تشهد مناطق الشمال السوري توترات محلية مرتبطة بالصراعات داخل فصيل “أحرار الشام” والاعتراضات الشعبية على تمدد “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، إضافة إلى تهديد فعاليات محلية عدة بالتصعيد، في حال عدم محاسبة المسؤولين عن اغتيال الناشط الإعلامي محمد عبد اللطيف (أبو غنوم) قبل نحو شهر في مدينة الباب، بريف حلب.
وشهد معسكر ترندة بريف مدينة عفرين الواقعة ضمن ما يُعرف بمنطقة “غصن الزيتون”، شمالي محافظة حلب، شمالي سورية، اشتباكات متقطعة، أمس الجمعة، بين الألوية المتمركزة ضمن المعسكر التي سحبت الشرعية من قائد فصيل “أحرار الشام” عامر الشيخ من جهة، والألوية التي لا تزال تعمل تحت قيادة الشيخ بدعم من “تحرير الشام” من جهة أخرى.
وقالت مصادر عسكرية من “أحرار الشام”، لـ”العربي الجديد”، إن مجموعات عامر الشيخ إلى جانب مجموعات حسن صوفان الذي قاد انقلاب الحركة، قبل نحو عامين، بدعم كبير من مجموعات عسكرية تابعة لـ”تحرير الشام”، حاولت السيطرة صباح أمس على معسكر ترندة، الذي تُسيطر عليه الألوية التي قررت عزل قيادة الحركة وتعيين يوسف الحموي المعروف باسم “أبو سليمان” قائداً جديداً للحركة.
وأكدت المصادر أن القوات الخاصة التركية منعت رتلاً عسكرياً مشتركاً لـ”هيئة تحرير الشام” وجماعة حسن صوفان وعامر الشيخ من الوصول إلى جبل ترندة بريف مدينة عفرين، وسط توتر أمني تشهده المنطقة.
وكانت مجموعة ألوية رئيسية داخل “أحرار الشام” أصدرت، الثلاثاء الماضي، بياناً، أعلنت فيه عن “عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الانقلاب، ونزع الشرعية من القيادة الحالية التي لا تمثل أحرار الشام، وحل مجلس قيادة الحركة الحالي، وعزل عامر الشيخ من موقعه قائداً عاماً لأحرار الشام، واختيار يوسف الحموي (أبو سلیمان) قائداً عاماً لحركة أحرار الشام”.
وأشارت إلى سعيها لـ”التواصل مع أبناء الحركة للعمل على تشكيل مجلس قيادة جديد وفق ميثاق الحركة ومنطلقاتها، للعودة إلى الأصل ما قبل الانقلاب”.
كما أعلنت ألوية وكتائب عدة، خلال اليومين الماضيين، تعليق عملها مع القيادة السابقة في “أحرار الشام”، وذلك بسبب “سياسة قيادتها في التعامل مع أبناء الحركة، ورفض الاستماع والمشورة إلى الغيورين عليها بما يحافظ على وحدتها وتماسكها”، فيما أكد جزء من الكتل العسكرية المذكورة أعلاه “الوقوف مع القيادة العسكرية الجديدة للحركة بقيادة يوسف الحموي”.
غضب من انتهاكات الفصائل
في غضون ذلك، شهدت بعض مناطق الشمال السوري تظاهرات محدودة بعد صلاة الجمعة أمس، كان دعا إليها ناشطون للاحتجاج على تردي الأوضاع الأمنية في تلك المناطق، وانتهاكات الفصائل المحلية.
واحتشد العشرات من أهالي جبل الشيخ عقيل بمدينة الباب أمام القاعدة التركية احتجاجاً على “مماطلة سلطات الأمر الواقع في العمل على استرجاع أراضيهم المغتصبة أو التعويض عنها”، في إشارة إلى استيلاء الفصائل على بعض أراضي الأهالي واستخدامها مقراتٍ عسكرية.
وشهد طريق اعزاز-عفرين استنفاراً أمنياً، وأغلقت الشرطة العسكرية الطريق المؤدي إلى عفرين عند حاجز الشط، وذلك بهدف منع المتظاهرين من الوصول إلى المدينة.
وكان ناشطون قد دعوا إلى تظاهرة حاشدة بعد صلاة الجمعة، أمس، من مدينة أعزاز بريف حلب الشمالي باتجاه مدينة عفرين، للمطالبة بـ”إسقاط نظام الأسد، وتوحيد الفصائل العسكرية ضمن مؤسسة عسكرية فاعلة، والتأكيد على خروج فلول هيئة تحرير الشام من منطقة غصن الزيتون بالكامل، وإخراج المقار العسكرية من المدن والمناطق السكنية، وإنشاء جهاز أمني موحد وإلغاء أمنيات وسجون الفصائل وتفعيل دور القضاء والشرطة المدنية والعسكرية”.
كما طالب الناشطون بـ”تمكين إدارة مدنية موحدة لإدارة مناطق المعارضة من عفرين إلى رأس العين، ذات مرجعية إدارية ومالية وسياسية موحدة وفق مبدأ الحوكمة الرشيدة، والعمل على محاربة الفساد والاستغلال وتحسين الأوضاع المعيشية والخدمية في المحرر والوقوف إلى جانب المعلمين والموظفين في مطالبهم المحقة”.
كما أُوقف عدد من المتظاهرين في موقع قريب من القاعدة التركية في منطقة المسطومة في إدلب، لمنعهم من الوصول إلى القاعدة، حيث كان مقرراً تجمع المتظاهرين هناك.
وكان متظاهرون في مدينة عفرين قد طالبوا، أول من أمس الخميس، الضامن التركي للمنطقة، بالعمل على “خروج هيئة تحرير الشام من المنطقة، وقرروا في حال لم تُحقّق مطالبهم بتصعيد الموقف بعد صلاة الجمعة”.
توترات متجددة
وفي إطار هذه التوترات التي تعيشها مناطق الشمال السوري، حث ناشطون فصائل الجيش الوطني والحكومة السورية المؤقتة على الإسراع بالكشف عن نتائج التحقيقات بشأن اغتيال الناشط أبو غنوم وزوجته في مدينة الباب قبل حوالي الشهر، مهددين بتصعيد شامل في حال عدم تحقيق مطالبهم.
وقال الناشط بدر طالب، لـ”العربي الجديد”، إن المهلة تنتهي الثلاثاء المقبل: “ونحن نعمل على أن تبدأ، اعتباراً من الأربعاء المقبل، فعاليات عدة تشمل اعتصاماً وتظاهرات يومية وصولاً إلى العصيان المدني الشامل”. وحول المناطق التي قد تشملها هذه الفعاليات، أوضح طالب أن “المنطلق سيكون في مدينة الباب، لكننا نجري اتصالات لتشمل جميع المناطق في الشمال السوري، وهناك تجاوب نسبي مع جهودنا في أكثر من منطقة”.
وحول مطالب المحتجين، قال الناشط إن أول مطلب هو “تشكيل محكمة علنية لقتلة أبو غنوم، وقد وصلتنا تسريبات عدة بأن التحقيق يحاول قصر الاتهام على المدعو أبو سلطان، المسؤول الأمني في فصيل الحمزات، لكننا نعلم أن هناك أكثر من شخص متورطون بالعملية منهم قياديون في الفصيل”.
وأوضح طالب أن “المطالبات لا تقتصر على قضية أبو غنوم، إذ جرت بعدها 4 حالات خطف في مدينة الباب، أفرج عن 3 منهم، لكن لم يُحاسب الخاطفون، بينما الشخص الرابع لا يزال مخطوفاً، كما وقعت منذ أيام حالة اغتصاب قام بها شخص له علاقة بأحد الأجهزة الأمنية التابعة للفصائل”.
وأضاف: “مطالبنا هي وضع خطة أمنية للمدينة والمباشرة فيها، خصوصاً السيارات التي لا تحمل أرقاماً، ومحاسبة المتورطين بالانتهاكات بشكل جدي”. وكشف أنه اعتباراً من اليوم السبت، ستبدأ الحملة التي تدعو الناس للمشاركة في الاحتجاجات المقبلة.
من جهته، قال الناشط معتز ناصر، من مدينة الباب، إن “الغموض ما زال يلف قضية اغتيال الناشط أبو غنوم وأسرته، خصوصاً بعد تقصد وزارة الدفاع، وإدارة الشرطة العسكرية التابعة لها، عدم مكاشفة الشارع العام بمجريات التحقيق”.
وأضاف في حديث مع “العربي الجديد” أن “هذا التكتم غير المبرر، لا يمكن للشارع العام أخذه على حسن نيّة أبداً، بل قد يكون مشاركة في هذه الجريمة الإرهابية، وتستر على المجرم الحقيقي الذي أعطى أوامر التصفية، وللتعمية عليه، يُضحى بمجرمين صغار هم أداة تنفيذ لا أكثر”.
من جانبه، أصدر الجيش الوطني السوري في ريف حلب الشمالي بياناً، علق فيه على تطورات التحقيق بقضية اغتيال الناشط أبو غنوم. وقال إن الجريمة نفذها “أشخاص مجرمون عديمو الإنسانية، وتم إلقاء القبض عليهم، وتقديمهم للقضاء، وما زال التحقيق جارياً معهم”. وأضاف البيان: “سينال الفاعلون جزائهم العادل ليكونوا عبرة لكل عابث بأمن وسلامة أهلنا في المناطق المحررة”.
المصدر: العربي الجديد