الإسلام دين الرحمة والتراحم، دين العدل والحق، دين الحقيقة الناصعة، التي لا تنساق وراء المصالح الأنوية، ولا تقارب البراغماتية السياسية، لذلك فإن كل من يجيِّر الإسلام سياسيًا من أجل مصلحة ما، أي مصلحة، فهو يتخارج موضوعيًا مع كل محددات ومؤطرات العقيدة الإسلامية الحنيفة، ويبتعد كل البعد عن مضامين الدين الإسلامي فيصبح الدين لديه مجرد سلعة من السلع التي يركب موجتها ليحقق تطلعاته النفعية، على حساب الطهر والطهرانية، ومن أجل الاشتغال الدنيوي المندمج في سياقات الإنجدال البراغماتي، ضمن محددت أخرى لاتقترب من جوهر الدين الاسلامي، أو الأديان السماوية بل تعارض مع جوهرها بالمطلق.
ينبري اليوم الكثير ممن يواكبون التسمية الإسلامية في أتون مسارات سياسية لا تتكيء إلى أي معطىً حضاري، ولا تدخل في مضامين الجوهر العظيم للدين الإسلامي، ولا تخدم الغايات العليا، بينما تعاقر بتصرفاتها النفعية أنواعًا من الالتحاق بركب النفع والمصلحة، التي لا تلتقي أبدًا مع السمو والسؤدد الذي قام الإسلام على هديه وأساسه.
وهو مانلحظه اليوم مع اندراج بعض القوى التي تسمي نفسها إسلامية في مآلات الطغيان الأسدي والالتحاق كلية بالحظيرة الاستبدادية، والتبرير للقاتل الظالم، الذي قتل من السوريين والفلسطينيين ماينوف عن مليون شخص من الأبرياء، ودمر البنية التحتية لسورية، وباع الموارد والسيادة الوطنية للفرس والروس وسواهم. يلتحق به اليوم بعض أهل السياسة، ممن يعرفون جيدًا ماذا فعل بالمسلمين قاطبة، تحت دعاوى شتى وادعاءات كثيرة، مفادها أنه ركب أجندة الممانعة والمقاومة المدعاة، لكنها الخديعة التي تتنافى مع المباديء الإسلاميىة التي يدعون حملها ورفع رايتها.
ليس الإسلام (مطلقًا) سلعة أو منفعة أو مصلحة أو تجارة دنيوية. إنه الدين السماوي العظيم الذي لم يقبل أساطينه يومًا، ولا المؤمنين بجوهره، أي مساومة أو مناولة مادية، تقبل الدوس على جثث الأبرياء، والابتسام للقاتل المجرم، الذي مابرح يقتل ويخوض (مع إيرانه) في دماء الشعبين السوري والفلسطيني، وهو الذي قتل (أي النظام السوري) وحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان 3207 فلسطينيًا بينهم 497 تحت التعذيب، واعتقل وأخفى قسريًا 2721 منذ آذار/ مارس2011 وحتى الآن.
لقد علمنا الذين الإسلامي الحنيف أن التراحم والتكافل والإيثار لا مساومة فيها أو عليها، وأن (أعظم الجهاد كلمة حق أمام سلطان جائر) وأنه (ما آمن بي من بات شبعان وجاره إلى جنبه جائع وهو يعلم). وهي مداميك بنيانية اجتماعية وقوانين مجتمعية إسلامية لا تجاوز فيها، ولا انفراط لعقدها، ولا قدرة لأحد على الخروج عنها وهو مسلم مؤمن. فكيف لمن يدعي حمل راية الإسلام والمناداة بها والدعوة إليها، ليس الاسلام أو الدين بشكل عام مايمكن أن يسمح بالعمل به كتجارة ما، يمكن أن تربح أوتخسر، ولا هو المتاجرة بمبادئه، ولا العبث بمكنوناته، وكل من يفعل ويشتغل به كتجارة ومصلحة، يعود حتمًا باتجاه الخروج منه وعليه.
لقد عمل الرسول محمد (ص) على رفع بناء أخلاقي عقيدي، لا جدال فيه، ولا خروج عنه، ولا مساومة به، وكان الإنسان هو الأهم والأولى بكل مسارات منهج اللإسلام السليم، وكذلك كانت من بعده الخلافة الراشدية، وهو اليوم أي الإسلام، إن كان من يحمله، فلا بد أن يكون أمينًا عليه وعلى حمله، وبعيدًا عن كل المتاجرات به، ومتخارجًا عن جل الاشتغالات البراغماتية فيما بينه وجوانيته، ومن ثم فلابد أن يعي أهل السياسة في الإسلام السياسي، أن المجتمع بل والمجتمعات المدنية فيه وبينه هي الأهم، والإنسان والحفاظ على إنسانيته، في مواجهة الجلاد الفاشيستي، هي الأَولى دائمًا. ولا مناص من الحديث بكل شفافية عن أن كل من لايعطي قيمة للإنسان، ولايحدد موقفًا بيِّنًا من الجلاد والظالم، وفي مواجهته، فإلى مآلات بائسة لاشك في ذلك، ولاغفرانًا له، شعبيًا ولا إلهيًا، وسوف يكون معزولًا أمام شعبه وناسه لما فعله من متاجرة بالإسلام والقيم النبيلة التي جاء بها.
المصدر: إشراق