النظام السوري قتل المئات من المختفين قسرياً لديه من بينهم نشطاء بارزون في الحراك الشعبي ضده.
باريس – أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان اليوم تقريراً بعنوان “الشبكة السورية لحقوق الإنسان تحصل على المئات من بيانات الوفاة لمختفين قسرياً لدى النظام السوري لم يخبر بهم أهلهم ولم تعلن عنهم دوائر السجل المدني” وأكدت فيه أن النظام السوري سجل المئات من المختفين قسرياً لديه على أنهم أموات من بينهم نشطاء بارزون في الحراك الشعبي ضده.
وقال التقرير -الذي جاء في 29 صفحة- إن الشبكة السورية لحقوق الإنسان بدأت منذ مطلع عام 2018 في رصد حصول العديد من أهالي المختفين قسرياً في مراكز الاحتجاز التابعة لقوات النظام على بيانات وفاة تعود لأبنائهم المختفين قسرياً لديه، وتم ذلك دون أن يتم تبليغهم رسمياً من قبل أي جهة في النظام السوري وإنما علم الأهالي بمحض الصدفة أثناء إجرائهم للمعاملات الروتينية في دوائر السجل المدني، وأدى انتشار هذه الأخبار إلى أن يتوجه مئات عائلات المختفين قسرياً إلى دوائر ومراكز السجل المدني الخاصة بمناطقهم لاستخراج بيانات قيد عائلية، تمكنهم من معرفة مصير أبنائهم إن كانوا من بين المتوفين، وفي حال كانوا كذلك، استخراج بيان وفاة لهم.
وأضاف التقرير أنه ومع بداية عام 2022 بدأت تصل بيانات وفيات إلى الشبكة السورية لحقوق الإنسان لحالات لم يتم الكشف عنها سابقاً، كما لم يتم إخطار أهلها بها، ولم يحصل عليها أهلهم من خلال دوائر السجل المدني، من ضمنها نشطاء بارزون جداً في الحراك الشعبي ضد النظام السوري، من ضمنهم نساء وأطفال، وقد تمكنّت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بناءً على شبكة العلاقات والمصادر التي عملت على بنائها بشكل تراكمي على مدى سنوات من الحصول على المئات من بيانات الوفيات الجديدة، ولدى فريقها خبرة كبيرة في تدقيق وتمييز الوثائق ومدى موثوقيتها.
يقول فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان:
“لقد أشرنا سابقاً إلى احتمالية أن النظام السوري قد يكون قد قام بتسجيل المئات من المختفين قسرياً لديه على أنهم أموات ضمن دوائر السجل المدني، وأن هذه الممارسة قد تكون سابقة عن عام 2018، ولكن النظام السوري كشف عنها في بداية عام 2018، ولكن لم يكن لدينا دليل على ذلك، واليوم تأكد ما توقعناه سابقاً عبر حصولنا على المئات من بيانات الوفيات التي لم تنشر سابقاً، كما لم يعلم أهل المتوفى أنه قد تم تسجيله كمتوفى في دوائر السجل المدني، فهم فهؤلاء كانوا قد اعتقلوا من قبل قوات النظام السوري ثم اختفوا قسرياً ولم يعلم شيء عن مصيرهم، ولدينا تخوف أن يكون القتل هو مصير الباقين من عشرات آلاف المختفين قسرياً لدى النظام السوري”.
جاء في التقرير أن الشبكة السورية لحقوق الإنسان تحتفظ بالمئات من بيانات الوفيات والتي بلغت منذ عام 2018 وحتى نهاية عام 2021 قرابة الــ 1062 بيان وفاة، وقد حصلت منذ مطلع عام 2022 وحتى الآن على 547 بيان وفاة جديد، ولم تنشرها دوائر السجل المدني، ولم تخبر أهلهم بوفاتهم، وبناءً على ذلك تتهم الشبكة السورية لحقوق الإنسان النظام السوري بقتل 547 مواطن سوري كان مختفي قسرياً ضمن سجونه.
وبلغت حصيلة المختفين في مراكز الاحتجاز التابعة لقوات النظام السوري الذين تم تسجيلهم على أنهم متوفون في دوائر السجل المدني 1609 شخصاً بينهم 24 طفلاً و21 سيدة (أنثى بالغة)، و16 حالة من الكوادر الطبية تم تسجيلهم على أنهم متوفون في دوائر السجل المدني، وذلك منذ مطلع عام 2018 حتى تشرين الثاني/ 2022، لم يُذكَر سبب الوفاة، ولم يسلم النظام الجثث للأهالي أو حتى مجرد إعلامهم بمكان دفنها، ولم يُعلن عن الوفاة وقت حدوثها. ومن بين الحصيلة أربع حالات تم التعرف عليها عبر الصور المسربة من المشافي العسكرية التابعة للنظام السوري.
أظهر تحليل البيانات أن الحصيلة الأعلى من بين الـ 1609 حالة التي تم تسجيلها، كان قد تم اعتقالهم من قبل قوات النظام السوري في عام 2012 ثم عام 2013 يليه عام 2014 وهي الأعوام الأبرز التي شهدت أكبر موجة اختفاء قسري في مراكز الاحتجاز التابعة لقوات النظام السوري.
ووفقاً للتقرير فإنَّ الحصيلة الأعلى من بين الـ 1609 حالة كان قد تم تسجيل وفاتهم في عام 2014، وذلك بحسب إخطارات الوفاة الصادرة عن دوائر السجل المدني، تلاه عام 2013 ثم عام 2015. وهي ذاتها الأعوام التي شهدت أعلى وفيات بسبب التعذيب في مراكز الاحتجاز التابعة لقوات النظام السوري. وذكر التقرير أن محافظة ريف دمشق تتصدر بقية المحافظات السورية في حصيلة ضحايا الاختفاء القسري بما لا يقل عن 15703 مختفٍ قسرياً، وتأتي سادساً من حيث حصيلة ضحايا التعذيب بما لا يقل عن 1692 ضحية بسبب التعذيب.
أكد التقرير أن النظام السوري بدأ في تسجيل الوفيات من المختفين قسرياً لديه في دوائر السجل المدني منذ عام 2013 ولكنه لم يكشف عنها سوى مع بدايات عام 2018، وشرح الآلية التي اتبعها النظام السوري لتسجيل هذه الوفيات، وأكد أنها آلية بيروقراطية معقدة، تتورط فيها عدة مؤسسات حكومية، في مقدمتها الأجهزة الأمنية وتتلخص في قيام مكتب الأمن الوطني وهو أعلى سلطة أمنية وعسكرية في سوريا، ويترأسه رئيس الجمهورية بالطلب من مترأسي الأفرع الأمنية والسجون العسكرية إرسال التقارير الخاصة للذين ماتوا في مراكز الاحتجاز، والبيانات المتعلقة بهم وأسباب الوفاة إلى الشرطة العسكرية، وبعد وصول هذه التقارير والبيانات من قبل الشرطة العسكرية لمكتب الأمن الوطني على شكل دفعات بمراحل زمنية متتالية، يقوم المكتب بتنظيمها وإرسالها إلى وزارة الداخلية السورية على شكل دفعات ومراحل والتي بدورها، تقوم بإعادة إرسالها إلى أمناء دوائر السجل المدني بحسب ارتباط كل أمانة سجل مدني بالشخص المتوفي، وبناءً على ذلك يقوم موظفو السجل المدني بتثبيت وقائع الوفاة ضمن سجلاتهم بناءً على التعليمات التي وردتهم.
أشار التقرير إلى أن هناك نوعين لبيانات الوفاة المسجلة في دوائر السجل المدني؛ النوع الأول بيانات وفاة تعطى لأهالي المتوفين من السجل المدني وهي الوثائق التي يحصل عليها ذوو الضحايا المختفين من دوائر السجل المدني بعد مراجعتهم لها وإجرائهم لمعاملة الحصول على بيان وفاة، ويظهر في معظمها أن مكان الوفاة هو دمشق. والعاصمة دمشق هي أكثر مدينة يوجد فيها مراكز الاحتجاز التي يتوفى فيها الشخص المختفي قسرياً، لكن البيان لا يتضمن تحديد اسم أي من مراكز الاحتجاز. والنوع الثاني بيانات وفاة لا تعطى للأهالي، تبقى داخل دوائر السجل المدني، ولا يسمح للأهالي بالحصول عليها، وهي تتضمن مكان/محل الوفاة، وقد تمكن فريق الشبكة السورية لحقوق الإنسان من الحصول على عدد منها ويظهر في معظمها مكان/محل الوفاة في مشفى تشرين العسكري أو محكمة الميدان العسكرية، وهذا يشير إلى أنَّ هذا الشخص قد حكم عليه بالإعدام.
أكد التقرير أن آلية تسجيل المختفين قسرياً لدى النظام السوري على أنهم أموات دون إخبار أهلهم على أنه نظام فاشي، يتعامل بأساليب بربرية مع المواطنين السوريين، في انتهاك لجميع الأعراف والقوانين، وأن هذا الأمر مقصود ويهدف إلى إلحاق أكبر أذى نفسي بأهالي المختفين كاستمرار للسياسة العقابية التي انتهجها ضد كل من شارك في الحراك الشعبي نحو الديمقراطية منذ آذار/2011، وفي كثير من الأحيان تتخوف العائلات من مجرد إعلان وفاة أبنائها المختفين بعد حصولها على شهادة الوفاة، ومن إقامة مراسم العزاء العلنية، وذلك خشية المساءلة والتضييق من الأجهزة الأمنية.
استنتج التقرير أن النظام السوري لم يتقيد بأصول وإجراءات تسجيل المتوفين في مراكز الاحتجاز، والتي من المفترض أن تتم عبر المحامي العام أو نائبه بتنظيم واقعة الوفاة ثم إرسالها إلى أمين السجل المدني ضمن المدة القانونية في تجاوز للمادتين 38 و39 من القانون 13 لعام 2021 المتضمن قانون الأحوال المدنية السوري الجديد. كما خالف الأصول القانونية والأنظمة المتعلقة بالدفن فوفقاً لقانون العقوبات السوري فإن دفن الميت يعتبر جريمة إذا وقع الفعل بقصد إخفاء الموت.
أثبت التقرير أن قوات النظام السوري استهدفت باستراتيجية الإخفاء القسري كل من له علاقة بالحراك الشعبي المناهض لحكم العائلة، ويُظهر تحليل البيانات انتشار هذه الظاهرة في المناطق التي تتميَّز بذلك، وهذا يدلُّ على سياسة ونهج مُتَّسق ومدروس، والاختفاء القسري محظور بموجب القانون الدولي الإنساني العرفي فبحسب القاعدة 98 فإنَّ الاختفاء القسري محظور في النِّزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية.
أوصى التقرير مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة بعقد اجتماع طارئ لمناقشة قيام النظام السوري توفية عشرات آلاف المختفين قسرياً لديه ودون إخبار أهلهم، وبإصدار قرار بموجب الفصل السابع يدين قتل النظام السوري للمختفين قسرياً لديه، ويحمله مسؤولية الكشف عن مصيرهم.
كما أوصى المجتمع الدولي بالتحرك العاجل لإنقاذ بقية المعتقلين قبل أن يقتلوا بسبب التعذيب وسوء ظروف مراكز الاحتجاز، واتخاذ خطوات جدية تجاه عملية التغيير السياسي لإنقاذ الشعب السوري من الدكتاتورية والاستبداد.
إلى غير ذلك من توصيات إضافية..
المصدر: الشبكة السورية لحقوق الانسان