“أما تزال الحرب مندلعة؟” المواطنون يموتون والمناطق تتعرض للقصف ولكن بفارق واحد لا أحد يهتم.
أكثر سؤال يطرح علي بشأن سوريا هذه الأيام هو: “ولكن ألا تزال الحرب مندلعة؟” على امتداد سنوات، طغت أنباء الدولة الشرق أوسطية الواقعة في براثن الحرب على نشرات الأخبار. بدأت القصة في عام 2011 مع تفجر الأمل والعزيمة المثير من خلال انتفاضة على نظام بشار الأسد الدموي تحاكي موجات المظاهرات التي عمت المنطقة.
تفككت الثورة واستحالت حرباً بالوكالة تزداد تعقيداً، أنتجت أكبر أزمة إنسانية وإنمائية في العالم حتى اليوم، ولو أن أوكرانيا قد تضاهيها قريباً.
بعد مرور أكثر من عشر سنوات، ما زال الصراع مستعراً. قتل 350200 شخص على الأقل، وفقاً لأحدث بيانات الأمم المتحدة، مع أن مسؤولي الأمم المتحدة يعترفون بأن هذا الرقم أقل بكثير من عدد القتلى الفعلي. فيما نزح أكثر من 13 مليون سوري داخل البلاد، أو هاجروا إلى الخارج.
ومع ذلك، لم تحل الأزمة بعد، ولم تبدأ عملية سلام ولم تقدم أية ضمانات لسلامة اللاجئين في الخارج أو العائدين إلى البلاد رغماً عنهم. تحول الصراع إلى نزاع دولي يزداد تعقيداً أكثر فأكثر. يسقط الناس قتلى وتتعرض المناطق للقصف. والفارق الوحيد هو أن لا أحد يهتم. بالكاد تأتي نشرات الأخبار على ذكر الموضوع، ولذلك لا يدرك الناس بأن الحرب مستمرة.
خلال الأسابيع القليلة الماضية، شنت كل من تركيا وإسرائيل وروسيا غارات جوية على مناطق مختلفة من البلاد. وهذه دلالة على أن القتال لم ينته به، وعلى أن الأبعاد الدولية للصراع التي تزداد تعقيداً، ترجئ أضعف الآمال بالتوصل إلى حل لهذا الكابوس.
أصبحت البلاد مقسومة إلى ثلاثة معاقل نفوذ، فيما الفصائل السورية مرهونة لأطراف معنية مختلفة. تقدم تركيا دعمها الفاعل للجماعات المعارضة وتسيطر عملياً على الزاوية الشمالية الغربية للبلاد. تقوم أنقرة بقصف القوات الكردية التي تدير منطقة صغيرة في الشمال الشرقي، بدعم من القوات الأميركية، التي انضمت إلى المعمعة هي الأخرى في إطار حربها المزعومة على الدولة الإسلامية.
منذ عام 2015، تدخلت روسيا عسكرياً لدعم نظام الأسد، وقد فرضت نوعاً من الانتصار المكلف جداً على المناطق المدمرة التي يسيطر عليها النظام. وفي هذه الأثناء، تستهدف إسرائيل الأهداف الإيرانية في كل أنحاء البلاد. ويزداد هذا المشهد المعقد أساساً كآبة بسبب احتمال توغل الأتراك مرة أخرى في مناطق سورية تسيطر عليها إجمالاً ميليشيات وحدات حماية الشعب الكردية.
ألقت أنقرة بالمسؤولية عن تفجير قاتل وقع في إسطنبول منذ أسبوعين، على وحدات حماية الشعب التي تعتبرها امتداداً للجماعة المسلحة، حزب العمل الكردستاني. نفت وحدات حماية الشعب ضلوعها في التفجير وردت في بعض الأحيان على الهجمات التي تستهدفها عبر الحدود بقصف الهاون.
لكن اليوم، حذر المسؤولون الأتراك من أن جيش أنقرة لا يحتاج سوى إلى بضعة أيام كي يستعد لغزو بري – وهو تحرك حذرت المجموعات الحقوقية من أنه سيكون مفجعاً نظراً للدمار المنتشر في شمال شرقي سوريا أساساً.
وقال مسؤول تركي لوكالة “رويترز” يوم الإثنين “لن يستغرق انطلاق العملية وقتاً طويلاً. وهو يتوقف فقط على إعطاء الرئيس الأمر”.
تأكيداً على هذه النقطة، تطلق قذائف هاوتزر يومياً من تركيا. وتواصل الطائرات الحربية شن غاراتها الجوية. بسبب هذه الهجمات – ولا سيما تلك التي استهدفت حقول النفط والغاز ومحطات توليد الكهرباء – انقطعت الكهرباء والإنترنت بشكل كبير عن بلدات متفرقة في شمال شرقي سوريا خلال الأسابيع الأخيرة. تعاني المنطقة أساساً أزمة مياه تعود جزئياً إلى التعطيل المستمر لعمل محطة مياه علوك، المصدر الرئيس الذي يمدها بالمياه. كما ينتشر وباء الكوليرا الذي خلف عشرات آلاف الإصابات.
أثار الموضوع قلق روسيا حتى، فطلبت من تركيا الامتناع عن شن هجوم بري شامل. وفي هذه الأثناء، أطلعت الولايات المتحدة شريكتها في حلف الناتو على مخاوفها الجدية بشأن تأثير التصعيد على هدف محاربة داعش في سوريا.
وقال مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية (التي تنتمي إليها وحدات حماية الشعب) – وهي القوات الأساسية التي تدعمها الولايات المتحدة ويقودها الأكراد في سوريا – يوم السبت إنهم علقوا موقتاً العمليات ضد داعش بسبب الهجمات التركية.
كما أطلق عبدي تحذيراً عبر قناة “بي بي سي” الأسبوع الماضي، مفاده بأن قوات سوريا الديمقراطية ستضطر إلى التخلي عن المخيمات التي تضم معتقلي داعش، وهي تديرها منذ الهجوم الذي قادته الولايات المتحدة بهدف تدمير الجماعة الجهادية العالمية. وأضاف عبدي أن الضربات التركية استهدفت أكبر مخيم من بين هذه المنشآت الموقتة، الذي يدعى الهول ويضم أكثر من 50 ألف شخص، مما جعل عملية حمايته مستحيلة بالنسبة إليهم.
باختصار، لا تزال الحرب مستعرة في سوريا، على رغم انتقال التركيز العالمي نحو مناطق أخرى من الكوكب. وقد نكون الآن على شفا فصل دموي جديد.
المصدر: اندبندنت عربية