ما زالت إيران تغلي، ولكل شريحة وشعب وطيف زاوية ينظر منها إلى المسرح الإيراني الملتهب، فكرياً أو سياسياً. فالمآرب متفاوتة عند المنتفضين، ومنها طموح الشعوب المتعددة والكبيرة في إيران، ومن بين هؤلاء الشعب الكردي الذي له باع طويل جداً في أحداث الثورة القائمة. “النهار العربي” التقى الكاتب والشاعر والإعلامي الكردي شهاب الدين شيخي في حديث عن الأوضاع في إيران والدور الكردي فيها.
قبل ما يقارب خمسة عقود، ولد شيخي في مدينة سقز الكردية، مهد الثورة الحالية ومسقط رأس مهسا أميني الضحية الأولى للثورة القائمة، وبعد أقل من عقدين شرع شهاب الدين في الكتابة والنشر عن الأكراد ولهم، حتى أصبح رئيس تحرير القسم الفارسي لجريدة “آشتي” وهي أول جريدة كردية – فارسية، ومن ضمن المبادرين الى حملة مليون توقيع تحت مسمى “وثيقة الدفاع عن نضال المرأة وتطلعاتها الحديثة”، وهي كانت بمثابة أهم الأنشطة في فتح باب النقاش عن حق المرأة في إيران المعاصر.
* هل تمر إيران فعلاً بثورة؟
– إنها ثورة بالفعل، والثورة أول ما تحدث في الأذهان، وبهذا يتوافر أول شروط التغير الاجتماعي، وقد حصل ذلك بعدما يئس الإيرانيون من محاولات الإصلاح، فآمنوا بضرورة إطاحة النظام من طريق النزول إلى الشارع، ومع اتساع التحركات ورفع وتيرة الهتافات والشعارات، بلغت الثورة مراحل متقدمة في مسيرتها.
إن أولى الانتفاضات الكبيرة ضد النظام كانت في عام 1999، أي بعد مرور عشرين عاماً على بداية عمر النظام، والانتفاضة الثانية كانت بعد عشر سنوات وتحديداً في عام 2009، وبعد ذلك وفي عام 2017 ثار الإيرانيون على روحاني بسبب الغلاء الفاحش، وفي عام 2019 أي بعد سنتين فقط تسبب ارتفاع سعر الوقود في انتفاضة كبيرة أخرى.
ويمكن لمتابعي سلسة الاحتجاجات في إيران خلال السنوات الماضية أن يلحظوا تقلص الفواصل من انتفاضة إلى أخرى والتدرج المستمر في الشعارات وارتفاع وتيرتها التي بدأت من مطالبة النظام بالتعديل والتغيير حتى وصلت إلى مرحلة الإطاحة بكليته. إذن، الأحداث التي تشهدها إيران اليوم سبقها مسير طويل وهي ليست حصيلة أمر طارئ أو مفاجئ لم يكن بالحسبان.
* وماذا يمكن أن يكون رد فعل النظام؟
– لا يصح الحديث عن رد فعل النظام المتوقع إلا عندما تكون للجماهير مطالبات محددة من النظام، بينما الناظر في أحداث إيران يلاحظ بوضوح تجاوز الشارع الإيراني مطالبة النظام بتقديم أي نوع من التنازلات أو التعديلات، ولهذا استطيع القول إنّه لم يعد في جعبة النظام الإيراني حلول إزاء شارع مستاء لا يرضى بما دون رحيله.
* وماذا عن الشعب الكردي في مسرح الأحداث؟
– الشعب الكردي عانى منذ نشأة إيران الحديثة من أصناف التمييز وكان شأنه في ذلك شأن سائر الشعوب والأديان والمذاهب في هذه الجغرافيا، وأما ثورة عام 1979 ومجيء نظام ولاية الفقيه إلى سدة الحكم فزادا الطين بَلّة، إذ أصبحنا في مواجهة نظام فارسي، شيعي (اثني عشري)، رأسمالي، هترونورماتيويا (المغايرة الجنسية) يتم فيه تهميش كل من يفتقر ولو لواحدة من هذه السمات.
وأما عن وجوه الافتراق بين الشعب الكردي والكثير من مكوّنات المجتمع الإيراني، فهي أن الأكراد ناهضوا هذا النظام منذ أول أيام نشأته ومسيرتهم النضالية خلال العقود الأربعة الماضية خير شاهد على ذلك، وهي التي مكّنت الأحزاب والتنظيمات الكردية من الحصول على قاعدة اجتماعية عريضة نرى اليوم انعكاساتها على الأحداث القائمة في إيران.
قبل أميني قتل النظام عدداً غير قليل من النشطاء والفاعلين الاجتماعيين وحاولت معارضة النظام مراراً تحشيد الرأي العام ضد النظام لكنها لم تكن موفقة حتى انضم اليها الحراك الكردي، فاندلعت الثورة باسم رمز فتاة كردية من سقز وهي مدينة كردية صغيرة، وبعد ذلك بأيام نجحت الأحزاب وبمعية المجتمع المدني الكردي في تنفيذ اضرابات عمت معظم مدنهم، كما نجحت في تحشيد ما يُقدّر بمئة الف في ذكرى مرور أربعين يوم اًعلى وفاة أميني وذلك في مدينة صغيرة من مئتي ألف فقط.
* شارك الأكراد في ثورة 1979 في إيران ولكن حصادهم كان مُرّاً للغاية، أما تخافون من تكرار التاريخ؟
– نعم، نحن قلقون جداً، لكن ليس أمامنا سوى السير في مسير الثورة، لا سيما الآن وبعد أن وقع الاجماع بين الإيرانيين على إطاحة النظام، فما للأكراد سبيل سوى السعي وراء تغيير النظام من أجل التوصل إلى صيغة مرضية للجميع، وما أجمل أن يكون ذلك بمعية مختلف المكوّنات، وأما التاريخ فينبغي أن لا نسمح له بالتكرار فحصول ذلك يعني نشوب دوامة جديدة من الصراعات والنزاعات في كل جغرافيا إيران.
* على ماذا يُعوّل الأكراد؟
– إن هتاف “المرأة، الحياة، الحرية” الذي أصبح اليوم شعار الثورة في عموم إيران هو ترجمة لشعار تبنته التنظيمات الكردية قبل أكثر من عقدين، وهذا يكشف عن وجود تنظيمات سياسية عريقة بلغ عمر بعضها أكثر من ثمانين عاماً، وهي ذات قاعدة اجتماعية مكّنتها من كسر حاجز الخوف الذي أخذ يَتثلّم شيئاً فشيئاً في عموم جغرافيا إيران.
كما أن للأكراد مجتمعاً مدنياً فاعلاً يتمثّل بعدد كبير من الإعلاميين والحقوقيين ومنظمات حقوق الإنسان والحراك النسوي و… الخ. وهذا يضفي على الشعب الكردي قابلية تمكّنه من لعب دور محوري في عملية إطاحة النظام، كما أن المجتمع المدني الفاعل سيعطي الشعب الكردي في مرحلة ما بعد النظام قوة ترغم جميع الأطراف على القبول بصيغة حكم تضمن لهذا الشعب حقوقه ومتطلباته.
* في أي مرحلة هي ثورة الإيرانيين؟
– ما تجب الإشارة إليه هو أننا تحديداً في خضم ثورة وهي تختلف في سرعة الإنجاز عن الانقلاب، وأما المطمح فهو تحقيق الديموقراطية في جغرافيا إيران، ولا شك في أنها عملية ستكون بطيئة بعض الشيء، ورغم ذلك أعتقد أن الثورة كانت موفقة في تحقيق أهدافها حتى الآن، لا سيما في إحداث تغييرات جذرية في الوعي الإيراني بالديموقراطية، والعدالة الاجتماعية، والمطالب النسوية، وتقبل المثليين، ومتطلبات الشعوب وحقوق مختلف الأديان والمذاهب.
كما أني أرى في فحوى هتافات المتظاهرين خلال الأيام الأخيرة وكذلك ظاهرة رفع أعلام مختلف الشعوب إلى جانب العلم الإيراني في تظاهرة برلين وهي أكبر تظاهرة لإيرانيي المنفى خلال نصف القرن الأخير، إشارتين تبشران بقرب قدوم زمن لن تعد مفردة إيران أو عبارة الدفاع عن وحدة أراضيها اسم رمز يستخدم لقمع الآخرين وتهميشهم.
المصدر: النهار العربي