حين يهتم المعارضون الروس بسورية

بسام مقداد

لم يُعرف عن  المعارضة الروسية وإعلامها إهتمامهم بمأساة الشعب السوري، بل هم يلاحقون منذ العام 2015 وجود بوتين ومرتزقته “فاغنر” في سوريا. لكن مأساة الشعب السوري لم تلق كبير صدى في إعلام المعارضة وبرامج أحزابها. وإذا إستثنينا حزب “الحرية الشعبية” PARNAS الذي توقف في أكثر من محطة عند المأساة الإنسانية السورية، والفضل الأساسي في ذلك يعود لنائب رئيس الحزب، الإنساني الكبير، المؤرخ والفيلسوف أندريه زوبوف، لم تشكل المأساة بذاتها مادة في البرامج السياسية لأي من أحزاب المعارضة. فقد إعتمدها “الحزب الديموقراطي الموحد” YABLOKO في البرنامج الإنتخابي لزعيمه ألكسي يافلينسكي الذي ترشح للإنتخابات الرئاسية في العام 2018. ولم تُدرج حينها لإطلاع الشعب الروسي على هذه المأساة والجرائم التي يرتكبها بوتين ومرتزقته وجيشه، بل للمقارنة بين نفقات روسيا في الحرب السورية، وما كان يمكن أن يُبنى بها من مدارس وبنية تحتية في روسيا.

مصدر المعلومات شبه الوحيد عن الحرب السورية في الداخل الروسي هو الإعلام الرسمي، وخاصة شبكات التلفزة الحكومية، وكل ما يعرفه الروسي عن هذه الحرب أن بوتين يحارب الإرهاب هناك في سوريا التي تقع “في مكان ما في البعيد”، ولا يحقق فيها سوى الإنتصارات. ولم تفد المعارضة على الوجه الأفضل من التعتيم الرسمي على ما يدور فعلاً في سوريا. بل قد تكون ركنت إلى ما تقصّده بوتين من عدم إشغال الروسي العادي بالحرب السورية، فلم تعمد إلى الإضاءة غلى سياسة بوتين هذه، بل ركزت إهتمام الروسي على أجوره المنحفصة ومستوى معيشته المتدني. ويتساوى الليبراليون والقوميون اليمينيون في معارضة نظام بوتين في سياسته الإجتماعية الإقتصادية وتشديد قبضته وكم الأفواه في الداخل. لكنهم يفترقون في ما يتعلق بالحرب الأوكرانية والسورية، حيث يؤيد القوميون اليمينيون نهج بوتين التوسعي، بينما يغادر الليبراليون روسيا تحاشياً للملاحقة والإعتقال.

توجهت “المدن” إلى عدد من الإعلاميين المعارضين لنظام بوتين بعدد من الأسئلة، وعلى الرغم من التأكيد على الرد عليها، إلا أننا تلقينا القليل من الإجابات. وقد تكون المقدمة الشخصية للأسئلة لم تعجبهم وكانت السبب في ذلك. فقد رأيت أن حرب بوتين في سوريا وكذلك في أوكرانيا، يتحمل المسؤولية عنها الشعب الروسي أيضاً، الذي لم يخرج بمظاهرة إحتجاج واحدة ضد الحربين. واستناداً إلى ما هو شائع عن فلاسفة ومؤرخين روس، رأيت في الوعي القومي الروسي عاملاً تكوينياً، خاصة أولوية مصلحة الدولة على مصلحة الفرد الشخصية، هو الذي يقف وراء علاقة الإنسان الروسي بالحربين.

ولعل أقصر الإجابات وأكثرها أهمية، لما تعكسه من واقع كم الأفواه والقمع المتصاعد في روسيا الآن، إجابة أحد أبرز الصحافيين الروس المعارضين لنظام بوتين (نمتنع عن نشر الإسم بالطبع). جاء في الرد المقتضب “لن أتمكن، بأي شكل، من الرد على أسئلتكم، وذلك لأنني باق في روسيا، ووفقاً للتشريع الروسي القائم، تحظر على المواطنين مثل هذه المناقشات”. وحين سألت ما إن كان من المناسب في هذا الجو الروسي المفعم بالقمع أن أرسل نص المقالة، جاء الرد “أستطيع القراءة، لكنني لا أستطيع الكتابة”.

