أعاد رفض الرئيس الفلسطيني محمود عباس بقاء المياه الفلسطينية رهن الاحتلال الإسرائيلي في أكبر منبر رسمي عربي وهو جامعة الدول العربية تسليط الضوء على مسألة المياه في فلسطين.
وأكد الرئيس عباس في الكلمة التي قدمها نيابة عنه عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، نائب رئيس الوزراء زياد أبو عمرو أن الفلسطينيين سيتوجهون للجهات الدولية المختصة لوقف عدوان الاحتلال على مياههم، وهو أمر يشبه صراعا أو معركة مؤجلة لكنها قادمة لا محاولة.
جاءت كلمة الرئيس الفلسطيني خلال انطلاق فعاليات المؤتمر العربي الرابع للمياه، الذي تنظمه دولة فلسطين في جامعة الدول العربية في العاصمة المصرية القاهرة، وحمل المؤتمر عنوان “الأمن المائي العربي من أجل الحياة والتنمية والسلام”.
ورأي المؤتمرون أنه لحل قضية نقص المياه في الوطن العربي تقتضي وضع استراتيجية عربية موحدة وشاملة تدافع عن الحقوق التاريخية في المياه العربية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
ومع مطلع كل شتاء يتنفس الفلسطينيون الصعداء لكونهم تجاوزوا شهور الصيف التي تتصاعد فيها أزمة المياه في عموم المناطق الفلسطينية بما فيها قطاع غزة، وهو أمر يترافق مع تسارع إجراءات الاحتلال تحديدا في مناطق الأغوار الشمالية وأقصى جنوب الخليل في مسافر يطا لتكريس سيطرة شبه كاملة على المياه الفلسطينية.
ويحمل موضوع الماء الفلسطيني مفارقة مرعبة حيث يطلب من الفلسطينيين ابتكار وسائل وطرق تقلل من استخدام المياه وأخرى من أجل جمع والاستفادة من مياه الأمطار في حين أن حصتهم منها دون الحد العالمي.
بدوره قال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتيه إن الاحتلال يسرق 600 مليون متر مكعب من المياه الجوفية الفلسطينية البالغة نحو 800 مليون متر مكعب، ويحولها إلى داخل مدنه ومستوطناته.
ومن الجدير ذكره أنه ما زال معدل استهلاك الفرد الفلسطيني للمياه أقل من الحد الأدنى الموصى به عالمياً حسب معايير منظمة الصحة العالمية وهو 100 لتر في اليوم، وذلك نتيجة السيطرة الإسرائيلية على أكثر من 85% من المصادر المائية الفلسطينية.
وفي أخر إحصائية صدرت عبر بيان مشترك عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني وسلطة المياه الفلسطينية عام 2021 فإنه على الرغم من وصول جميع الاسر الفلسطينية الى مصادر مياه شرب محسنة الا أن جودة المياه تحت المحك.
وأشار البيان إلى أنه قبل عام تقريبا بلغ معدل استهلاك الفرد الفلسطيني 81.9 لتراً في اليوم من المياه، وقد بلغ هذا المعدل 85.6 لتراً في اليوم في الضفة الغربية، و77 لتراً في قطاع غزة، وبنقص حوالي 6 لترات عن العام الذي سبقه نتيجة التزايد السكاني.
وأشار التقرير المعلوماتي إلى أنه وبأخذ نسبة التلوث العالية للمياه في قطاع غزة، واحتساب كميات المياه الصالحة للاستخدام الآدمي من الكميات المتاحة، فإن حصة الفرد من المياه العذبة تصل فقط إلى 22.4 لتراً في اليوم.
وبحسب التقرير الرسمي فإن 20% من المياه المتاحة في فلسطين يتم شراؤها من شركة المياه الإسرائيلية “ميكروت”، حيث تعتمد فلسطين بشكل أساسي على المياه المستخرجة من المصادر الجوفية، والتي تبلغ نسبتها 79% من مجمل المياه المتاحة.
ويعاني الفلسطينيون من ضعف كبير في استخدام المياه السطحية والسبب الرئيسي وراء ذلك هو سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على مياه نهر الأردن والبحر الميت، حيث مُنع الفلسطينيون من الوصول إلى مياه نهر الأردن منذ عام 1967 والتي تقدر بنحو 250 مليون متر مكعب.
وتعمل الإجراءات الإسرائيلية على الحد من قدرة الفلسطينيين من استغلال مواردهم الطبيعية وخصوصا المياه وإجبارهم على تعويض النقص بشراء المياه من شركة المياه الإسرائيلية “ميكروت”, حيث وصلت كمية المياه المشتراة للاستخدام المنزلي 84.2 مليون م3 عام 2019.
وفي دراسة للباحث عبد الغني سلامة صدرت عن مركز الأبحاث الفلسطيني الذي يتبع منظمة التحرير الفلسطينية فإن أزمة المياه فلسطين شأنها شأن دول المنطقة، إلا أنها تعاني من مشكلة إضافية تؤدي إلى تعميق الأزمة، لدرجة تجعل منها خانقة، وهذه المشكلة سببها والمسؤول عنها الاحتلال الإسرائيلي، وسيطرته على المياه في الأراضي الفلسطينية، وحرمانه ملايين السكان الفلسطينيين من التمتع بنعمة الماء، أو حتى بالتصرف بالحد الأدنى من حقهم الطبيعي فيه؛ والذي من المفترض أن تكفله القوانين والاتفاقيات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان ومعاهدات السلام.
ويستشهد سلامة في بحثه الذي حمل عنوان “الصراع على المياه في فلسطين… واقع وحلول” بما ورد في كتاب “آخر شفّة” للجيولوجي الألماني “كليمنس مسرشميد” الذي يرى أن أزمة المياه في فلسطين مفتعلة، ويقول إنها أمر سياسي بامتياز.
يؤكد الكتاب الألماني أن فلسطين من البلدان التي تحتوي على مصادر مياه متجددة وجيدة في المنطقة. حيث تشير بيانات الأرصاد الجوية إلى أنه في المئة وخمسين سنة الماضية لم تشهد البلاد سنة واحدة انحبس فيها المطر، وكان معدل سقوط الأمطار على القدس مثلا 564 ملمتراً في السنة، وهي نسبة تزيد عما يسقط في برلين، وأيضا فإن معدل الأمطار في رام الله أكثر منه في باريس.
وبحسب بحث سلامة فقد حصر عناوين أزمة المياه في فلسطين في 15 نقطة أبرزها أن فلسطين تعاني من شح في مصادر المياه الطبيعية كالأنهار والبحيرات العذبة، وانعدام التوازن المائي في الأراضي الفلسطينية، ووضع إسرائيل قيودا كثيرة على استغلال الفلسطينيين للمياه، مثل تقييد استخدام الآبار الارتوازية الزراعية، وعدم إعطاء رخص لحفر آبار جديدة. كما يقوم الاحتلال الإسرائيلي بتدمير المنشآت المائية القائمة من برك وأحواض وآبار، بحجة عدم الترخيص، وانتهاك ما تم الاتفاق عليه في أوسلو، واختلال التوازن بين معدلات الاستهلاك بين الفلسطينيين والإسرائيليين بشكل غير عادل. ورفض إسرائيل، وباستمرار الحديث عن الحوض الغربي الذي يضم مخزوناً للمياه العذبة بكميات كبيرة وعالية الجودة، حيث تقوم شركة المياه الإسرائيلية (ميكوروت) بسحب كميات كبيرة من المخزون الجوفي للضفة الغربية، أو من الآبار الواقعة مباشرة على خط الهدنة (دون مقابل) ثم تقوم ببيع هذه المياه مجددا لبلديات الضفة الغربية. وهو ما يعزز من جعل معركة المياه مؤجلة لكنها قادمة لا محالة.
وفي نهاية المؤتمر طالب العرب المجتمع الدولي باتخاذ الإجراءات اللازمة والكفيلة بإلزام إسرائيل وقف ممارساتها وانتهاكاتها اليومية المتمثلة بالسيطرة شبه الكاملة للمصادر المائية الفلسطينية وانكار حق الفلسطينيين في الاستخدام المنصف والمعقول لمواردهم المائية، ووضع المعيقات أمام جهود توفير المياه للفلسطينيين، إلى جانب تجريم المجتمع الدولي هدم الآبار والمرافق المائية بالضفة الغربية بحجة عدم الترخيص في المناطق المسماة “ج”.
وشددوا على مسؤوليات المجتمع الدولي تجاه الضغط على إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال لوقف الاستهداف الممنهج للبنية التحتية للمياه والصرف الصحي خلال العدوان الإسرائيلي المتكرر على قطاع غزة، ومطالبة إسرائيل بضرورة الامتثال لقرارات وقوانين الشرعية الدولية وتفعيل أدوات المساءلة والمحاسبة الدولية، باعتبار تدمير البنية التحتية وأنظمة المياه والصرف الصحي جرائم حرب وفقا للمادة (8) من ميثاق روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية 1998.
يذكر أن اتفاقية المرحلة الانتقالية في أوسلو قد أشارت إلى اعتراف الجانب الإسرائيلي بالحقوق المائية الفلسطينية، لكنها جعلت التفاوض حول تلك الحقوق إلى اتفاقية الحل النهائي، حيث نقلت اتفاقية غزة – أريحا صلاحيات محددة حول المياه للسلطة الفلسطينية، دون أن تتطرق الاتفاقية إلى الحقوق المائية بالتفصيل. كما خلى الاتفاق من نص صريح يؤكد على سيطرة الفلسطينيين على المياه، وترتب على ذلك حتمية حصول الفلسطينيين على الموافقة الإسرائيلية.
المصدر: القدس العربي