الصفقات المتعارف عليها والمشهورة في العالم الجديد هما نوعان الأولى تجارية ، وهذه لها وقع ورنين كرنين الذهب على المسامع وتفتح لها جميع الابواب ، الثانية سياسية تدار في غرف مغلقة ويعقد قسماً منها فوق الطاولة يعلن للعامة ، والآخر سري يسمى تحت الطاولة هو الأهم ويعتبر جوهر الإتفاق والتنازلات لدى الأطراف المجتمعة .
مثال ذلك صفقة تشكيل الحكومة الحالية التي جاءت بعد ولادة عسيرة وتمت على مرحلتين ، الأولى كانت فوق الطاولة ، وهي تخص الدول الإقليمية وكلا حسب نفوذها وتأثيرها في العراق ، والأخرى تخص الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وتأثيرها في تشكيل الحكومة ، أما المرحلة الثانية فهي الصفقات الداخلية التي تمت بين الأحزاب والكتل وكانت فوق وتحت الطاولة حتى أخرجت هذه الحكومة العتيدة .
بعد فضيحة {سرقة القرن} وإعتقال مجموعة من مافية الفساد بطريقة مهذبة ومريحة ، أعلنت الحكومة عن صفقة غريبة فاقت جميع التوقعات وتجاوزت جميع الأعراف والقوانين سميت «بصفقة استرجاع المال العام» ، وهي إخلاء سبيل الموقوفين بكفالة مالية بسيطة عن طريق القضاء ، مقابل أن يقوم هؤلاء اللصوص بتسوية أوضاع شركاتهم المالية وتسديد ما بذمتهم من أموال للدولة إن وجدت ، وهذه الصفقة لم يكن لها سابقة في تاريخ القضاء العراقي .
إن ما حصل شجع أطرافاً أخرى متورطة في قضايا مشابهة للضغط على السلطة ، من أجل عقد صفقات تطبخ على نار هادئة لإخلاء سبيل ضباطاً كبارا كانوا نافذين في قرارات الدولة ومتورطين بسرقة وتهريب النفط الخام وغيره ، وهي أكبر من صفقة نور زهير وشركائه ، وكذلك صفقة أخرى لتسوية فضيحة الأموال العراقية في البنوك اللبنانية وإستحصالها عن طريق المصارف العراقية إلى آخره من صفقات الفساد .
إن هكذا حكومة تدير البلاد بصفقات فاسدة مع لصوص موقوفين لديها ، تخلي سبيلهم من السجون بحجة إعادة الأموال المسروقة ، وتعزل مسؤولين فاسدين ثم تتراجع عن عزلهم تذكرنا بحكومة المبخوت [ الو عماد ] ، أثبتت للجميع أنها جاءت بإشراف وتدبير لزعماء مافيا الفساد العراقية وتغطية لصفقاتهم المشبوهة التي دمرت البلاد ، فهي ليست حكومة اصلاح كما روج لها ، ولا تستحق أن تمثل الشعب العراقي وتضحياته .