الصحافية في الخدمة الروسية في “راديو أوروبا الحرة” سفتلانا براكوبييفا، والتي غادرت روسيا هذه السنة، بعد 43 سنة أمضت معظمها في النضال ضد نظام بوتين، ومن أجل حرية الإنسان ورأيه، جاءت إجاباتها مليئة بالتساؤلات التي تهم الروس. في الرد على السؤال: بإستثناء الوجود الروسي، ما الذي يعنيها بالتحديد في سوريا، قالت بأن الشرق الأوسط بأسره، هو أرض غريبة، غامضة، غير مفهومة “بالنسبة لنا، نحن سكان روسيا”. من المفهوم أنه يعنيهم دور روسيا في الصراع السوري وأساس مصلحتها هناك، لكن يعنيهم أيضاً فهم ما يجري هناك، وما هو جوهر الصراع بين الرئيس الأسد والمجتمع السوري. كما يعنيهم معرفة من يمثل المعارضة السورية، “ومن هم هؤلاء الناس”، وكيف حصل أن تحولت الإحتجاجات المدنية إلى مواجهة عسكرية شاملة. ماهو الدور الذي تلعبة الجماعات الراديكالية الإسلامية في مجابهة الأسد، وإلى أي حد هم منخرطون في المعارضة السورية، وكيف ترى المعارضة مستقبل سوريا.

وعلى سؤالها عن إهتمام الروس بالمأساة السورية الذي يكاد يكون صفرا، قالت براكوبييف بأن سوريا بعيدة، وعدد هائل من الروس لديه مشاكله الخاصة “الجدية بما يكفي” لكي تجد كل الصحافة المحلية نفسها مضطرة للتركيز عليها. أضف إلى ذلك، فإن أي حديث عن المشاكل الخارجية في روسيا، بما في ذلك المشاركة في الصراع السوري، كان يفسره سياسيو المعارضة، وهم على حق، على أنه محاولة من قبل النظام لصرف انتباه الرأي العام عن المشاكل الداخلية، بدءًا من الفساد وحتى محاولات اغتيال خصوم بوتين السياسيين. يمكن الإطالة أكثر في تعداد هذه القضايا، لكن يكفي القول بأن هذه الاتجاهات السلبية هي التي أدت إلى حرب اليوم مع أوكرانيا. والصحافة المستقلة لم تتمكن من الحؤول دونها، رغم أنها كرست كل قوتها للنضال ضد تعزيز الشمولية في روسيا. “أجل، يجب أن نعترف بأننا قللنا من أهمية الحملة السورية بالنسبة لبوتين”.

وهل يشكل وجود بوتين في سوريا أحد مرتكزات نظامه؟ شككت براكوبييفا في ذلك، وقالت بأن بوتين إستطاع، بالطبع، أن يبيع المجتمع الروسي مشاركته في الحرب السورية على أنها إنجازه الخاص، ويردد “نحن نواجه الإرهاب العالمي”. حملة بوتين في سوريا كانت حيلة تكتيكية لصرف انتباه العالم عن ضم القرم. وبشكل عام، يسهل على البروباغندا تقديم النجاحات الخارجية أكثر من الداخلية، فهي تعوض عن الإخفاقات في السياسة المحلية. بروباغندا بوتين لا تفتأ تردد “صحيح أننا رفعنا سن التقاعد، ومداخيل السكان لا ترتفع، لكننا هزمنا داعش في سوريا”.

سياسة “الأرض المحروقة” التي لجأ إليها بوتين في سوريا ويلجأ إليها الآن في أوكرانيا، هل هي سمة من سمات مفهوم بوتين العسكري أم أنها أحد أسس المفهوم العسكري الروسي بشكل عام؟

رأت الصحافية أن هذا السؤال يجب أن يوجه إلى جنرالات بوتين. سياسة نظام بوتين العسكرية مغلقة تماماً بوجه الإعلام والمجتمع، ولا يمكن الحكم على ما يدور في أذهان الأركان العامة. وأي محاولة لجمع المعلومات عن الجيش في روسيا تعادل الخيانة، وتعتبر جريمة جنائية.

الصحافية في موقع Meduza المعارض ليليا ياباروفا جاءت ردودها أكثر إقتضاباً على الأسئلة عينها. فرأت أن سوريا، وبفضل القوى الخارجية أيضاً، تحولت إلى ساحة إختبار تتصارع فيها مصالح مختلف الجماعات ويتم تجريب أحدث الأسلحة. وقالت “نحتاج جميعًا” إلى مراقبة ما يحدث في سوريا عن كثب، وما يحدث الآن في أوكرانيا، كان يمكن رؤية عناصره في سوريا قبل سبع سنوات.

وأضافت ياباروفا بأن معظم الروس اطلع على ما يحدث في سوريا من شبكات التلفزة الرسمية الروسية، والتي فضلت عدم الحديث عن الكارثة الإنسانية طويلة المدى، ولا عن مدى تعقيد هذا الصراع في الواقع. وبقيت صيغة بسيطة في رأس المشاهد الروسي: “روسيا ذهبت إلى سوريا لمحاربة الإرهاب ـــــــــ وانتصرت”.وعن السؤال الثالث قالت بأنها تعرف من مواد “الزملاء” بأن الجيش الروسي جاء إلى سوريا لدعم بقاء الأسد في السلطة. وعن الرابع، قالت بأنها لم تدرس تاريخ النظرية العسكرية الروسية.

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى