تكررت عمليات القصف الإسرائيلي لمواقع تتخذها إيران مقار لقواتها أو لميليشيا تابعة لها، في دمشق ومحيطها، منها مواقع عسكرية تتبع لقوات النظام، أو منشآت مشتبه بتطويرها أسلحة أو احتوائها مخازن للأسلحة.
وبعد هدوء نسبي دام لأكثر من شهر، قصفت إسرائيل مناطق في دمشق وريفها ثلاث مرات خلال أسبوع واحد، أولاها في وقت متأخر من مساء 21 من تشرين الأول الماضي، واستهدفت مواقع بريف دمشق الغربي، اتضح لاحقًا أنها طالت رادارًا تابعًا لمنظومة الدفاع الجوي السورية، ومدرج مطار “الديماس” العسكري.
وجاءت الضربة الثانية خلال النهار، على غير العادة، بعد يومين من الأولى، وأدت إلى إصابة عسكري بجروح، بحسب الإعلام الرسمي، واستهدفت بعض النقاط في محيط دمشق.
أما الضربة الإسرائيلية الثالثة، في 27 من تشرين الأول الماضي، فقد استهدفت موقعًا يحتوي “أسلحة متطورة” بمنطقة البحدلية في السيدة زينب جنوبي العاصمة، بحسب مركز “ألما” الإسرائيلي للأبحاث.
ومع ارتفاع وتيرة هذه الاستهدافات، والتركيز على العاصمة ومحيطها، أثير تساؤل حول سبب اشتداد الوتيرة، في ظل حديث مسؤولين إسرائيليين عن تدمير 90% من البنية التحتية العسكرية الإيرانية في سوريا، وتركيز نشاط إيران على المنطقة الجنوبية.
هل دُمرت 90% من المواقع الإيرانية
زعم مسؤولون في وزارة الدفاع الإسرائيلية، أن القوات الإسرائيلية دمرت نحو 90% من البنية التحتية العسكرية الإيرانية في سوريا.
وقال المسؤولون، الذين لم تحدد هويتهم، لصحيفة “جيروزاليم بوست” العبرية، في تقرير نُشر في اليوم الذي تلا الضربة الأولى بعد التوقف الإسرائيلي، إن إسرائيل “نجحت” خلال السنوات الأخيرة بالحد من قدرة إيران على نقل الأسلحة إلى سوريا، وتصنيعها على أراضيها، وإقامة قاعدة فيها مع الميليشيات الموالية لها.
الكاتب والباحث في الشأن الإيراني ضياء قدور، قال لعنب بلدي، إن التصريحات الإسرائيلية “مبالغ” فيها، واستدل على ذلك باستمرار الغارات.
ويعتقد قدور أنه لا يمكن معرفة نسبة تدمير البنية التحتية العسكرية الإيرانية في سوريا، بسبب إعادة بناء الإيرانيين مواقعهم المستهدفة.
بينما يرى الباحث المختص بالشأن الإيراني مصطفى النعيمي، أن النسبة التي أفاد بها المسؤولون الإسرائيليون “صحيحة”، وهو ما يدل على توقف الضربات لأكثر من شهر، بعد القصف الذي استهدف مطاري “دمشق” و”حلب” الدوليين، وفق حديث الباحث لعنب بلدي.
وعن دلالة القصف الإسرائيلي النادر خلال النهار، أوضح النعيمي أن الغارات الإسرائيلية تعتمد على استراتيجية الرصد الاستخباراتي والعملاء الميدانيين، وتقاطع المعلومات الواردة من الأقمار الصناعية، ورصد حركة خطوط الملاحة الجوية للطائرات الإيرانية والسورية القادمة من إيران إلى سوريا.
ويعتمد الاستهداف على حساسية وطبيعة شحنات الأسلحة المرسَلة من إيران، بغض النظر إن جرى الاستهداف نهارًا أم ليلًا.
ونادرًا ما تعلن إسرائيل عن هجماتها في سوريا، وتتعامل وسائل إعلامها مع الضربات بنقل الأخبار عن الوكالات السورية، في حين تشير إحصائيات التقارير السنوية للجيش الإسرائيلي إلى ضربات نفذها في سوريا.
وبالمقابل، يكتفي النظام السوري بالتهديد بالرد على ضربات إسرائيل في سوريا، أو إرسال رسائل يشتكي فيها للأمم المتحدة.
وخلال لقاء على قناة “أثير” العمانية، في 26 من تشرين الأول الماضي، برر وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، عدم رد النظام على الهجمات الإسرائيلية بقوله، إن “إسرائيل تستغل مرور بعض الطائرات المدنية في سوريا، وتطلق النار من تحتها أو من فوقها، في هذه الحالة عندما ترد الصواريخ السورية، قد تصيب بعض الطيران المدني، وبعد ذلك يقع اللوم علينا، لذلك نحن لا ننفعل”.
هل أثّر سحب “إس- 300” على وتيرة الضربات
نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن ثلاثة مسؤولين كبار مقيمين في الشرق الأوسط، في 19 من تشرين الأول الماضي، أن روسيا أعادت مؤخرًا منظومة “إس- 300” من سوريا لتعزيز غزوها لأوكرانيا، ما قلّل من النفوذ الروسي على إسرائيل في سوريا.
في حين أصبحت القيادة العسكرية الروسية أقل انخراطًا في الإدارة اليومية للعمليات في سوريا، بما في ذلك التنسيق العسكري مع إسرائيل.
نفى الكاتب ضياء قدور ارتباط سحب منظومة الدفاع الجوي الروسية بارتفاع وتيرة الضربات الإسرائيلية، موضحًا أن الغارات متعلقة بالأمن القومي الإسرائيلي بالدرجة الأولى، ومدى انتشار النفوذ الإيراني نتيجة سحب القوات الروسية.
واتفق المختص بالشأن الإيراني مصطفى النعيمي مع قدور بعدم تأثير سحب المنظومة الدفاعية على وتيرة الضربات، فوجود المنظومة من عدمه لم يجنّب سوريا الضربات الإسرائيلية المتعاقبة، كما لا تزال منظومة الدفاع الجوي الروسية من طراز “إس- 400” موجودة في سوريا، وقد فُعّلت منذ بداية دخول روسيا إلى سوريا في تشرين الثاني 2015.
وعمد النظام السوري والميليشيات الإيرانية في الآونة الأخيرة إلى استخدام تكتيك توزيع منظومات الدفاع الجوي قصيرة المدى من طراز “Buk M2E”، و”Tor-M2″، و”Pantsir-S1″، وكذلك منظومات “Bitchora 2M” لتشكيل شبكة حماية جوية للنظام السوري والميليشيات العاملة معه، وفق النعيمي.
لكن بالمقابل، لجأت إسرائيل في غاراتها الأخيرة على سوريا إلى ضرب الدفاعات الجوية القصيرة المدى، بالتزامن مع الضربات الموجهة ضد أهداف إيرانية في سوريا، فكانت الغارات تنفذ عبر مجموعة من الطائرات ذات المهام المحددة، في حين ترافقها مجموعة من الطائرات، لتقديم الحماية اللازمة، والاشتباك مع الدفاعات الجوية، واستهداف الرادارات بالتزامن مع الغارات.
ومنذ عام 2018، يقول الجيش الإسرائيلي، إن عملياته في سوريا يتم تنسيقها ضمن “إطار الخط الساخن”، الذي أنشأه مع موسكو.
وفي 8 من تشرين الثاني الحالي، استُهدفت قافلة عربات شرقي سوريا، قادمة من العراق باتجاه الأراضي السورية، في محيط البوابة العسكرية الإيرانية قرب البوكمال، وداخل معبر “القائم” بين سوريا والعراق، حيث كان يرافقها رتل عسكري تابع لـ”حزب الله” اللبناني.
وبحسب مصادر عسكرية إسرائيلية، فإن القافلة الإيرانية التي تعرضت للقصف كانت تحمل أسلحة وذخائر، وليس فقط نفطًا، كما تزعم طهران، وذكرت أن الأخيرة تلقت “ضربات قاسية” في تدمير قوافل الأسلحة عبر مطارات سورية عدة، خصوصًا مطار “دمشق” الدولي، لذا عادت للنقل عن طريق البر عبر قافلة مدنية، على أمل ألا تكتشفها المخابرات الإسرائيلية.
ونقلت صحيفة “إسرائيل هيوم” في تقريرها الصادر في 9 من تشرين الثاني الحالي، عن قيادات عسكرية إسرائيلية، أنها تُجري “مداولات معمقة” يتجلى فيها بوضوح القلق من تغير رد الفعل الروسي على الغارات الإسرائيلية في سوريا، الذي اتسم حتى الآن بالسكوت، أو بتوجيه انتقاد سياسي لواحدة من كل ثلاث أو أربع غارات.
لماذا دمشق
أوضحت دراسة لمركز “حرمون للدراسات”، نُشرت في أيلول الماضي، للكاتب ضياء قدور، أن نحو 80% من الضربات الإسرائيلية خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي تركّزت في دمشق ومحيطها، وهو ما تظهره الضربات الإسرائيلية الثلاث الشهر الماضي.
وبحسب حديث قدور لعنب بلدي، فإن ما يفسر كثافة الضربات الإسرائيلية على دمشق ومحيطها، أنها تعتبر “ممرًا إجباريًا” لتهريب الأسلحة الإيرانية برًا أو جوًا، ويعد “الإصرار الإيراني” على تهريب الأسلحة وإنتاجها في سوريا للحفاظ على “حضور عسكري مستدام ولمدى بعيد”.
وأضاف أن هذا “الإصرار” محكوم بالغارات التي تجعل إيران تناور ضمن الخيارات المتاحة، لتفادي أكبر قدر من الخسائر، لذا عادت إلى اعتماد المسار البري بعد استهداف المطارات السورية.
من جهته، يرى المحلل مصطفى النعيمي، أن “الخشية الإسرائيلية” تتمثّل في نقل تكنولوجيا أو معدات الطائرات المسيّرة والصواريخ المجنحة البعيدة المدى إلى “حزب الله”، ويمثّل مطارا “دمشق” و”الديماس” أهم مواقع الاستقدام جوًا لشحنات الأسلحة، ولا سيما الدقيقة منها، التي تعتبر “خطًا أحمر” إسرائيليًا، وذلك بعد أن أطلق “حزب الله” مسيّرة باتجاه حقل “كاريش” النفطي الذي تسيطر عليه إسرائيل.
وبحسب دراسة أجراها مركز “جسور للدراسات”، في 24 من شباط الماضي، فإن الضربات الإسرائيلية تستهدف مستودعات أسلحة ورؤوس صواريخ ومنظومات دفاع جوي تابعة لإيران، قبل نقلها إلى لبنان، إضافة إلى نقاط رصد متقدمة لـ”حزب الله”.
المصدر: عنب بلدي