بدأت ثورة الشريف حسين ضد الدولة العثمانية في 5 حزيران عام 1916 حين هاجم فيصل وعلي أبناء الحسين المدينة المنورة بهدف محاصرة المدينة ومحطة السكك الحديدية فيها , لكنهم وبعد ثلاثة أيام من الهجوم اضطروا لإنهاء الهجوم والإنسحاب , وقامت القوات العثمانية وعددها حوالي 12000 جندي والتي كان يقودها الجنرال فخري باشا بملاحقتهم خارج المدينة أثناء انسحابهم .
وخلال ذلك أصدر الشريف حسين بن علي في مكة بيانا عاما في 10 حزيران معلنا فيه الثورة , وفي مكة كانت قوات الشريف حسين تحرز نتائج أفضل حيث نجحت في محاصرة المدينة وإجبار الحامية العثمانية الصغيرة على اللجوء للحصن المحلي الصغير . كما تمكن الأمير عبد الله بن الحسين من محاصرة الطائف . وفي ذات الوقت قامت القبائل المتحالفة مع الشريف حسين بمهاجمة مدينة جدة والبلدات الساحلية الأخرى على البحر الأحمر مثل ينبع ورابغ , وعلى الفور أرسل الانكليز أسطولهم البحري لدعم قوات الشريف حسين , وقد قامت السفن الحربية الانكليزية والطائرات بقصف مواقع وتحصينات القوات التركية لعرقلة تصديها للهجوم البري لقوات الشريف حسين .
مع نهاية شهر تموز عام 1916 كانت قد سقطت بيد الشريف حسين كل من جدة وينبع ورابغ , وهذا ما أتاح للانكليززيادة دعمهم لمختلف مناطق الحجازبصورة كبيرة بالسلاح والعتاد . كما أتاحت السيطرة على الموانىء إنزال أول وحدة عسكرية نظامية عربية من جنود الجيش العثماني الذين أسرهم الانكليز في معركة غاليبولي وفي العراق وفي سيناء الذين تطوعوا بعد أسرهم للقتال من أجل القضية العربية التي كان الشريف حسين يرفع رايتها في ذلك الوقت , وكانوا يرتدون الزي العسكري الانكليزي مع قبعة ذات كوفية عربية , وقد تم تزويدهم بأسلحة حديثة مثل الرشاشات الثقيلة والمدفعية , وأضاف تأمين بطاريات المدفعية والفنيين العسكرين من الجيش المصري مستوى آخر من الدعم .
كما أرسل الانكليز فريق مهام عسكري خاص لتأمين التنسيق بين قيادة الثورة العربية والقيادة العسكرية البريطانية العليا في القاهرة , هذا الفريق الذي عمل منذ تشرين أول 1916 والذي ضم الملازم توماس أدوارد لورنس المعروف بلورنس العرب , والذي سيزداد بالعدد والإمكانات كلما تقدمت الحرب .
أدى الدعم البريطاني خاصة لجهة تأمين المدفعية الثقيلة إلى تمكين قوات الشريف حسين من حسم المعركة في مكة والطائف وتحويل الحصار إلى نصر عسكري .
أمضى الشريف حسين بقية العام 1916 في تحصين مواقعه وتعزيز سيطرته على الحجاز والموانىء الساحلية , وفي إحباط الهجمات المعاكسة التركية , في حين تبين أن المحاولة الفاشلة لحصار المدينة المنورة كانت مكلفة جدا بينما استطاع الجيش الرابع العثماني ارسال التعزيزات بواسطة سكة حديد الحجاز إلى حامية المحطة للمدينة المنورة , بعد ذلك حاول الجنرال فخري باشا استعادة الموانىء الساحلية بادئا بميناء ينبع في شهر كانون الأول عام 1916 وفي النهاية تم صد الهجوم بفضل التدخل الحاسم لاسطول البحرية البريطانية . ومثل ذلك حدث عندما حاول فخري باشا استعادة ميناء رابغ في مطلع العام 1917 .
وفي الفترة السابقة تمكن الأمير فيصل الذي استعان بمستشاره الضابط البريطاني توماس ادوارد لورنس من السيطرة على ميناء الوجه على بعد 150 كم شمال ينبع , ومن ذلك الموقع بدأ بشن الغارات لتدمير خطوط السكة الحديدية التي تصل تركيا بالحجاز , والجسور التي تخدمها , وكذلك على المحطات المعزولة , وذلك طيلة العام 1917 .
كانت الخطة البريطانية لاحتلال فلسطين حيوية بالنسبة لقوات الشريف حسين من أجل وضع الجيش العثماني بتعداده الكبير نسبيا ( 12000) جندي والذي كان مايزال مسيطرا على المدينة المنورة بين فكي كماشة وعزله عن خطوط الامداد , ورغم الظروف الصعبة التي كان يمر بها فقد ظهر خطره في المحاولات الجادة لاستعادة الموانىء الساحلية والتي لعب الاسطول الحربي البريطاني المرابط على ساحل البحر الأحمر دورا هاما في إفشالها .
وبعد معركة العقبة التي قادها الأمير فيصل مع مستشاره لورنس والتي تميزت بالجرأة والنجاح , وأسقطت آخر ميناء على البحر الأحمر ( لم تكن هناك حدود في ذلك الوقت بين ماسمي لاحقا الأردن ومنح ميناء العقبة وبين ما أصبح لاحقا العربية السعودية ) في يد قوات الشريف حسين بقيادة الأمير فيصل في حزيران من عام 1917 فقد اقتنع الجنرال اللنبي في قيادة القوات البريطانية بالقاهرة بالأهمية العسكرية لل ” الثورة العربية الكبرى ” أما فيصل فقد اتخذ العقبة مقرا لقواته التي أصبح اسمها جيش الشمال العربي , ومن هناك استمر بشن الغارات على خط سكة حديد الحجاز , وتمددت سيطرة جيش الشمال العربي حتى جنوب الأردن الحالي , بعد ذلك بدأ اتصال فيصل مع الأحزاب النهضوية العربية في الشام .
أحدث انتصار القوات البريطانية في بئر السبع في زحفها لاحتلال فلسطين وتقدمها إلى وادي نهر الأردن زخما جديدا للحملة العسكرية للأمير فيصل التي وصفت سابقا بكونها حرب السكك الحديدية وقاد هذا الزخم للتوسع باتجاه الشرق . وعلى الرغم من الاحباط والتوتر الذي نشأ بعد الكشف عن اتفاقية سايكس بيكو إلا أن جيش الشمال العربي استمر في مساعدة الانكليز حيثما استطاع تقديم المساعدة , وذلك يرجع إلى الجهد الكبير الذي بذله لورنس في اقناع الأمير فيصل بأنه وبالرغم مما يحمله اتفاق سايكس بيكو من نقض للاتفاق غير المعلن بين الشريف حسين والدولة البريطانية يمكن اعتباره خيانة للحليف العربي لكن من مصلحة ” الثورة العربية الكبرى ” الاستمرار في التحالف مع بريطانيا باعتبار ذلك هو السبيل الوحيدة لاقناعها بتقديم ” جائزة ” للعرب وربما للأمير فيصل شخصيا .
لاحقا لعب جيش الشمال العربي بقيادة فيصل دوراهاما في معركة مجدوا في ايلول 1918 بمهاجمة وتدميرالوصلة الرئيسية للخط الحديدي الحجازي في درعا وفي أماكن أخرى .
قاد الجيش العثماني في هذه المعركة مصطفى كمال أتاتورك بينما قاد الجيش البريطاني الجنرال اللنبي وأسفرت المعركة عن خسارة كبرى للجيش العثماني وأسر عشرات الألوف , واستولى الحلفاء على أراض جديدة .
وفي أعقاب هذا الانتصار ، تقدمت قوات اللنبي الخيالة بسرعة عبر فلسطين والأردن ، واجتاحت ما هو الآن لبنان الحديث ودخلت سوريا. وإلى الشرق ، تحرك الجيش العربي الشمالي شمالًا في سباق غير معلن لدمشق, فوصلوا إلى المدينة في 1 تشرين أول 1918 ليجدوا الفرسان الأستراليين يدخلون من جانب آخر. هكذا بقي الجدل حول من وصل إلى هناك أولاً منذ ذلك الحين.
بعد شهر ، وافقت الإمبراطورية العثمانية على هدنة ووجد قادة الثورة العربية أنفسهم في خضم مفاوضات متوترة مع حلفائهم السابقين ، البريطانيين والفرنسيين ، حول مستقبل المنطقة.
يتبين مما سبق مقدار المقاومة الكبيرة التي أبداها الجيش العثماني في الحجاز , فوجود 12000 جندي عثماني في المدينة المنورة ومقاومتهم بقيادة الجنرال فخري باشا أفشلت محاولات محاصرتهم وبقيت المدينة بيد الدولة العثمانية منذ اندلاع ” الثورة ” في حزيران 1916 وحتى كانون ثاني 1919 أي بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى في 11/11/1918 بعدة أشهر .
يعد حصار المدينة المنورة واحداً من أطول الحصارات في التاريخ، كان الوالي والقائد المدافع عن المدينة هو الجنرال فخري باشا الذي لقب من قبل البريطانيين بأسد الصحراء ..
وبصيغة أخرى فرغم الوضع الحربي الصعب للدولة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى خاصة بشطرها الزمني الثاني فقد بقيت قوات عثمانية هامة نسبيا هناك , وبذلت أقصى جهد ممكن للدفاع عن الدولة وإحباط ثورة الشريف حسين , كما يتبين أن تدخل الاسطول الحربي البريطاني لعب دورا رئيسيا في سيطرة الشريف حسين على الموانىء الساحلية على البحر الأحمر أولا , ثم بتوريد السلاح والعتاد والوحدات العسكرية النظامية العربية التي كانت قد أسرها الحلفاء خلال المعارك مع الجيوش العثمانية , وكذلك الخبراء والضباط المصريين والعرب الذين التحقوا بالثورة بعد انشقاقهم عن الجيش العثماني .
ولست أدري كيف كان بإمكان الشريف حسين وقواته البدائية الاستمرار في القتال بدون كل ذلك الدعم .
وللإنصاف فيمكن من الجهة المقابلة ملاحظة أن الأداء العسكري لجيش ” الثورة العربية الكبرى ” قد فاق توقعات الدوائر العسكرية الغربية بما في ذلك البريطانية , وقد رأينا سابقا كيف كان تقدير البروفسور سنوك لإمكانيات تلك الثورة متواضعا للغاية , وغاية ما كان ينتظر منها هو إرباك الجيش العثماني في الحجاز وتوجيه صفعة لنداءات حكومة الاتحاد والترقي للمسلمين للجهاد المقدس ضد الحلفاء في الحرب العالمية الأولى .
ذلك ملخص لسير المعارك الحربية من لحظة اعلان الثورة العربية الكبرى حتى دخول دمشق , وآمل أن يأتي الدور لاحقا لدراسة العلاقة بين الحركات النهضوية والقومية العربية في بلاد الشام و” الثورة العربية الكبرى ” .
المصدر: صفحة معقل زهور عدي