إذا كان رئيس الجمهورية اللبنانية السابق ميشال عون قد وقّع مرسوم استقالة الحكومة قبل ساعات من انتهاء ولايته الرئاسية، إلا أنّ خطوة مماثلة لا تبدو ذات أثر أو تأثير فعلي انطلاقاً من تأكيد متخصصين في الشؤون الدستورية، طالما أن الحكومة تحوّلت قبل أشهر إلى تصريف الأعمال ولا تغييرات جذرية ستطرأ على واقعها العملي. وتحتكم رئاسة الحكومة إلى مصطلح “تصريف الأعمال” في مقاربة كيفية إدارة المرحلة المقبلة، مع الإشارة إلى مؤشرات مطمئنة بالنسبة إلى الرئيس نجيب ميقاتي بعدم اتجاه عدد من الوزراء إلى الاعتكاف عن القيام بمهماتهم. ويتظهّر بحسب المعطيات أن جدول أعمال الرئاسة الثالثة سيتركّز خلال الأسابيع المقبلة على عناوين عدة، كالآتي: أولاً، تمثيل لبنان في المناسبات الخارجية لعدم شغور موقعه، حيث يمثّل ميقاتي لبنان في القمة العربية في الجزائر وقمّة المناخ بمصر. ثانياً، الاهتمام بمواكبة معالجة بعض المسائل الآنية بدءاً من قطاع الكهرباء إلى مواضيع معيشية. ثالثاً، استكمال التواصل مع ممثلي صندوق النقد الدولي ومواكبة مشاريع القوانين المنتظر إقرارها في مجلس النواب للعبور إلى مراحل إضافية من المفاوضات. رابعاً، الابتعاد من الكباش السياسي وتفضيل عدم التوقف عند الخطوتين اللتين اعتمدهما رئيس الجمهورية قبل مغادرته.
وبات جليّاً بالنسبة إلى الأجواء المواكبة لجهة رئاسة الحكومة أنّ غالبية الوزراء لن يمتنعوا عن أداء أعمالهم، في وقت يقول مواكبون مقرّبون من السرايا الحكومية إن “المقاطعة” إذا حصلت ستقتصر على وزيرين أو ثلاثة وزراء بالحدّ الأقصى مع الاتجاه الى تعيين وزراء مكلّفين عندئذٍ. لكن، تعتبر فرضية مماثلة بعيدة جداً طالما أن غالبية من الوزراء تربطهم علاقات جيدة على المستوى الشخصي مع رئيس الحكومة بما يشمل أولئك الذين يحسبون على فريق العهد. وهناك من يشير إلى مرافقة وزير الطاقة وليد فياض لرئيس الحكومة لحضور القمة العربية في الجزائر، بما يؤشّر إلى دلالات باستمرارية وزارية طبيعية من ناحيته رغم أن بعض التحليلات كانت اعتبرته من الذين يتجهون إلى الاعتكاف بما يلغي فرضية كهذه.
وفي وقت يتراجع احتمال المقاطعة الوزارية مع إمكان بروز استثناءات قليلة، تتجه الأنظار في الساعات المقبلة إلى مناقشة الرسالة التي كان توجّه بها رئيس الجمهورية إلى المجلس النيابي قبل انتهاء ولايته الدستورية. فأي قراءة يعبّر عنها خبراء دستوريون في إطار ما يمكن أن ينبثق من رسالة مماثلة؟
يقول أستاذ القانون الدستوري في الجامعة الأميركية في بيروت المحامي الدكتور أنطوان صفير لـ”النهار العربي” إن “ليس هناك من موجب إلزامي على مجلس النواب لأن يتّخذ موقفاً أو إجراءً بعد تلاوة هذه الرسالة، علماً أنها تشكل موقفاً معنويّاً من قبل رئيس الجمهورية ومن الصلاحيات المعطاة له بموجب الدستور اللبناني”، لافتاً إلى أن “الموضوع يصبح هنا أقلّ قوّة وفعالية لأن رئيس الجمهورية يكون قد أصبح رئيساً سابقاً عند تلاوة الرسالة، مع الإشارة إلى أن أي رسالة سابقة لم تفضِ الى أي نتيجة”.
ومن جهته، يشير واضع مذكّرات المرجع الدستوري حسن الرفاعي المحامي حسّان الرفاعي لـ”النهار العربي” إلى أن “الرسالة ليس لها أي قيمة وتأتي ضمن أدوات تحريك العصبيات، وسيعمل مجلس النواب على تلاوتها عند تحوّل رئيس الجمهورية إلى رئيس سابق. وإذا كان رئيس الجمهورية قد اعتبر في رسالته أن رئيس الحكومة لم يتعاون للعمل على تأليفه حكومة جديدة، نذكّر عندما كان اشتكى في المرّة السابقة الرئيس السابق سعد الحريري إلى المجلس النيابي”، مضيفاً أن “البرلمان أجاب عن الرسالة يومذاك بما معناه أن مسألة تأليف الحكومة من صلاحيات رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف تشكيل الحكومة فإذهبا وشكّلا حكومة جديدة. وكذلك، اختار مجلس النواب تكليف ميقاتي في الاستشارات ولن يعود عن ذلك، وهو كان ليختار إسماً آخرَ في الاستشارات لو أراد ذلك”.
وعن توقيع مرسوم استقالة الحكومة، يؤكد الرفاعي أنه “لا يقدّم أو يؤخّر، بل إن رئيس الجمهورية اعترف بمخالفته عرفاً. وهو يريد إعطاء مخالفة العرف نتائج معيّنة، إنما لا أحد يسير معه في هذا الاتجاه. ويعلم من يعرف عون منذ عام 1989 أنّه يحبّ دائماً العمل بشعبوية وكلّ شيء له شكل آخر بالنسبة إليه. لكن، خطورة ما يحصل أشبه بمن يضع السكين على الجرح ويريد إظهار كأن هناك خلافاً كبيراً بين السنّة والموارنة حول قضية الصلاحيات. وكان عون حاول الزعم بذلك خلال الأعوام الستة الماضية”، قارئاً أن “ما يحصل يأتي في إطار تحضيريّ للقول إن هذا النظام لم يعد صالحاً؛ ويراد أيضاً من توجيه الرسالة القول إن الحكومة مستقيلة وليس باستطاعتها ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية في غيابه. لكن، العلة تكمن في عدم الذهاب إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية”.
وبدوره، يعبّر صفير عن أن “توقيع مرسوم استقالة الحكومة حقّ دستوريّ لرئيس الجمهورية، لكن لن تكون له تداعيات باعتبار أن المرسوم كان ليكون واقعياً لو أردف بعده مرسوم تشكيل الحكومة. ومن دون صدور مراسيم تشكيل حكومة جديدة لا تزال حكومة تصريف الأعمال السلطة التنفيذية، وإن كانت منقوصة المواصفات، وتقوم مقام رئيس الجمهورية وكالة ببعض الصلاحيات”، متابعاً أن “الوزراء لهم الحقّ أن يقاطعوا ولكن الحكومة مستقيلة أصلاً ولا استقالة من الاستقالة. ويأتي الموضوع في سياق موقف سياسي وهناك مرسوم عيّن الوزراء بالوكالة؛ فإذا أراد الوزير المقاطعة سيقوم وزير بالوكالة بالمهمات. أما تعيين وزراء بدلاء، فيخرج عن تصريف الأعمال وعن الوكالة المعطاة للحكومة باعتبار أن هذه الصلاحية معطاة دستورياً لرئيس الجمهورية ولصيقة به. ولا يمكن تعيين بدلاء إلا بوجود رئيس للجمهورية. الحكومة باقية، ولكن لا يمكنها تعيين بدلاء”.
المصدر: النهار العربي