اشتعل محيط العاصمة دمشق 3 مرات، منذ يوم السبت الماضي، إثر ضربات نسبت لإسرائيل واستهدفت مواقع عسكرية للنظام السوري في جنح الليل لمرتين وفي وضح النهار لمرة واحدة، وبينما اعتبر مراقبون إسرائيليون أن تكثيف القصف لا يشي بأي “تغير جوهري”، أشار آخرون روس وسوريون إلى عدة سياقات.
ورغم أن القصف “الإسرائيلي” على مواقع في سوريا بات معتاداً، منذ سنوات طويلة، إلا أن اللافت منذ السبت أنه جاء ضمن سياق زمني بأقل من أسبوع ولثلاث مرات، وبينما تركز على محيط العاصمة بالتحديد، جاء توقيت تنفيذه ليلا ونهارا، ما اعتبر حدثا “نادرا”.
وكان اللافت أيضا أن الضربات الثلاث جاءت عقب فترة “هدوء نادرة”، وامتدت لخمسة أسابيع.
ودائما ما تقول إسرائيل إن ضرباتها في سوريا تستهدف مواقعاً عسكرية تنتشر فيها ميليشيات إيرانية وتتم فيها عمليات شحن ونقل أسلحة “نوعية”، وهي رواية ينفيها النظام السوري، معتبرا أن القصف “عدوان يستهدف سيادة سوريا”.
من جهتها تؤكد إيران أن وجودها العسكري منذ تدخلها الأول في سوريا عام 2012 يقتصر على “مستشارين” فقط، لكنها وفي نفس الوقت تعلن بين الفترة والأخرى عن تشييع عناصر من ميليشياتها قتلوا في أثناء الحرب، التي شهدتها عدة محافظات سورية، منذ 2011.
ولم يتضح بشكل رسمي وحتى الآن حجم الخسائر البشرية والمادية التي أسفرتها الضربات الثلاث التي استهدفت محيط دمشق، منذ يوم السبت، والتي كان آخرها ليلة الأربعاء- الخميس.
بدوره ذكر “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، الخميس، أن الاستهداف الأخير الذي حصل ليلا تسبب بمقتل 4 من العاملين مع “حزب الله” اللبناني، بينهم 1 على الأقل من الجنسية السورية، بالإضافة إلى تدمير مستودعات سلاح وذخائر وإلحاق خسائر مادية بالمليشيات الإيرانية.
ووفقا لتوثيقات “المرصد” فإن إسرائيل استهدفت 28 مرة الأراضي السورية منذ مطلع العام الحالي، سواء عبر ضربات صاروخية أو جوية، وأسفرت عن إصابة وتدمير نحو 81 هدفا، ما بين مبانٍ ومستودعات للأسلحة والذخائر ومقرات ومراكز وآليات.
وتسببت تلك الضربات بمقتل 62 من العسكريين، بالإضافة لإصابة 75 آخرين منهم بجراح متفاوتة.
ماذا وراء التسلسل؟
ولا توجد أي مؤشرات فعلية عن توقف الضربات التي تنفذها إسرائيل في سوريا على المدى القريب، وهو ما يؤكده مسؤولوها السياسيين والعسكريين.
وكذلك الأمر بالنسبة للنظام السوري، إذ اعتبر وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد في نهاية أغسطس الماضي أنهم “سيواصلون الرد بالصمود”، لأن “المخطط الذي تشارك فيه دول أوروبا الغربية وأمريكا وإسرائيل هو تصفية النظام السياسي في البلاد”، حسب تعبيره.
ومنذ عام 2018 يقول الجيش الإسرائيلي إن عملياته في سوريا يتم تنسيقها ضمن “إطار الخط الساخن”، الذي أنشأه مع موسكو.
وهذا “الخط” سبق وأن أكدته روسيا أيضا، بينما اتجهت قبل أكثر من عام لسياسة تمثلت بالإعلان عن “تصدي الدفاعات الجوية للصواريخ الإسرائيلية” بمنظومات دفاعها، من نوع “بانتسير” و”بوك”.
ولم يطرأ أي تغيير على الخيط الذي يربط إسرائيل بروسيا منذ تلك الفترة، لكن الأشهر الثمانية التي مرّت من حرب موسكو على أوكرانيا، وما تبعها من تقارير عن سحب منظومات الدفاع الروسية من سوريا لصالح الجبهة الأخيرة دفعت صحف غربية لتوقع حصول “تحوّل”.
ووفق تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز”، نشر الأسبوع الماضي، فقد أعادت روسيا مؤخرا نشر عتاد وقوات عسكرية مهمة من سوريا، “مما يؤكد كيف أدى غزوها المتعثر لأوكرانيا إلى تآكل نفوذ موسكو في أماكن أخرى، وإزالة واحدة من عدة عقبات أمام الدعم الإسرائيلي لكييف”.
ولا تزال روسيا، التي كانت قوة عسكرية مهيمنة في سوريا منذ عام 2015 وتساعد في الحفاظ على قبضة النظام السوري على السلطة، تحتفظ بوجود كبير هناك. لكن التغيير قد ينذر بتحولات أوسع في ميزان القوى، في واحدة من أكثر مناطق الصراع تعقيدا في العالم.
فيما يسمح التغيير لإسرائيل، عدو سوريا وجارها الجنوبي، بإعادة التفكير في نهجها تجاه كل من سوريا وأوكرانيا، حسب قول أحد المسؤولين لـ”نيويورك تايمز”. ويرتبط ذلك بأن سحب العتاد شمل بطاريات الدفاع الجوي “إس 300”.
وبينما اعتبر المحلل الإسرائيلي العسكري، إيال عليما أن تسلسل الضربات الثلاث على محيط دمشق في أقل من أسبوع “أمرا لافتا”، إلا أنه قال إن “إسرائيل لم تغيّر سياستها ومعركتها بين الحروب”.
ويضيف عليما لموقع “الحرة”: “هدف إسرائيل هو منع التموضع الإيراني ونقل الصواريخ الدقيقة لحزب الله. هذه الناحية لم تتغير. وبالتالي لم يطرأ أي تغيير جوهري”.
على المدى السنوات الماضية حصلت الكثير من الضربات المتتالية في سوريا. وهذا النوع كما يوضح عليما يتعلق باعتبارات “قد تكون ميدانية واستخباراتية”.
ويشير: “عندما تتوفر معلومات للأجهزة الأمنية الإسرائيلية تقوم باستهداف الموقع أو الهدف. بعض المواقع في محيط دمشق تخضع لسيطرة إيرانية، وهناك موقع واحد خاص بحزب الله، مسؤول عن قضية الصواريخ الدقيقة وتخزينها ونقلها وتسلمها من إيران”.
“من هذا المنطلق نستطيع التحليل والافتراض أنه قد توفرت معلومات استخباراتية حول هذه الشحنات، وبالتالي هذا ربما يبرر هذا الضربات المتتالية”، وفق المحلل الإسرائيلي.
“أهداف مستعجلة”
وتواصل موقع “الحرة” مع عدد من المحليين السياسيين المقيمين في دمشق، إلا أنهم تحفظوا عن التعليق على أسباب تتالي الضربات على محيط دمشق.
لكن في المقابل تحدث مستخدمون وحسابات موالية للنظام عبر مواقع التواصل الاجتماعي خاصة برصد مواقع الضربات أنه “هناك احتمالية لتجدد العدوان الإسرائيلي على سوريا، في الساعات 48 القادمة”.
وقال أحد المستخدمين عبر “تويتر”: “هناك نشاط غير عادي اليوم للطيران الحربي الإسرائيلي فوق جنوب لبنان وبيروت والجولان والجليل”، مضيفا: “يوجد نشاط استطلاعي إسرائيلي كثيف أيضا مع نشاط استطلاعي أمريكي غير عادي قرب سوريا في الـ24 ساعة الماضية”.
من جهته يقول الضابط المنشق عن جيش النظام السوري، عبد الجبار العكيدي إنه “لا جديد في القصف الإسرائيلي المتكرر الذي استهدف دمشق لثلاثة مرات في غضون أسبوع”.
ويوضح العكيدي لموقع “الحرة”: “شهدنا في السابق قصفا شبه أسبوعي، وفي بعض الفترات لمرتين في اليوم الواحد وفي مناطق مختلفة من الجولان إلى دير الزور مروا بحلب والساحل بالقرب من القواعد الروسية”.
ودائما ما يستهدف القصف “إما شخصيات معينة إيرانية أو من حزب الله أو حمولات و شحنات من الذخيرة ومواد تصنيع السلاح وخاصة الصواريخ بعيدة المدى التي يصنعها الإيرانيين في سوريا”.
