هذه بدايات حكومة السوداني في العراق

ولاء سعيد السامرائي

أثارت بداية عمل حكومة محمد شياع السوداني ردود أفعال واسعة من الاستهجان والغضب والاستهزاء لدى مختلف شرائح الشعب العراقي، وهي بعد لم تكمل اختبار المائة يوم الذي يُعطى لأي حكومة لمعرفة جدّية تطبيقها برنامجها، بل الإسراع بتوفير الاحتياجات الضرورية الآنية والأساسية من الخدمات والاستجابة للمطالب التي يزيد عمرها على عشرين عاما، أي منذ بدء عملية الاحتلال السياسية التي فصّلت للأحزاب التي جاء بها الغزو في العام 2003، من دون أن تتحقق.

ورغم أن رئيس الوزراء الجديد ليس من أحزاب العملية السياسية، ولم يكن مثل أعضائها خارج العراق يعمل لدى الدول، إلا أن تقديمه “الإطار التنسيقي” لمنصب رئيس الوزراء، وخصوصا من سلفه نوري المالكي، وصمه قبل أن يستلم رئاسة مجلس الوزراء، لتصبح بداية حكومية لا تبشّر بالخير للعراقيين، بل إنها أعادت لهم ذكرياتٍ أليمةً ومفجعة من الأيام والسنوات العجاف التي شهدها العراق، حينما فرضت الحرب الطائفية على العراقيين، واقترفت باسمها مئات آلاف الجرائم من اغتيالات واعتقالات وتغييب بالجملة وتهجير عنيف وإجرامي، بهدف التغيير الديموغرافي الطائفي. ورغم هذا التاريخ المليء بالجرائم والملطّخ بدماء العراقيين الأبرياء الذي لا يزال حاضرا وشاهدا على هذه الأحزاب، فإنه كان في وسع رئيس الوزراء السوداني فتح صفحة جديدة مع الشعب العراقي، وإظهار نياته الحسنة في حكومة الخدمات التي طرحها برنامجا له وللحكومة التي سيشكلها؟

خيبة العراقيين وحذرهم من شخص رئيس الوزراء، ومن دفعه إلى هذا الموقع، تأكّدا مع اختياره الطاقم الحكومي، وتعيين وزراء من قادة المليشيات ووزراء بشهادات كليات إسلامية مشتراة من جامعاتٍ غير معترف بها في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي التي يُراد لها التفكيك وإعادة التركيب على منهج الولي الفقيه، بتعيين وزيرٍ يحمل هذه الشهادة، استهلّ أول لقاء له، بالقول إنه سيفصل بين الجنسين في الجامعات كأول خطوة في عمله، إضافة الى تكليف أشخاص من دون خبرة ولا كفاءة لوزاراتٍ تتطلب العمل السريع لإنقاذ اقتصاد العراق وزراعته وإعادة المياه إلى أنهاره والكهرباء التي قطعتها دول في الجوار عمدا لتستثمرها. ليس ذلك فحسب، بل انفجرت فضيحة كبرى بوجه السوداني وحكومته لتقضي على آمال العراقيين في أي نوعٍ من الإصلاح ومكافحة الفساد، ومن تحقيق المطالب الخدمية التي دفنتها أحزاب العملية السياسية منذ الحكومة الأولى، ويبدو أن حكومة السوداني لن تكون استثناءً من القاعدة! هذه الفضيحة المجلجلة للأحزاب، والتي سميت زورا بسرقة القرن، سبقتها فضائح أكبر في النفط والكهرباء لوزراء نوري المالكي وغيره، هي سرقة أكثر من ثلاثة تريليونات دينار عراقي، من هيئة الضرائب، يقول كبار الموظفين المطلعين في وزارة المالية إنها تصل إلى عشرة تريليونات دينار، تمت عملية السرقة بمراحل زمنية منذ العام الماضي بتنسيق مع آخرين في وزارة المالية والبنك المركزي والرقابة المالية.

