على الرغم من أن ما يقرب من نصف الأصوات الإجمالية للناخبين في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة ذهب إلى أحزاب ملتزمة بهدف إبقاء بنيامين نتنياهو خارج السلطة، إلا أن الأحزاب اليمينية والدينية مهيأة لبناء ائتلاف مستقر يمتلك 65 من أصل 120 مقعدًا في الكنيست الإسرائيلي. ويعود ذلك إلى عجز الأطراف المناهضة لنتنياهو عن تجاوز خلافاتها والالتفاف حول قضية مشتركة.
طلبنا من خبرائنا إبداء آرائهم حول ما يخبئه هذا الاحتمال للديمقراطية الإسرائيلية، والقدرة على إقامة التوازن المناسب بين القوى المحلية المعارضة، وعلاقات إسرائيل مع الشركاء الإقليميين. وفيما يلي آراء الخبراء ديفيد داوود، أندرو ل. بيك، أرييل إزراحي، يوليا شالوموف، ويوناه فيشر.
* * *
نتنياهو مستعد للإطاحة بحمايات النظام الديمقراطي الإسرائيلي
سوف يعود بنيامين نتنياهو قريبًا إلى مكتب رئاسة الوزراء، وهو انتصاره الذي يدين به لإنجازاته في مجالات أمن إسرائيل، واقتصادها، والقبول الذي حققته إقليميًا وعالميًا. كما أنه بلا شك مدير حملات ماهر لا مثيل له، يدير في العادة حملة ذكية وأنيقة -وفي بعض الأحيان مضحكة. والأهم من ذلك أنه تمكن من توحيد كتلة كاملة من الأحزاب -أبعد من مجرد الليكود– حول رسالة واحدة: “راك بيبي”، أو (بيبي فقط).
من أجل استعادة السلطة وتجنب عقوبة السجن المحتملة، سوف يكون نتنياهو مستعدًا للقيام بأخطر شيء في دولة ديمقراطية: الإطاحة بالأطر التي تحمي النظام. وقد تحملت إسرائيل الكثير في تاريخها القصير، ولن تحدد دورة انتخابية واحدة مصيرها أو مستقبلها، لكن قوتها ومتانتها يعتمدان على الحفاظ على مؤسسات الدولة وثقة الشعب بها.
مع ذلك، استهدفت الكتلة المؤيدة لبيبي سلطة القضاء ووسائل الإعلام الإسرائيلية، على التوالي، وهما ركيزة حقوق الإنسان وكبح الشعبوية الجامحة وغرائز الاستبداد التي تدفع الأغلبية في أي هيئة تشريعية، وهما السلطة الرابعة في أي ديمقراطية. وفي حين التزم بيبي ذات مرة باحترام مناحيم بيغن وزئيف جابوتنسكي المطلق لسيادة القانون، فإن مصالحه الشخصية تملي الآن خلاف ذلك، ويبدو ائتلافه عازمًا على تقليص سلطة القضاء وعدم تقييد الكنيست في الوقت نفسه من خلال إجراء تعديل للقوانين الإسرائيلية الأساسية. وسيكون من شأن ذلك أن يضع الضوابط على أحد فروع الحكومة، من دون إحداث توازن في الجانب الآخر.
هذه “الثورة القضائية” يمكن أن تغير طبيعة الديمقراطية الإسرائيلية ذاتها وأن تؤدي إلى تآكل الليبرالية الكلاسيكية التي اتفقت الأحزاب الرئيسية ذات مرة على أنها ضرورية لصحتها. وقد يستمر بيبي في تقديم الفوائد المادية والازدهار لإسرائيل، لكن هذا لن يكون بديلاً عن تآكل المؤسسات التي لطالما دعمت متانة الدولة اليهودية وديمومتها لما يقرب من خمسة وسبعين عامًا.
*ديفيد داوود David Daoud، زميل غير مقيم في برامج الشرق الأوسط التابعة لمجلس الأطلسي.
* * *
بالنسبة لنتنياهو، السلامة تؤمن الثقة والنصر
صنع بيبي نتنياهو مهنة سياسية من خلال الحفاظ على سلامة مواطنيه. وترجع عودته إلى سدة السلطة إلى التقلبات في إدارة الائتلاف السابق بقدر ما ترجع إلى أي شيء آخر، لكنها ستكون جيدة لأمن إسرائيل. لم يكن الائتلاف السياسي شديد التباين الذي عزل نتنياهو من منصبه في العام 2021 متحدًا على شيء سوى الرغبة المشتركة في رؤية نهايته. وبمجرد رحيله، لم يمض طويل وقت قبل أن ينهار الائتلاف.
مما لا شك فيه أن هناك تغييرات كبيرة تجري على قدم وساق في الشرق الأوسط. وقد أدى الانسحاب المتصور لأميركا من المنطقة، وقدوم جيل جديد من القيادة في الخليج، ونمو الحضور الإقليمي الإيراني، وانهيار الردع العسكري الأميركي في أعقاب أفغانستان، إلى دفع الجهات الفاعلة المحلية نحو النظر إلى أماكن أخرى من أجل الحفاظ على أمنها.
يمكن أن يكون نتنياهو شخصية استقطابية في الولايات المتحدة، ولم تكن لديه دائمًا لمسة بارعة هناك. وقد أعيد إلى منصبه مرارًا لأن الإسرائيليين، على مستوى أساسي، يثقون به للحفاظ على سلامتهم. ولم يتم بعد اختبار أي من الهياكل الجديدة في المنطقة في أزمة معقدة، لكن من المؤكد أنه سيكون من الأفضل، عندما تنشأ من هذا النوع، أن يكون لدى أقرب صديق لأميركا في المنطقة -ليس زعيماً مجرَّباً يفهمها فحسب، وإنما ائتلاف موحد حول أكثر من مجرد شخص يكرهه الأميركيون. وعلى الرغم من كل عيوبه أخطائه، يثق الإسرائيليون بشكل أساسي في أن نتنياهو قادر على فعل ذلك، ولهذا السبب عاد.
*أندرو بيك Andrew Peek، زميل أقدم غير مقيم في برامج الشرق الأوسط التابعة لمجلس الأطلسي.
* * *
آفاق الجهود الإقليمية لمحاربة تغير المناخ في ضوء قيادة نتنياهو الجديدة
مع اندلاع الحرب في أوكرانيا، والتهديد الإيراني للسلام والاستقرار في الشرق الأوسط وخارجه، وارتفاع سطح البحر، واستعار الحرائق، وارتفاع درجات الحرارة، والعجز الكبير في إمدادات الطاقة، واتجاه الاقتصادات في جميع أنحاء العالم نحو الركود، يبدو أننا في وقت حاسم للتعاون في أروقة السياسة وعبر الحدود لمواجهة هذه التحديات الهائلة. ولا يبدو أن الحكومة الجديدة في إسرائيل عازمة على وضع تغير المناخ على رأس جدول أعمالها. ويدعو شركاء الائتلاف المستقبليون سلفًا إلى إلغاء الضريبة المفروضة على الألواح البلاستيكية التي تُستخدم لمرة واحدة (وهي سلعة أساسية شائعة لدى الأرثوذكس الإسرائيليين المتشددين الذين هم شركاء أساسيون في ائتلاف الحكومة المقبلة).
إضافة إلى ذلك، قد يجد الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، الذي أطلق مؤخرا “منتدى الشرق الأوسط المتجدد” وكان يضغط من أجل التعاون الإقليمي في مكافحة تغير المناخ، قد يجد نفسه مشتتا بسبب الاقتتال الداخلي لحماية القداسة الأساسية التي ينطوي عليها الفصل بين فروع الحكومة الثلاثة، وسيادة القانون، وتجنب نشوب صراع أهلي في إسرائيل. ومن المرجح أن يؤدي تجدد التوترات في الأراضي الفلسطينية في غياب أي آفاق للتوصل إلى حل سياسي إلى إعاقة التعاون في مجال الطاقة عبر الحدود بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وخاصة في الضفة الغربية، وكذلك بين إسرائيل وجيرانها العرب الآخرين. ويمكن أن يخنق ذلك أي احتمال للتعاون في مسألة التصدي لتغير المناخ.
كان الاتفاق البحري الأخير الذي توسطت فيه إدارة بايدن مثالا صارخا على ضرورة الأمن القومي والبراغماتية للبنان وإسرائيل، بطريقة تتفوق على المشاعر القبلية القومية التاريخية. ومع بقاء أيام فقط على انعقاد مؤتمر المناخ، COP27، من الأهمية بمكان أن تنظر إسرائيل في الرسالة التي سترسلها إلى العالم بشأن أولوياتها في السنوات المقبلة، وكيف تقترح معالجة التهديدات الوشيكة للأمن القومي بسبب تغير المناخ، سواء تلك التي تتهددها هي أو المنطقة والعالم بأسره.
*أرييل إزراحي Ariel Ezrahi، زميل أقدم غير مقيم في برامج الشرق الأوسط التابعة لمجلس الأطلسي.
* * *
رجل نتنياهو اليميني المتطرف جدًا؟
مع فرز معظم الأصوات، تتوقف نتيجة الانتخابات الإسرائيلية الخامسة خلال أربع سنوات على قدرة حفنة من أحزاب الأقلية -ميرتس اليساري وحزب “بلد” العربي- على تجاوز العتبة الانتخابية. وإذا حصلا على ما يكفي من الأصوات، فقد يمنع ذلك بنيامين نتنياهو -الذي يستعد ائتلافه المكون من أحزاب دينية ويمينية حاليًا للحصول على خمسة وستين مقعدًا- من تشكيل ائتلاف حاكم. لكن هناك ما هو أكثر على المحك من مجرد عودة نتنياهو.
يضم ائتلاف نتنياهو شخصيتين متطرفتين من أقصى اليمن؛ بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، ومن شبه المؤكد أنهما سيضمنان شغل مناصب وزارية. وقد وعد بن غفير، الذي طلب السيطرة على ملف الأمن العام، بشن حملة صارمة ومن دون أي قيود ولا حدود على ما يسميه الإرهاب، وزيادة تواجد الشرطة وحرس الحدود، في ما يتناقض بشكل صارخ مع سياسات الحكومة السابقة القائمة على مبدأ “الاقتصاد من أجل الأمن” التي شهدت تخفيفًا للقيود في الضفة الغربية وقطاع غزة. وقد يدفع “حزب الصهيونية المتدينة”، الذي دأب على تأجيج التوترات العرقية والمجتمعية المحلية، إلى التعبئة من أجل بناء المستوطنات والمزيد من تآكل الحقوق الفلسطينية. ومما لا شك فيه أن التوترات في الضفة الغربية، التي ما فتئت تتزايد باطراد، سوف تنمو.
السؤال الأكبر الذي يخيم على الأفق الآن هو التأثير الذي سيخلفه مثل هذا التحالف على جهود التطبيع التي يبذلها البلد في المنطقة. وفي ما تحقق بشكل أساسي من أجل إحباط ضم الضفة الغربية، أكدت الدول المطبعة الجديدة، إضافة إلى القديمة، مرارا وتكرارا، القضية الفلسطينية باعتبارها مبدأ أساسيا من مبادئ التطبيع. وبالمثل، كررت دول محتملة مثل المملكة العربية السعودية التأكيد أن التطبيع يتوقف على تطبيق حل الدولتين، وهو شيء يصبح أكثر بُعدًا باطراد في ظل حكومة يشكلها حزبا الليكود-الصهيونية المتدينة.
وهكذا، ستجد حكومة نتنياهو الجديدة صعوبة في فصل السياسة الإسرائيلية الداخلية عن الأهداف الإقليمية الأوسع نطاقًا. وهذا يضع نتنياهو في موقف محفوف بالمخاطر؛ حيث يجب أن يسعى إلى تحقيق التوازن بين المطالب المتطرفة لشركائه في الائتلاف واحتياجات السياسة الخارجية الإسرائيلية، مما يجعل هذه النواتج أقل حتمية وأكثر التزامًا بصنع القرار يومًا بيوم.
*يوليا شالوموف Yulia Shalomov، المديرة المساعدة لمبادرة N7.
* * *
انقسام أحزاب الوسط واليسار والعرب يمهد الطريق لحكومة يمينية متطرفة
في أعقاب انهيار حكومة ائتلافية متنوعة بطريقة تاريخية، تدفع أحزاب الوسط واليسار والأحزاب العربية التي تمكنت من كسر حكم بنيامين نتنياهو الذي دام عشر سنوات في مقعد رئيس الوزراء ثمن عدم رغبتها في تنسيق جهودها والعمل معًا. ومع الصعود الفلكي لحزب إيتمار بن غفير اليميني المتطرف، انقسم الزملاء غير المتوقعين الذين أبقوا نتنياهو خارج السلطة إلى أحزاب فرعية صغيرة في الفترة التي قادت إلى الانتخابات الأخيرة بدلاً من بناء جبهة موحدة ضد الموجة السياسية اليمينية المتطرفة التي تطرق بابها.
من نواح كثيرة، تم حسم مصير الانتخابات في 15 أيلول (سبتمبر)، عندما تم حل حزب القائمة العربية المشتركة، وقرر الحزبان الصهيونيان اليساريان، “ميرتس” و”العمل”، عدم خوض الانتخابات على أساس برنامج مشترك. ومع فرز 85 في المائة من الأصوات، تراجع كل من حزب “البلد” بزعامة سامي أبو شحادة، وحزب “ميرتس” بزعامة زهافا غال-أون إلى ما دون العتبة الانتخابية. وعلى الرغم من أن ما يقرب من نصف الأصوات الإجمالية ذهب إلى الأحزاب الملتزمة بإبقاء نتنياهو خارج السلطة، من المتوقع أن تبني الأحزاب اليمينية والدينية ائتلافا مستقرًا من خمسة وستين مقعدًا من أصل 120 مقعدا بسبب عدم قدرة الأحزاب “المناهضة لبيبي” على التغلب على خلافاتها والالتفاف حول قضية مشتركة.
من المثير للاهتمام أنه عندما ظهر تسجيل لزميل بن غفير، بتسلئيل سموتريتش، يصف فيه نتنياهو بأنه “كاذب”، كان بيبي سريعًا إلى مسامحة سموتريتش ععلنًا، معطيًا الأولوية لمصالحهما المشتركة على عدائهما الشخصي. وقد كلف عجز المعارضة عن التغلب على خلافاتها بهذه الطريقة خسارتها الانتخابات في نهاية المطاف.
في الأسابيع المقبلة، سيتم تبادل توجيه العديد من أصابع الاتهام بين المعسكرات السياسية للوسط واليسار والعرب لفشلهم في التمسك بحلمهم الهارب بقدوم حكومة إسرائيلية من غير نتنياهو. ومع ذلك، إذا استمر هؤلاء القادة في وضع الأنا فوق الاستراتيجية، فسوف يشاهدون من الهامش قدوم حكومة يمينية دينية تحتل مركز السلطة وتمحو مكاسبهم السياسية.
*يوناه فيشر Jonah Fisher، المدير الأول لبرنامج قيادة الألفية التابع لمجلس الأطلسي.
* * *
*مجلس الأطلسي Atlantic Council: مؤسسة بحثية غير حزبية مؤثرة في مجال الشؤون الدولية. تأسست في العام 1961، وتوفر المؤسسة منتدى للسياسيين ورجال أعمال ومفكرين عالميين، وتدير عشرة مراكز إقليمية وبرامج وظيفية تتعلق بالأمن الدولي والازدهار الاقتصادي العالمي. يقع مقرها الرئيسي في واشنطن العاصمة بالولايات المتحدة.
*نشر هذا الموضوع تحت عنوان: Experts react: Bibi is back-back again for now
المصدر: الغد الأردنية/ (مجلس الأطلسي)