لا شك أن انهيار لبنان الشامل أتى كحصيلة لتضافر مجموعة كبيرة من العوامل والتقاطعات الداخلية والخارجية، بما فيها خاصةً ما يعود الى فساد وإفساد المنظومة الحاكمة بشكل غير مسبوق، خلال فترة “العهد القوي” الذي انتهت أمس ولايته.
ولا شك أن جميع أفراد المنظومة يشتركون في الفساد بأشكال ومستويات متعددة، وبالتالي يتشاركون فعلياً في المسؤولية عن استشرائه عامودياً وأفقياً، وتغلغله في أربع أرجاء لبنان، وشموله لكل المجالات السياسية والاقتصادية والأخلاقية والمالية والقضائية والإدارية… بحيث يصح التعميم بالقول “أننا كلنا فاسدون”.. لكن هذا لا يلغي حقيقة أن المسؤولية الأكبر يتحمّلها أركان المنظومة ومعهم كل حاشياتهم وأحزابهم ونخبهم وأتباعهم (كلن يعني كلن)، رغم أن خلفية هذه المسؤولية تتمحور أساساً حول الحزب المسلّح الذي خطف الدولة وجرّد رئيسي الجمهورية والحكومة من صلاحياتهم، وسلّم قرار البلد للمشروع الإيراني.
والرئيس “القوي” المنتهية ولايته، هو ركن أساسي في المنظومة، رغم أنه شكّل قناعاً “رسمياً” لهيمنة حزب إيران، وغطاءً “مسيحياً” لاختطاف الدولة بكل مؤسساتها وإداراتها وأجهزتها، وواجهةً مكشوفةً لفساد وجهاء تياره وأبرزهم صهره الذي تمرّس بالتحشيد الطائفي والفئوي والعنصري، كلما اقتضت الحاجة، وخاصة لتمويه الفساد والمحاصصة والصفقات المنتنة.
ولا شك أن صفحات التاريخ ستُسَوَّد بالحديث عما أُسمّيه “الإنجازات-المضادة” لهذا الرئيس الذي “مَنَعوه” (ما خَلّوه) أن يُنفِّذ “برنامجه الإصلاحي”، والذي أنهى ولايته بعد أكثر من عام على إنفجار بيروت الهائل المشبوه، في 4 آب/أغسطس 2020، بينما تزداد أوضاع لبنان سوءًا، يوماً بعد يوم، في كل المجالات الاقتصادية والسياسية والمالية والأمنية :
نقص فادح في الغذاء والماء والوقود والأدوية وحليب الأطفال .. فقدان الكهرباء، انفجار الأسعار، انخفاض حاد في قيمة العملة، انهيار مالي غير مسبوق، خدمات المستشفيات شديدة الصعوبة وباهظة الثمن، انهيار الأجور، بطالة متفاقمة، فقر مدقع اصبح مستوطناً، بنى تحتية متداعية، خدمات عامة مزرية، إلخ، إلخ … بحيث يبدو أنه لا شيء يجنّب هذا البلد الاختناق بدولة زبائنية تعاني من تدمير منهجي لبُناها ومؤسساتها، ومن طبقة سياسية ينخرها الفساد ويحميها حزب إيران المسلّح حتى أسنانه. فوفقًا للبنك الدولي، يمر لبنان بواحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في العالم منذ عام 1850. ووفقًا لتقرير اليونيسيف، فإن 77٪ من العائلات تفتقر إلى الغذاء ويعيش 75٪ من اللبنانيين الآن تحت خط الفقر… وهكذا يواجه اللبنانيون وضعاً أقل ما يقال فيه أنه كارثي…
لكن من أسوأ ما سيسجّله التاريخ عن هذا العهد، مسؤوليته عن تدمير ثلاث نقاط قوة رئيسية تميّز بها لبنان منذ فترة طويلة، أو تفريغها من مضمونها ومن كفاءاتها، ألا وهي :
1- النظام المصرفي بسريته المشهورة،
2- النظام التعليمي وخاصة الجامعي،
3- النظام الصحي والاستشفائي.
حيث أن هذه النقاط الثلاث بقيت، في منطقة المشرق العربي على الأقل، تمثّل الوجه المشرق الذي حافظ عليه لبنان حتى بداية العهد المنتهية ولايته، رغم كل ما عاناه من حروب وتدمير وتخريب وتدخلات خارجية.
هنا لا بد من ملاحظة أنه صحيح أن تسوية 2016 مع الحريري وجعجع فتحت أمام عون (مع حفظ الألقاب) باب تحقيق حلمه الرئاسي واشباع شبقه للكرسي، لكن وصوله لسدة الرئاسة جاء ترجمةً لوثيقة “مار مخايل” الموقعّة في شباط 2006، التي وضعته في خدمة مشروع الهيمنة الإيراني عبر أداته الميليشياوية التي ليست إلا لواء في “الحرس الثوري” الإيراني… وما زال هو وتياره وكتلة نوابه في خدمة هذا المشروع.
إذاً ها هو الرئيس ميشال عون قد غادر القصر الجمهوري في بعبدا، بعد إنهيار لبنان وإطفاء وجهه المشرق واختطاف دولته ومؤسساته وتفكيك انتفاضة تشرين وتهجير كفاءاته البشرية ودفع شعبه “على جهنم”… “مُتَوِّجاً” عهده بالتّخلي عن أجزاء من حدود وحقوق لبنان للعدو الذي يحتل فلسطين.
المصدر: المدار نت