ظاهر هذه الشبكة الكبيرة والمتنفذة من السياسيين هو مجموعة صغيرة، منها عضو برلماني من حزب الدعوة وعضو في اللجنة المالية للبرلمان وشخص آخر معه سرق وحده باعترافه 1618 مليار عراقي. وعلى غير انتظار من الشعب العراقي، وفي فضيحةٍ تعدّ أكبر من فضيحة ما تسمّى “سرقة القرن” يمكن أن تسمّى وبجدارة “بفضيحة القرن”، خرج رئيس الوزراء السوداني، وحوله كتل من الأموال، يعلن، وبطريقة مسرحية من القنوات التلفزيونية، استرداد جزء من الأموال المسروقة، أقل من 182مليار دينار وإطلاق سراح السارق، في سابقة ليست عراقية فحسب بل عالمية! ويقول السوداني في تفسير ذلك إنه جرى بشكل قانوني وفق مادة من مواد العقوبات، “لنتمكّن من إرجاع باقي الأموال”، لكن هذا الكلام فنّده أساتذة القانون والخبراء الماليون، فقد قال عميد كلية القانون في جامعة بابل، هادي حسين الكعبي، وهو ليس من معارضي العملية السياسية، “سأكفر بكل حرف تعلمته وعلمته في علم القانون، سأكفر بكل القيم التي أرشدتني لها القواعد العامة، سأكفر بكل مدارس الفلسفة والأيديولوجيات التي أصلت لمفاهيم العدالة، سأكفر بحكم القانون وعموميته وتجريده وانطباقه على الجميع. نور زهير، السارق، لا يمثل إلا استثناءً مذلا لكل قانوني عراقي. نور زهير سيظل أنموذجا ماثلا لتفاهة المداهنة في تطبيق القانون.

تبادل العراقيون هذا التعليق بشكل واسع في مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن أعلنت الحكومة عن تأخّر صرف الرواتب: “عزيزي المواطن، نعتذر عن سبب تأخير رواتبكم، لأن الأموال كان عندهن جلسة تصوير مع السوداني. شكرا لتفهمكم، مع تحيات وزارة المسرحيات العراقية”.

وجرى إطلاق سراح السارق الآخر النائب السابق من حزب الدعوة بعد إحالته إلى المحكمة التي اكتشفت تضخّما هائلا في حساباته تصل إلى 80 مليون دولار. ومع ذلك، تمت تبرئته من أي جرم؟ إذا كان القضاء في العراق اليوم جزءا من السلطة السياسية، وهو الخصم والحكم، إلا أن هناك أكثر من جهاز حكومي من واجبه وعمله متابعة هذه الجرائم التي لا تمسّ فقط المال العام للدولة، بل أيضا أمنها الوطني، وهي من الجرائم الكبرى وليست جريمة عادية؟ لم تتحرّك وزارة الداخلية، ولا الاستخبارات، ولا هيئة الرقابة المالية، بل لم يعترض البنك المركزي العراقي الذي يراقب ويدقق بسحب ألف دولار على صرف مليارات الدنانير في يوم واحد؟ ليس ذلك فحسب، بل لا تخضع الرقابة المالية التي تعتبر هيئة مستقلة للسلطة تغيبت عن أداء دورها، وكذلك جميع البرلمانيين الذين أغمضوا عيونهم عن بدايات الترتيب لهذه السرقة التي بدأت من اللجنة المالية للبرلمان، مرورا بالبنك المركزي ومديري الضرائب أنفسهم الذين هربوا بالأموال الى دول الجوار. وقد شاهد العراقيون في مناطق المنصور، أرقى أحياء العاصمة بغداد، شاحنات تنقل المال إلى بيوت اشتراها السارق خصيصا لخزن المليارات، من دون أن يجذب ذلك انتباه السلطات الحكومية من أمنية وعسكرية، ولا أن يتم التساؤل عن مصادر هذه الأموال وخزنها في البيوت؟

لا تبشّر بدايات حكومة السوداني فقط بالأمل في توجه حكومي لتحقيق مطالب الشعب العراقي، ولو بالحد الأدنى، ليتمكّن من العودة إلى حياة طبيعية وحل المشكلات التي تتراكم منذ عشرين عاما، والاهتمام بالبنى التحتية لمدن العراق المتآكلة، وإيجاد حلول لمشكلات الماء والكهرباء، والتفاوض مع المحتلين بطريقة تتيح للشعب العراقي الحياة والتنفس والنهوض من الضغوط الجاثمة على صدور مواطنيه الذين تُجبرهم هذه السياسات على ترك العراق وتفضيل العيش بدل عذاب العيش في واحد من أغنى البلدان النفطية في المنطقة. بل يعلن رئيس الوزراء، من طهران التي استدعته، أولوية العلاقات الاقتصادية والأمنية والثقافية بين العراق وإيران، فيما الصحيح وعلى أرض الواقع وما يعيشه الشعب العراقي هو التزام رئيس الوزراء، كما مع أسلافه، باستمرار أولوية العلاقات هذه على المصالح العراقية التي لا وجود لها في عملية الاحتلال السياسية، وذلك بدءا بالإفراج عن لصوص فضيحة القرن.

 

المصدر: العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى