حدود الهجوم البري التركي: أنقرة تتمسك بعملية عسكرية ضد الأكراد

أمين العاصي وسلام حسن

مع مواصلة تركيا هجماتها الجوية التي تستهدف المسلحين الأكراد في شمال سورية والعراق، فإنها لا تزال مصرّة على تنفيذ هجوم برّي في الشمال السوري لـ”اجتثاث الإرهابيين” في الوقت المناسب، كما تقول.

غير أن الضغوط تتصاعد على أنقرة لثنيها عن القيام بهكذا عملية، قد تكون محكومة بتوافقات دولية، لمنع أي اصطدام بين الأطراف الموجودة والمتحكمة بالميدان السوري، ولا سيما روسيا والولايات المتحدة إلى جانب تركيا، وذلك بالتوازي مع تهديدات من “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) بأن أي هجوم تركي سيعني “اتساع نطاق الحرب ليشمل جميع المناطق”.

تركيا تتوعد بعملية برية

وفي اليوم الرابع من عملية “المخلب ـ السيف” التي أطلقتها القوات التركية الأحد الماضي في العراق وشمال سورية، ضد الوحدات الكردية، بعد تفجير إسطنبول في 13 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، تعهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بـ”اجتثاث الإرهابيين” من مناطق تل رفعت ومنبج وعين العرب، شمالي سورية.

وفي كلمة له أمس الأربعاء، خلال مشاركته في اجتماع الكتلة النيابية لحزبه العدالة والتنمية في أنقرة، قال أردوغان: “سننقض على الإرهابيين براً أيضاً في الوقت الذي نراه مناسباً”. وأكد أن العمليات التي نفذتها تركيا بالمقاتلات والمدفعيات والطائرات المسيّرة في إطار عملية “المخلب ـ السيف”، “ما هي إلا بداية”.

وتابع: “التزمنا بتعهداتنا حيال الحدود السورية، إذا لم تستطع الأطراف الأخرى الوفاء بمتطلبات الاتفاقية (سوتشي)، فيحق لنا أن نتدبر أمرنا بأنفسنا”. وأردف: “القوى التي قدمت ضمانات بعدم صدور أي تهديد ضد تركيا من المناطق الخاضعة لسيطرتها في سورية، لم تتمكن من الوفاء بوعودها”. وتابع: “رسالتنا واضحة لمن لا يزالون يحاولون إخضاع تركيا بأساليب خبيثة: لن تنجحوا”. وقال “اقترب اليوم الذي ستصبح فيه الأنفاق الخرسانية التي يستخدمها الإرهابيون للأمان قبورهم”.

وأكد أردوغان أن الذين تسبّبوا في هدر دماء الأبرياء خلال تفجير إسطنبول، سيدفعون الثمن وينالون عقاب فعلتهم. وقال إن “التنظيمات الإرهابية الناشطة في شمال سورية، استهدفت الأراضي التركية بـ764 قذيفة صاروخية ومدفعية، وهذه الاعتداءات تسببت في استشهاد 261 مواطناً تركيا منذ 2015”.

وأشار أردوغان إلى أن “محاولات العالم الغربي لفصل التنظيم الإرهابي الذي ينشط في شمال سورية (وحدات حماية الشعب) عن حزب العمال الكردستاني أمر غير مجدٍ”. وأردف: “نحن مصممون على إغلاق كامل حدودنا الجنوبية من هطاي إلى هكاري بشريط أمني، حتى لا نترك لأحد إمكانية مهاجمة الأراضي التركية، ومن خلال العمليات التي نفذناها، أسسنا جزءا من هذا الشريط وسنكمل ما تبقى بدءا من تل رفعت ومنبج وعين العرب”.

وأكمل: “ينبغي ألّا تنزعج الإدارتان العراقية والسورية من المناطق التي جعلتها تركيا آمنة بفضل العمليات التي نفذتها في نطاق مكافحة الإرهاب، بل على العكس، فالخطوات التي اتخذناها ستضمن أيضا سلامة أراضي العراق وسورية”.

وفي السياق، أعلن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أمس الأربعاء، أنه “تم ضرب 471 هدفاً وتحييد 254 إرهابياً حتى الآن” في إطار العملية منذ الأحد. وقال خلال اتصال مرئي من مركز العمليات التابع للقوات البرية التركية، مع قادة الوحدات الحدودية، إن العملية بدأت بهجوم جوي هو الأكبر والأشمل والأكثر تأثيراً في الفترة الماضية، وهي متواصلة بنجاح.

ولفت إلى أن “الإرهابيين حشروا في الزاوية عقب عمليات القوات المسلحة التركية، وقاموا بقصف مواقع مدنية بدناءة”. وشدّد على أن القوات التركية لا تستهدف سوى التنظيمات الإرهابية مثل “وحدات حماية الشعب/حزب العمال الكردستاني”، والمواقع التابعة لها. وأردف: “ليس لدينا أي مشاكل مع أي مجموعة إثنية أو دينية أو طائفية أو مع إخواننا الأكراد أو العرب”.

“قسد” تحذر من معركة كبرى

في المقابل، كان قائد “قسد” مظلوم عبدي يقول إنهم مستعدون للتصدي لهجوم بري تركي. وأضاف عبدي، لوكالة “أسوشييتد برس” أمس: “نعتقد أننا وصلنا إلى مستوى يمكننا فيه إحباط أي هجوم جديد. على الأقل لن يتمكن الأتراك من احتلال المزيد من مناطقنا وستكون هناك معركة كبيرة”.

وحذر من أنه “إذا هاجمت تركيا أي منطقة، فسيتسع نطاق الحرب ليشمل جميع المناطق… وسيضر بالجميع”. وعن الصواريخ التي أطلقت الإثنين الماضي نحو تركيا ما أدى لمقتل شخصين وإصابة آخرين، نفى عبدي أن تكون “قسد” قد شنت هجمات على الأراضي التركية.

ودعا مظلوم روسيا والنظام السوري، وكذلك التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، إلى اتخاذ موقف أشد صرامة لمنع غزو بري تركي، محذراً من أن مثل هذا الغزو قد يضر بمحاولات محاربة عودة “داعش”.

وفي وقت قد لا يكون فيه لتهديد “قسد” أي أهمية لدى أنقرة، إلا أن الدخول الروسي على الخط، ومطالبة تركيا بعدم شن هجوم بري شامل في سورية، قد يعرقل أو على الأقل يدفع السلطات التركية لتغيير حساباتها تجاه خططها البرية، خوفاً من اصطدام من الروس.

وقال مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سورية، ألكسندر لافرنتييف، بعد الجولة الـ19 من مباحثات “أستانة” التي اختُتمت أمس الأربعاء في العاصمة الكازاخية، إن روسيا طلبت من تركيا الامتناع عن شن هجوم بري شامل في سورية، لأن مثل هذه التحركات قد تؤدي إلى تصاعد العنف. وأضاف “نأمل أن يصل صدى مناقشاتنا إلى أنقرة وأن توجد وسائل أخرى لحل الأزمة”.

وقال لافرنتيف إن الولايات المتحدة تتبع نهجاً “مدمراً” في شمال شرق سورية، وإن حل القضية الكردية سيكون عاملاً مهماً في تحقيق استقرار الأوضاع في المنطقة.

وأكد البيان الختامي للجولة 19 من “أستانة” أن الدول الضامنة (تركيا وروسيا وإيران) تجدد التزامها الراسخ بسيادة سورية واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها، وضرورة مواصلة مكافحة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره. وشدد البيان على “رفض جميع الأجندات الانفصالية”.

ودان “الوجود المتزايد وأنشطة التنظيمات الإرهابية والجماعات التابعة لها بأسماء مختلفة في مناطق مختلفة من سورية، بما في ذلك الهجمات التي استهدفت منشآت مدنية ومخيمات تؤوي النازحين”.

وشدد على “وجوب تنفيذ جميع الاتفاقيات المرتبطة بشمال سورية تنفيذاً كاملاً”، كما رفض “أي محاولة لخلق حقائق جديدة على الأرض تحت ستار مكافحة الإرهاب، بما في ذلك المحاولات غير المشروعة للحكم الذاتي”.

وأكد عزم الدول “على الوقوف في وجه الأجندات الانفصالية شرق الفرات، والتي تهدف إلى إضعاف وحدة سورية وتهديد الأمن القومي لدول الجوار والتسلل عبر الحدود”.

تواصل الغارات التركية على مواقع “قسد”

ميدانياً، واصل الطيران التركي أمس غاراته على مواقع لـ”قسد” في شمال سورية، والتي تركزت على منشآت نفطية في محافظة الحسكة.

وقالت مصادر محلية لـ”العربي الجديد” إن القصف الجوي التركي تركز أمس على منشآت النفط والغاز التي تسيطر عليها “قسد” وتتمركز بداخلها، مضيفة أن الطيران التركي قصف حقل العودي النفطي في ناحية القحطانية، ومحطة دجلة للنفط في ناحية الجوادية، ومحطة الغاز في قرية السويدية بناحية المالكية، ومحطة علي آغا للنفط في ناحية اليعربية في ريف محافظة الحسكة الشمالي، وأدى القصف عموما إلى وقوع أضرار مادية.

من جهتها، قالت وكالة أنباء هاوار المقربة من “قسد” إن قصفاً من طائرة تركية أدى إلى إصابة مدنيين بجروح في قرية زيدية التابعة لناحية زركان شمالي الحسكة. وذكرت الوكالة أيضاً أن طائرة مسيّرة تركية قصفت نقطة مشتركة لـ”قسد” مع القوات الروسية في منطقة المباقر شمال تل تمر في محافظة الحسكة ما أدى إلى مقتل عنصر وإصابة ثلاثة آخرين.

وأكد المتحدث باسم “قسد” فرهاد شامي لوكالة “فرانس برس” أن مسيّرة تركية استهدفت مقراً لـ”قسد” داخل قاعدة روسية تقع شمال تل تمر في محافظة الحسكة.

في موازاة كل ذلك، تجدد الحديث عن نيّة الجيش التركي تحريك فصائل المعارضة السورية للقيام بعمل بري ضد “قسد”، قد يستهدف منطقة عين العرب. ولكن مصدراً في “الجيش الوطني” قال لـ”العربي الجديد” إن الهدف المقبل “غير معروف حتى اللحظة”، مؤكداً وجود استعدادات لتنفيذ عملية محتملة في الشمال “عندما يحين الوقت”.

ورأى المحلل العسكري العميد مصطفى الفرحات، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “أي عملية عسكرية تركية محتملة محكومة بتوافقات إقليمية ودولية”، مضيفاً: “سورية تعج بالفرقاء، ولا أحد يريد الاصطدام أو المواجهات الكبرى”. وتابع أن “هناك تفاهمات غير معلنة لتثبيت خرائط السيطرة الحالية، ولا أحد يرغب في تغييرها إلى حين إنجاز تسوية كاملة للأزمة السورية”.

وأشار إلى أن “تركيا قادرة على السيطرة بسهولة على الشمال السوري كله والذهاب أبعد من ذلك، ولكن القرار سياسي استراتيجي يتطلب توافقات”. واعتبر الفرحات أن “عملية “المخلب – السيف” جوية وليست برية”، مضيفاً: “يطير الطيران الحربي التركي في الأجواء السورية وهذا يتطلب تنسيقاً مع الروس والأميركيين منعا للاحتكاك”.

وتوقع ألا يقف الجانب الروسي “بوجه عملية تركية محدودة في الشمال السوري لأن موسكو بحاجة اليوم لأنقرة بسبب الحرب في أوكرانيا”، مضيفا أن “واشنطن لا تريد أي توغل بري من الجانب التركي، ولكنها تسمح بضربات موضعية دفاعاً عن النفس، وليس تغيير الخرائط بشكل واسع”.

من جهته، رأى المحلل السياسي التركي هشام جوناي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن العمليات التركية في شمال سورية “ترفع حدة التوتر بين أنقرة وواشنطن”. ولفت إلى أن الوضع مختلف مع روسيا، فالعلاقات وطيدة والرئيس رجب طيب أردوغان قدّم لموسكو هدية ثمينة، وهي اتجاهه للتطبيع مع النظام السوري عقب الانتخابات التركية المقبلة منتصف العام المقبل. كذلك إن القضاء على “قسد” يعني توسيع نطاق سيطرة نظام بشار الأسد، وهو ما تريده روسيا.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى