنوعاً لمجلس التعاون الخليجي ثقافياً وأمنياً وأقتصادياً وتجارياً على أرض جمهورية جيبوتي من خلال سيادتها لمصلحة الأمن الوطني الجيبوتي والقومي العربي على حد سواء. مواقف هذه الجمهورية بنّاءة عربياً وتحتل موقعاً استراتيجياً فريداً ومؤثراً تُقدِّر أهميته وتأثيره الدول العظمى والصناعية بعكس أغلب العرب. كما يجب السعي لإقناع إريتريا بالإنضمام للجامعة العربية وعدم التدخل أو المساس بأمن جيبوتي. إريتريا فيها عرب، والبحر الأحمر عربي ويجب أن تتعاون كل الدول المشاطئة له من منطلقات جغرافية وقومية وتاريخية بعيداً من التدخلات الأجنبية المعادية بخاصة التركية والإيرانية والإسرائيلية.
– الأمن العربي- الأفريقي شأن حيوي لكنه لم يحظ بالاهتمام العربي الكافي ولا يجب إغفال أهمية موقع جمهورية تشاد التي يتحدث بعض سكانها اللغة العربية وجيشها هو الأكثر جاهزية بأفريقيا بعد مصر، والقارة بأكملها محل تجاذب دولي خطير، وفرنسا يضمحل دورها في عموم القارة، وعلى الدول العربية أن تضع تشاد الصديقة ضمن دائرة أمنها القومي والسعي لإدخالها منظومة الجامعة العربية.
الخلاصة، إذا لم تُقسم إيران بما يتفق ومطالب الشعوب القومية المسحوقة هناك ويحقق الاستقرار وحسن الجوار للجميع، وإذا لم يعد العرب طريقة نسج علاقاتهم مع غيرهم بشكل يحقق المصالح ويُحيد أدوار (إيران، وإسرائيل) فإن مستقبل الدول العربية أصعب مما يتوقعه الكثير وأعقد مما يبسطه لها بعض موظفي حكوماتها ومستشاريها التقليديين. على هذه الحكومات إعادة قراءة واقعهم ومحيطهم وحجم التهديدات المتعاظمة التي تحيط بدولهم من خلال الخطر الفارسي والإسرائيلي ومنظمات الإرهاب المرتبطة. هذه المخاطر تضيق الخناق التدريجي على العرب بتغاضٍ ورضى من الغرب لتدمير سيادة الدول العربية وتخريب أمنها وثقافتها، ومن يقول بغير هذا فهو مستشار فاشل أو عدو مستتر. ويجب إدراك أن سقوط ثورة الخميني ليس وشيكاً!.
*دراسات إستراتيجية وأمنية

المصدر: النهار العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى