احتجاجات الأردن الدامية تفتح ملف الخلايا الإرهابية النائمة

طارق ديلواني

تصنف معان بأنها مهد للاحتجاجات الاجتماعية لكنها في الوقت ذاته معقل للتيارات المتشددة. فتحت الأحداث الدامية الأخيرة في الأردن ملف الخلايا الإرهابية النائمة في البلاد، حيث وجهت اتهامات للمتشددين بالمسؤولية عن قتل ثلاثة من أفراد الشرطة في مدينة معان التي ظلت تعد إلى عهد قريب أحد معاقل التيارات المتشددة والسلفية.

وعلى رغم الإعلان عن القضاء على “داعش” دولياً، أعادت هذه الأحداث فرضية أن يطل التنظيم برأسه مجدداً في المملكة التي شهدت قبل ست سنوات وتحديداً في ديسمبر (كانون الأول) 2016 مواجهة دامية بين أفراد من “داعش” احتجزوا رهائن من ضمنهم سياح في قلعة الكرك جنوب البلاد، ورجال الأمن الأردني، أسفرت في حينه عن مقتل 11 شخصاً بينهم سائحة كندية وإصابة 34 آخرين.

مدن التطرف

تصنف مدينة معان بأنها مهد للحركات الاحتجاجية على السياسات الاقتصادية للدولة ومعقل للتيارات المتشددة، إذ شهدت منذ عقود جولات من الاضطرابات والقلاقل ورصيداً وافراً من “التمرد”.

ففي عام 1989 وتحت عنوان “أزمة الخبز” شهدت المدينة أحداث شغب واسعة طاولت البنوك والشركات والمدارس والآليات العسكرية، وفي عام 2002 استخدمت حكومة علي أبوالراغب، القوة المفرطة لقمع تحركات في المدينة التي تعاني فقراً وسوءاً في الخدمات العامة، فقصفت بعض مناطقها بالمروحيات.

أما في عام 2014 فصدمت المدينة الأردنيين بتنظيم تظاهرة حاشدة لمناصرة “داعش” تحت نظر وسمع الأجهزة الأمنية التي كانت لا تزال تستوعب صدمة انتشار التنظيم في المنطقة.

أعطت هذه التظاهرة انطباعاً بوجود مناصرين ومؤيدين لـ”داعش” في المدينة، بخاصة بعد الإعلان عن مقتل أكثر من 250 شخصاً من التيار السلفي أثناء قتالهم في صفوف “داعش” داخل سوريا، فضلاً عن وجود أكثر من 1800 مقاتل أردني في صفوف التنظيم، وفق ما كشف عنه منظر التيار السلفي الجهادي الأردني محمد الشلبي الملقب بـ”أبوسياف” والذي ينحدر من مدينة معان.

توظيف الاحتجاجات

يرى خبراء وباحثون في شؤون الجماعات الإسلامية أن التيارات التكفيرية تستغل وجود اضطرابات وقلاقل سياسية في الأردن بين الحين والآخر، لتنفيذ أجندتها ونشر الفوضى وتحويل الاحتجاجات المطلبية نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية إلى مواجهات دامية يتم توظيفها لتنفيذ عمليات إرهابية.

ويرى آخرون أن لهذه التنظيمات وبخاصة “داعش” ثأراً كبيراً مع الأردن بعد النجاح الكبير الذي حققته الأجهزة الأمنية في تحجيمه ومطاردة عناصره وقادته حتى خارج الحدود الأردنية وتحديداً في سوريا والعراق.

من بين هؤلاء الباحث في شؤون التنظيمات الإرهابية، حسن أبوهنية، الذي يرى أن “هذه التنظيمات تستثمر في حالات عدم الاستقرار الأمني والسياسي، لخدمة أجندتها وتوجهاتها”. ويضيف أن “الجماعات الإرهابية أصبحت تنخرط في المجتمع من دون أن يشعر بها أحد، مع تراجع نسبي في الاهتمام بملف الإرهاب في الأردن والعالم في ظل الانشغال خلال السنتين الأخيرتين بقضايا أخرى كتداعيات جائحة كورونا”.

ويرفض أبوهنية القول إن “تنظيم داعش قد هزم”، معتبراً أن “بعض المحافظات الأردنية تعد معقلاً للجماعات المتطرفة كالزرقاء ومعان والسلط”، مفسراً ما حدث في مدينة معان أخيراً بأنه “أقرب إلى فكرة قطعان الذئاب المنفردة التي تعتمد على أشخاص قريبين فكرياً من داعش والقاعدة”.

ولا يستبعد الباحث في مجال الحركات الإسلامية أسامة شحادة أن تكون هذه التنظيمات “قد تم اختراقها خارجياً وتحريضها على استغلال حالة الفوضى في بعض المدن إثر اضراب سائقي الشاحنات احتجاجاً على رفع أسعار الوقود”، لكنه في الوقت ذاته يشير إلى “جهات أخرى مستفيدة من هذه الفوضى وتسعى إلى استغلالها كالميليشيات الشيعية في العراق وسوريا، ومناصري المشروع الإيراني التوسعي في المنطقة”.

ويربط مراقبون بين مؤشرات عودة التهديدات الإرهابية في الأردن والتيار السلفي الذي لا يزال حاضراً في الأردن، ولكن بطرق مختلفة وأساليب جديدة تماهت مع ثورة منصات التواصل الاجتماعي.

ويشير باحثون إلى اعتماد عديد من أنصار هذا التيار على تطبيق “تيليغرام” الأكثر أماناً للتواصل من بين جميع التطبيقات الأخرى، فضلاً عن تشكيل خلايا عائلية وأسرية حفاظاً على محدودية الاختراق.

“الذئاب المنفردة” مجدداً

في عام 2019 طفت إلى السطح مجدداً ظاهرة الذئاب المنفردة، بعد أن أحبطت الاستخبارات الأردنية مخططاً إرهابياً كان يستهدف عاملين في السفارتين الأميركية والإسرائيلية في البلاد، إضافة إلى الجنود الأميركيين الموجودين في إحدى القواعد العسكرية بمنطقة الجفر جنوب الأردن.

وذكرت التحقيقات في حينه أن شخصين من مؤيدي “داعش” كانا يرصدان بشكل دائم السفارتين الأميركية والإسرائيلية والعاملين فيهما، وتحضرا لشن هجمات دموية قبل أن يلقى القبض عليهما. وأسندت محكمة أمن الدولة إلى المتهمين جنايتي التآمر بقصد القيام بأعمال إرهابية، والترويج لأفكار جماعة إرهابية.

ولم تكن تلك المرة الأولى التي يتم فيها الكشف عن إحباط عمليات إرهابية تحمل بصمات “داعش”، إذ كشفت السلطات الأمنية عن إحباط مخطط لخلية مؤيدة لـ”داعش” مكونة من خمسة أشخاص كانت تنوي تنفيذ عمليات في الأردن، واستهداف الحراسات الأمنية أمام منزل رئيس وزراء سابق، والاستيلاء على أسلحتهم، واستهداف دوريات للشرطة ومحاولة خطف أحد رجال الاستخبارات وقتله بمنطقة مهجورة وحرق جثته.

ويعتقد مراقبون أن أخطر ما يمكن أن يواجه الأردن بخلاف الخلايا النائمة، هو ما يسمى “الذئاب المنفردة”، وهو مصطلح يطلق على أفراد غير منتمين إلى “داعش” لكنهم يؤمنون بفكرهم الإرهابي ولديهم استعداد لتنفيذ عمليات لصالحهم بجهد وتمويل شخصي، فقد أظهرت اعترافات متهمين في عمليات إرهابية سابقة شهدها الأردن أن المنفذين لا علاقة لهم تنظيمياً بـ”داعش”، وهو ما بدا جلياً في التحقيقات التي تلت عملية الفحيص الإرهابية في عام 2018 والتي راح ضحيتها ستة من رجال الأمن الأردنيين.

ويرى الباحث في شؤون الحركات الإسلامية المتطرفة مروان شحادة أن “الذئاب المنفردة أكثر خطورة من الخلايا التابعة أو المرتبطة بداعش، كونها تتأثر بالفكر نفسه لكنها تنفذ عملياتها الإرهابية من دون قرار من التنظيم”، مضيفاً “لا توجد دولة في العالم لديها القدرة على منع العمليات الإرهابية للذئاب المنفردة”.

عداء وثأر

واستهدف “داعش” الأردن في عمليات إرهابية في عام 2017 في محافظة الكرك جنوب البلاد، وشن هجوماً إرهابياً على معسكر للجيش الأردني على الحدود مع سوريا انطلاقاً من مخيم الركبان الذي يقع خلف الستار الحدودي داخل الأراضي السورية.

وفي عام 2014 وقع الطيار الأردني معاذ الكساسبة في الأسر بعد تحطم طائرته في منطقة الرقة السورية خلال مهمة ضد التنظيم، في حين قتل ضابط أمن من القوات الخاصة الأردنية في إربد بعد اقتحام مقر خلية تتبع لـ”داعش” في عام 2016.

وفي العام ذاته قتل خمسة عناصر من دائرة الاستخبارات العامة في هجوم مسلح على مقر تابع لدائرة الاستخبارات في مخيم البقعة نفذه أحد أتباع “داعش”.

وفي عام 2018 انفجرت عبوة ناسفة في دورية مشتركة من الأمن العام وقوات الدرك قرب مقر مهرجان الفحيص، أدت إلى مقتل دركيين، وإصابة ستة من أفراد الدورية، كما قتل أربعة من أفراد الأمن في مدينة السلط خلال اشتباك مع إرهابيين.

المصدر: اندبندنت عربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى