شهد شارع الإستقلال بقلب إستانبول التجاري والسياحي عملية إرهابية مروّعة إستهدفت أبرياء مدنيون …وبما ان الهدف مواطنون عاديون وليس هدفا سياسيا أو أمنيا او عسكريا أو دبلوماسيا ..فإنه يتناول هدفا هشا نسبيا لايحظى بحماية خاصة ..وإذا علمنا انه يمرّ من هذا الشارع يوميا أكثر من مليوني عابر فإن ذلك يؤشر إلى استهداف البنية الأمنية العامة وخلق شعور من عدم الرضى من الجمهور إتجاهها…إلى جانب أن الرسالة الواجب إيصالها إلى القيادة السباسية العليا هي رسالة تحذيرية ..بأننا قادرون على خلق مصاعب وعقبات بوجه اي حزب طامح بتجديد ولايته لخمس سنوات بالحكم…او من الممكن ان تكون جزء من رسالة أكبر بانني أملك اذرعا قوية ومتعددة ومنتشرة بكل أنحاء المنطقة وبإمكاني تخريب الإستقرار الهش للمنظومة الإقليمية والتي تعاني من ضياع وتحاول تلمّس نوعا من الإستقرار بعد السيولة في التحالفات وطي النزاعات (او تأجيلها) التي شهدتها المنطقة في العامين الأخيرين
أسرعت السلطات التركية وخلال مدة وجيزة جدا على ضبط بعض خيوط العملية وقدّمت على عجل رواية مدعومة بأدلة عن الجهة التي تقف وراء تلك العملية…
وليس غريبا على حزب إرهابي كحزب العمال الكردستاني تنفيذ تلك العملية ..لكن من الواجب التوقف عند الدلالات الزمانية والمكانية لهكذا عمل ..بعد ان غابت تلك الأعمال الإرهابية لمدة 5 سنوات عن المدن الكبرى التركية….
لم تكن علاقة الامبراطوريات التي حكمت كل من تركيا وبلاد فارس على وئام يوما ما…بل إن السمة الغالبة هو إستمرار الصراع بينهما ..منذ فارس وببزنطة وصولا الى الدولة الصفوية والخلافة العثمانية وصولا الى عصرنا الحالي
صحيح ان الدولة الصفوية والعثمانية قد وقعتا اتفاقا لعدم الإحتراب في بدايات القرن السابع عشر ورسما الحدود بينهما (والتي مازالت صامدة لحد الان )..إلاّ ان التنافس بينهما لايزال قائما.. ويحرص الجانبان على عدم تحوّله إلى صراع….وقد يتضمّن التنافس بينهما نوعا من التساوم ..فلكلا البلدان مواقف متناقضة من كل القضايا او الملفّات التي يشتركان بها …وكان موقفهما المتناقض من طرفي الصراع بسورية واضحا حيث دعمت طهران النظام السوري فيما إصطفّت أنقرة إلى جانب الثورة…وكل تلك المعارك التي جرت في سورية بين الطرفين من الممكن ان ترى من زاوية الصراع بالوكالة على سورية وموقعها الهام للطرفين
حاولت أنقرة خلال العامين الماضين تسوية خلافاتها مع بعض دول الخليج العربي وخاصة المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة وكسرت الجليد الذي كسى العلاقات بينهما بسبب المواقف المتناقضة من الربيع العربي..وتبادلا الزيارات على أعلى مستويات الهرم السياسي وبدأ نوع من الاستقرار في العلاقات مرغوبا من الجانب الخليجي والتركي وتاجيل نقاط الخلاف وفصل الملفات عن بعضهاوذلك تمهبدا لبداية واثقة للعلاقات المستقبلية بل تعدى الحديث بينهما الجوانب السياسية والإقتصادية وصولا للكلام عن مشاريع مستقبلية لتعاون أمني ..وجرى التعبير عن ذلك على لسان الرئيس التركي عندما ردّد أكثر من مرة ان أمن الخليج من امن تركيا
هذا الإنفتاح العربي الخليجي على تركيا لم يرق لإيران بالتأكيد خاصة ان الدولتان العربيتان بينهما وبين إيران ماصنع الحدّاد…
أيضا تم برغبة متبادلة بين تركيا ودولة الاحتلال الإسرائيلي تطبيع العلاقات بينهما وتم كشف مخطط إستخباراتي إيراني على الأراضي التركية في الصيف الماضي غايته إغتيال شخصيات إسراائيلية أو سوّاح عاديون وذلك لتوتير العلاقة الناشئة بينهما بعد شبه قطيعة والتي تنظر لها طهران بعين الريبة
ما تفكر به أنقرة وتعمل له للتحول إلى مركز تصبّ فيه أنابيب الطاقة الآتية من آسيا الوسطى وإقليم كردستان العراق وترك ستريم الآتي من روسيا ..ومايتم التداول بشانه من نقل غاز اسرائيلي مسروق من شواطى فلسطين المحتلة او مايمكن ان يتم في المستقبل من انابيب عاز من الخليج العربي تتيح تحوبل تركيا إلى منصة لتوريد الغاز إلى اوربة وهذا يقوي من موقع تركيا الإستراتيجي على حساب الدولة الإيرانية والتي تطمح للعب دور عالمي بقضية الطاقة
لماذا تفجير إستانبول الآن؟
لا يختلف إثنان أن حزب العمال الكردستاني التركي هو تحت المظلة الإيرانية بل ويعتبر بالعراق أحد فصائل الحشد الشعبي ويتلقى رواتبه وتسليحه منه…و لايغيب عن البال التوظيف الإقليمي من قبل طهران للحزب كمخلب في استنزاف القدرات التركية(الأمنية والعسكرية) و تخريب السلم الاجتماعي بين مكونات الشعب التركي..ويلتقي هذا الحزب مع منظومة اذرع إيران الإقليمية المؤدلجة والعابرة للحدود والتي لاتعترف بالحدود الوطنية للدول وتنتهج العنف كسياسة رئيسية الى جانب التربية العقائدية للشبيبة من الصغار واليافعين وتكوين نشأ جديد مستعد للتضحية بنفسه في سبيل مبادىء تم تلقينه إياها باكرا
تعاني إيران في هذه الأيام من صعوبات كبرى كانت حصيلة لسياساتها في الإقليم والعالم …
حيث لم يتم التوصل للتوقيع على إتفاق نووي جديد مع الولايات المتحدة والدول الأوربية الثلاث ويبدو أنه لن يوقّع ابدا…وبالتالي مازالت العقوبات القصوى الأمريكية مفروضة عليها ويوجد نيّة غربية بتحويل ملفّها النووي إلى مجلس الأمن ..كما أنها لم تجد من طريق آخر غير تورطها مباشرة إلى جانب الجيش الروسي في غزوه لأوكرانيا عبر مشاركة مسيّراتها وصواريخها بضرب مدن اوربية اوكرانية في إستعداء واضح وفاضح للغرب الجماعي والمجتمع الدولي عموما..
كما ان عودة رئيس الوزراء الآسرائيلي بنيامين نتنياهو لسدّة الحكم لخمس سنوات قادمة أمر يؤرّقها كثيرا…
وإضافة لعدم توفر حصيلة إيجابية من خمس لقاءات جرت مع المملكة العربية السعودية في بغداد..وإلغاء الجولة السادسة ويمكن ان لاتعقد ابداً بعد رحيل رئيس الوزراء العراقي الاسبق مصطفى الكاظمي…
إن أداء الجيش الروسي السيئ وإحتمالات تعرّضه لهزيمة في اوكرانيا تزداد مع طول أمد المعركة وتحوّل اوكرانيا لمستنقع يستنزف الشريك الروسي والذي بدا وهج بريقه السياسي وسطوته العسكرية بالتلاشي رويدا رويدا…
وبالتاكيد نظام الملالي لايحتمل خسارة إستراتيجية للشريك الروسي لأنها ستنعكس عليه سلباً، وإزاء تصاعد موجة الإحتجاجات الإيرانية والتي تضغط بقوّة على صانع القرار السياسي بطهران فتفقده صوابه احيانا ..وبالنظر لجدية التهديدات الإيرانية المتكررة للمملكة العربية السعودية بتمويل المحطات الفضائية الداعمة للاحتجاجات بل و طالت الإتهامات المملكة بدعم لوجستي للمحتجين أنفسهم ..وإزاء تغير المزاج الاوربي والذي كان مؤيدا للعودة للاتفاق النووي وإلى علاقات طبيعية مع طهران ..حيث تتالت المواقف الاوربية المندّدة بالتعاون العسكري بين موسكو وطهران في اوكرانيا مع تصاعد لهجةالادانة الشديدة لعمليات القمع للمحتجين الايرانيين والتي اسماها الرئيس الفرنسي بالثورة. والتي وصلت مؤخرا لفرض عقوبات على شخصيات إيرانية متهمة بممارسة القمع في سابقة لم تكن معهودة من الجانب الأوربي ..
وبسبب حاجة القيادة الإيرانية لوقف دعم الاحتجاجات ضدها بكل أشكاله فإن مسلسل التصعيد من جانب طهران قد بدا من بغداد بقتل مواطن أمريكي يعمل بوكالة تنمية امريكية بعد يومين من استلام محمد شياع السوداني لرئاسة الوزارة في العراق..أعقبه اعتداء على على ناقلة نفط يملكها رجل أعمال إسرائيلي قبالة سواحل عمان …مع توقع العديد من المراقبين لاحتمال هروب إيراني للامام تسعى له القيادة الحالية للفت الانظار عن القمع الداخلي والوصول لحافية هاوية مع العديد من الأطراف الإقليمية والدولية ..فبعد قصف إقليم كردستان العراق للمرة الثانية بعد إندلاع التظاهرات بإيران وتوقع العديد من المتابعين لهجمات قد تشنها طهران على منشآت مدنية في بلدان الخليج العربي عبر أذرعها ..ولأن حزب العمال الكردستاني التركي أحد الاذرع تلك والذي لايمكن ان يقدم على عملية كبيرة بحجم عملية تفجير إستامبول دون أوامر من قيادة الحزب في قنديل (وليس الصغار الموجودون في كوباني)…ولايمكن لقيادة قنديل إلا تنفيذ الأجندة الإيرانية في المنطقة وتحذير الدولة التركية من مغبة الإنجرار مع الموجة المعادية لإيران
او حتى إشغال الراي العام العالمي عن متابعة الحدث الإيراني…
إن التهديد الإيراني الواضح لدول العالم والإقليم لن أحترق لوحدي من الداخل سأحرق المنطقة معي قد تكون سببا كافيا لإستهداف العمق التركي …
المصدر: سوريا الأمل