ما ثمن إنقاذ رقبة نتنياهو؟

سمير التقي

نادراً ما تستمر حكومة إسرائيلية لأربعة أعوام، بل علمتنا السنين الثلاث السابقة كم من المحتمل أن يقصر عمرها. وسنرى هذه المرة إن كان نتنياهو سيبقى مدة أطول من الحكومة السابقة، لا لشيء إلا لأنه قد يكون بهلواناً أفضل.

يصعب مع إسرائيل تعريف اليمين، لكنه ينتصب الآن بأبشع أشكاله. لم يعد ثمة يسار اجتماعي معتبر في إسرائيل، فحتى سكان الكيبوتزات، يعرفون أنفسهم مع اليمين الاجتماعي. كما لا يمكن قياس اليمين الإسرائيلي بمدى التحالف مع الغرب، فلقد قفز نتنياهو طويلاً على حبال بوتين، ولا تزال كلماته، حين أسقطه ثنائي بينيت – لابيد “لكن، من سيقف في وجه الولايات المتحدة”. ليصبح “اليمين” في إسرائيل، تعريفاً محصوراً بالتطرف ضد الفلسطينيين.

إضافة للمقاعد الـ64 التي حصل عليها تحالف الأحزاب الملتفة حول نتنياهو، ثمة في اليمين خصوم له أيضاً، من ليبرمان إلى غيدون سار. لكنهما، ورغم حديثهما عن حل الدولتين، لا يقدمان أي أمل في حياة كريمة ممكنة للفلسطينيين، ليصل مجموع مقاعد اليمين في الكنيست إلى 75 من 120 مقعداً.

نعم، اختار الجمهور الإسرائيلي السير نحو اليمين، مأخوذاً بغرور فرط القوة، ولعله لم يدرك العواقب.

انتقاماً من منافسيه وكي يعود الى الحكم، قام نتنياهو بمخاطرات فاحشة. إذ إنه يُدخل الإرهابيين الموصوفين والمدانين دولياً في تحالف حكومته، متوقعاً منهم أن ينقذوه من تهم الفساد. فلقد بذل نتنياهو جهداً خارقاً للإبقاء على تلاحم كتلة “يهودوت هاتوراة” والحريديين وتوحيد “الكاهانية” بزعامة بن غفير مع الصهيونية المسيانية سموتريتشب، لتزيد حصة الصهيونية اليهودية بـ290 ألف صوت.

تمثلت القاعدة الاجتماعية لتحالف نتنياهو، باليهود من أصول شرقية في مدن التطوير، والأحياء الشعبية، والمستوطنين. إضافة الى أبناء الطبقة الوسطى قاطني القرى التعاونية (الكيبوتسات) من المهاجرين من الدول الشرقية. في حين، وليس من قبيل الصدفة، أن اليهود العلمانيين أو التقليديين، يمسكون بقوة بالمؤسسات المالية والتكنولوجية وشركات الإقلاع الفائقة والشركات الأمنية. وكثير منهم يرون من جديد، منظراً مخيفاً، لكن جوازات سفرهم جاهزة للمغادرة.

مثل الكثير من الزعماء في الإقليم، قام نتنياهو بكل شيء لإطلاق يد الفساد. فأضعف مؤسسات مراقبة الدولة، ومفوضية الخدمة المدنية، وسكرتاريا المنظمات المدنية، وفرع تحقيقات الشرطة الإسرائيلية. وبذلك استقال ثلثا قضاة المحكمة العليا، إلى جانب مئات من قضاة المحاكم الدنيا، ليحل المشرعون الشعبويون محل الحقوقيين المتعلمين.

جراء مغامرته، سيتعرض نتنياهو لضغوط كبيرة. وبغض النظر عن احتمال دخول القوى المتطرفة الى الحكومة، سيدفع نتنياهو ثمناً باهظاً مقابل طوق حبال اليمين الديني الملتف على رقبته.

لا شك في أن اليمين سيشد هذه الحبال نحو:

1) تحولات لا رجعة فيها في القوانين لتجاوز مبادئ بن غوريون المؤسسة للدولة العلمانية اليهودية، مثل حقوق الإنسان والمساواة، وليعطي الكنيست الحق في تجاوز الدستور ويطلق يد العنف الاجتماعي لليمين الديني من دون حدود.

2) وإذ يطلق اليمين الديني شعار “حماية السبت” فإنه سيعمل على فرض أكثر التفسيرات التوراتية تشدداً في الحياة العامة.

3) وسيصعد اليمين الكاهاني أجندة الاستيلاء النهائي على الأراضي في الضفة والتشدد والعنف تجاه فلسطينيي القدس وغزة والقطاع. والأنكى، أنه إذ تمر الذكرى السابعة والعشرون على اغتيال الزعيم اسحاق رابين، ها هي إسرائيل تنتخب وتضم الى حكومتها إرهابياً محكوماً وشخصاً سبق أن هدد رابين بالذات قبل أيام من مقتله.

تثير تحالفات نتنياهو، المنتشي بفرط الشعور بالقوة، قلقاً جدياً في العالم وفي أميركا. إذ إنه بتحالفه التاريخي مع بوتين، قد يتشجع على مزيد التصعيد ضد الفلسطينيين ورفع عتبة التوتر حتى مع الدول العربية “المعتدلة”، بل وإيصال الأوضاع الى نقطة الانفجار مع إيران، دونما تنسيق مع واشنطن. فعلى وقع تزايد عدد الصواريخ الدقيقة لدى حلفاء إيران، يعلق خبير عسكري بأن سياسة جز العشب والحرب بين الحروب كمن يلعب بذنب الثعبان.

لذلك يرجح إن يقوم نتنياهو بصفقة خطرة، عبر إقناع اليمين الديني بتأخير التطبيق المتزمت للشريعة اليهودية، مقابل مكاسب يصرفها بالمزيد من إطلاق يد العنف المتطرف في الضفة وباب عمرو، أو عبر مغامرة ما في الإقليم.

لا أتصور أن المستوى العسكري سيسهل المغامرة العسكرية، إلا أن نتنياهو سيكون عندها، مثل بوتين قد قرأ بالمقلوب الديناميات الراهنة للسياسة الأميركية ومحدداتها. فلعلّه لا يقدر بعد معنى ما قاله توماس فريدمان من أن “إسرائيل التي نعرفها لم تعد موجودة”.

وإذ يترحم ترامب على أيام منحه فيها المجتمع اليهودي الأميركي بطاقة بيضاء، يتبدل المناخ الدولي في مواجهة رفض نتنياهو للدخول في عملية جدية تفتح آفاقاً حقيقية لحياة ممكنة للفلسطينيين.

فهل يهدي نتنياهو إيران جائزة ثمينة طالما انتظرتها؟ فمقابل مكاسب تقاس بالهكتارات للمستوطنين اليمينيين، قد يمنح إيران إمكان الانقضاض النهائي على السلطة الفلسطينية، لتفعل إيران من الشباك ما لم يمكنها من الباب، ولتحسم لمصلحتها التحول الوشيك في الوضع الفلسطيني.

سنشهد عندئذ مفارقة ساخرة! ولعلها تكون مقصودة. حيث سيفضي فرط الشعور الإسرائيلي بالقوة، لأن تتمكن إيران من الإحاطة، من دون نووي ولا صواريخ، بكل أرجاء إسرائيل. فهل سيكون المخرج عندها هو مشروع شارون للتطفيش الجماعي نحو الأردن؟ لا أظن فسيكون ذلك ضرباً من الجنون. لكن ذلك يوضح ضيق خيارات نتنياهو.

إنني، إذ استبعد الحرب المفتوحة قطعاً، لكني أخشى سوء قراءة الحمقى. ليبدو نتنياهو، كبهلوان يقفز بين الحبال، لعله لا يدرك على أي شجرة يصعد؟

ذلك أن نتنياهو ورفيقه بوتين متماثلان جداً. فمثل بوتين، يتمتع نتنياهو بسجل طويل من الفشل في التدخل في السياسة الداخلية الأميركية، ومع بوتين تسبح حاشية نتنياهو في مستنقعات الفساد الدولي، حالمين بوادي سيليكون إسرائيلي، بخبرة مشتركة مع روسيا، وتمويل نفطي. ومثل بوتين أقام علاقات رومانسية مع ترامب، ومثله تمتع بشماتة بخراب الشرق الأوسط، ومثله يستمر في اتخاذ الأمن ذريعة لاستراتيجيته الأيديولوجية، وتصفية كل أمل في حل الدولتين. ليصبح السؤال: إلى أي مدى سيمضي في خلافه مع الإدارة الأميركية حول الديموقراطية وسيادة القانون، والحقوق المدنية، والاحتلال، والفلسطينيين؟ إذ لا يفترض أن يتوقع نتنياهو، والحال هذه، مساعدة من الولايات المتحدة لـ”المزيد من اتفاقيات السلام” مع الدول العربية كالسعودية.

لذلك أغامر بالقول إن هذه الحكومة رغم قوتها قد لا تدوم. بل قد تكتفي بإنقاذ رقبة نتنياهو. أما العرب فحسبهم أنهم يفوتون الفرصة بعد الأخرى، ويخضعون للمصائب والكوارث كالأقدار الموصدة، دونما اعتراض.

المصدر: النهار العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى