لم تتمكن دول الجوار من إختراق الحدود العراقية بهذه الطريقة الفجة ، إلا بعد أن أصبحت الأحزاب الكردية الحاكمة تفرض سيطرتها على شمال العراق منذ عام 1991 ، والتي سمحت بتواجد عناصر مخابرات دولية ، إضافة إلى دعم مجموعات كردية إنفصالية ذات أجندات مختلفة ، بالإضافة لعناصر داعش الإرهابية المسلحة التي حصلت على دعم مباشر من رئيس الحزب الديموقراطي وإبنه ، [والتي رصدته المخابرات الروسية آنذاك وهددت بتقديمهم للمحاكم الدولية ]، ومنعت تواجد قوات الحكومة المركزية وأجهزتها الأمنية ، حتى أنها لم تسمح لوزير الداخلية في حكومة المركز السابقة من الوصول إلى الحدود المشتركة مع دول الجوار ، مستغلة ضعف حكومات المركز وصراع أحزابها على المال والسلطة ، مما مكن القيادة الكردية من تمرير مشروعها الإنفصالي ، دون حساب موقف الدول المحاذية شمال العراق ومس أمنها القومي ، والتي من غير الممكن أن تغض النظر عن الفوضى التي تهدد أمنها وإستقرارها .
إن قيادة الحزب الديمقراطي الكردي تعتقد أن السماح لأجهزة المخابرات الدولية استخدام شمال العراق قاعدة لإنطلاق عملياتهم ضد دول الجوار يمكنها من مساعدتهم في تنفيذ مشروعهم الانفصالي ، وحين يتعرض شمال العراق لتهديد وعمل عسكري من قبل تلك الدول ، تتصاعد صيحات قيادات الكرد (وهنا يتذكرون أنهم عراقيون) ويطالبون الجيش العراقي والقوى الأمنية للوقوف بوجه ذلك العمل العسكري .
إن الانتهاكات الإيرانية والتركية الأخيرة تذكرني بحدثين مهمين وقعا شمال العراق ، الاول عام 1996 عندما إشتد الصراع الدموي المسلح بين قوات جلال الطالباني المدعوم إيرانياً ضد قوات مسعود البارزاني ، وتمكنت قوات جلال من إحتلال جميع المدن الشمالية بما فيها أربيل التي سقطت بسهولة مما دفع مسعود البارزاني بطلب النجدة والمساعدة من الحكومة المركزية في بغداد ، وهو ما تم له ذلك على الفور ، وتحرك الجيش العراقي الذي أوقع الهزيمة بقوات الاتحاد الوطني والقوات الإيرانية المتحالفة معه ، وطردهم من أربيل إلى حدود محافظة السليمانية ، { وللعلم كانت جميع قوى المعارضة في ذلك الوقت ضد نجدة الجيش العراقي لمسعود البارزاني ، وتساند تحركات جلال الطالباني والقوات الحليفة له ، باستثناء حراكنا السياسي ، حيث أصدرنا بيانا بإسم مجلس العشائر العراقية الذي كنت اتشرف برئاسته ، ساندنا فيه طلب الحزب الديموقراطي وباركنا تحرك الجيش العراقي لضبط الأوضاع هناك رغم معارضتنا للنظام السابق ، وتحملنا الضغوط الكبيرة نتيجة ذلك الموقف ، حيث كنا ندرك جيداً أن دخول جيشنا العراقي يقضي على النزعة الإنفصالية لدى الساسة الكرد شمال العراق } .
أما الحدث الثاني عندما تحركت القيادات الإنفصالية وعملت الإستفتاء الأخير لإنفصال شمال العراق ، حينها تحركت قواتنا المسلحة مرة أخرى لضبط الأوضاع حتى ان طلائعها وصلت إلى قضاء مخمور وتجاوزته ، وأصبحت أربيل تبعد أقل من عشرة كيلو مترات ، بعد أن فرت قوات البيشمركة أثناء مواجهتها للجيش وتركت خلفها ضحاياها ومواقعها ، وإن أمر اللواء 75 للجيش العراقي المتقدم في العمليات طلب الإذن من مراجعه العسكرية بدخول أربيل وإنهاء مهزلة الإنفصاليين للابد ، لولا ضعف الحكومة المركزية التي رفضت الإذن في التقدم بدخول أربيل لحسابات إنتخابية لاحقة في حكومة حيدر العبادي .
إن كل ما تقدم ذكره أردنا أن نؤكد فيه ، أن الأحزاب الكردية الانفصالية في شمال العراق كانت هي السبب الأول لتصاعد أطماع دول الجوار في بلدنا ، مضيفا لها ضعف الحكومات المركزية ، ولولا ذلك لما تجرأت تلك الدول بالإعتداءات والتحشيد على مدننا وقرانا الحدودية .
وعند وجود قيادة سياسية عراقية قوية ومركزية ، ستهدأ الصراعات وتنتهي أطماع دول الجوار .
وبالرغم موقفنا المعروف من السلطة الحالية ، إلا أن مصلحة الوطن تجعلنا نطالبها أن تعيد النظر بكل الاتفاقيات وتبسط سيادتها ووجودها العسكري شمال العراق دون النظر لموقف الأحزاب الحاكمة هناك ، كي تتمكن من ضبط الأوضاع والوقوف بوجه جميع الأطماع الخارجية .