ومع ذلك، يضيف الضابط السوري: “الجديد في هذا الأسبوع أن القصف الإسرائيلي كان في وضح النهار. هذا يدل على هدف مستعجل لا يؤجل إلى المساء وبالتالي تم ضربه”.
ويتابع: “في العموم القصف بات شيئا مستمرا. يرتبط بالشحنات الإيرانية، وربما بمواقف سياسية مثل الاتفاق النووي الإيراني، وربما ترسيم الحدود بين إسرائيل ولبنان، للضغط على شخصيات إيرانية أو حزب الله في سوريا”.
“استعراض عضلات”
وفي تقرير لها يوم الخميس أشارت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” إلى أن “الهدوء النادر الأخير في الضربات الإسرائيلية على سوريا تزامن مع مفاوضات عالية المخاطر لتسوية نزاع بحري طويل الأمد بين إسرائيل ولبنان”.
وانتهى النزاع باتفاق تم التوقيع عليه يوم الخميس، فيما أضافت الصحيفة: “وقد أدى توقف قصير في المحادثات إلى زيادة التوتر لفترة وجيزة على طول الحدود الشمالية مع حزب الله اللبناني”.
من جانب آخر لا يرى المحلل السياسي المقرب من الخارجية الروسية والمقيم في موسكو، رامي الشاعر أن “تكثيف الغارات على سوريا يرتبط بسحب بعض بطاريات الدفاع الجوي”.
واعتبر في حديث لموقع “الحرة” أن “الهدف من هذه الضربات، وبالدرجة الأولى هو استعراض العضلات في الوقت الذي تأمل فيه إسرائيل وأمريكا التوصل إلى توقيع اتفاق مع لبنان بخصوص ترسيم الحدود البحرية”.
ومن جهة أخرى يقول الشاعر: “الضربات جاءت لرفع معنويات الإسرائيليين الذين يعيشون حالة القلق من أحداث القدس والضفة الغربية. هي أيضا مرتبطة بوضع الصراع الداخلي في إسرائيل على السلطة”.
وتحدث المحلل عن “هدث ثالث”، حسب تعبيره، مضيفا: “القصف يخدم الولايات المتحدة الأمريكية في إعاقة التوصل للاتفاق النووي الإيراني، عدا عن أنه نوع من التعبير الإسرائيلي لتأييد سياسة واشنطن في أوكرانيا، ودعم سلطات كييف والحرب ضد روسيا”.
بدوره يشير المحلل الإسرائيلي العسكري، إيال عليما إلى “قلق كبير في إسرائيل فيما يتعلق بالتقارب الحاصل بين روسيا وإيران من جهة، في مقابل عدم ارتياح موسكو للسياسة الإسرائيلية في حرب أوكرانيا”.
“فوق كل ذلك، القلق من أي تغيير في طريقة تعامل روسيا مع النشاط الإسرائيلي في الأجواء السورية، وخاصة أن الطيران الإسرائيلي يتمتع بحرية شبه مطلقة”.
ويضيف عليما: “لا شك أن الموضوع يخيم وله دور في قرارات الدوائر العسكرية في إسرائيل. لكن رغم ذلك لا نستطيع أن نرى صلة مباشرة بينه وبين عملية معينة وضربة”.
ويبدو، حسب المحلل أن “السياسة الإسرائيلية في أوكرانيا قد فشلت لأن الطرفين (أوكرانيا، روسيا) يبديان الغضب حيالها”، معتبرا أن “إسرائيل بين المطرقة والسندان. لا نعلم أين تتجه الأمور. هذا الأمر له أهمية كبيرة حاليا”.
وسبق وأن قال الوزير الإسرائيلي نحمان شاي (لا يمثل الحكومة)، الأسبوع الماضي، إن المساعدة العسكرية الإيرانية لروسيا أزالت “أي شك في المكان الذي يجب أن تقف فيه إسرائيل في هذا الصراع الدموي. لقد حان الوقت لتلقي أوكرانيا المساعدة العسكرية أيضا. تماما كما توفرها الولايات المتحدة الأميركية ودول الناتو”.
لكن في المقابل شددت القيادة الإسرائيلية على أنه في حين أنها يمكن أن تزود كييف بأنظمة إنذار مبكر لتنبيه المدنيين الأوكرانيين بشأن الضربات القادمة، فإن إسرائيل لن ترسل أسلحة إلى كييف.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، في بيان: “أؤكد أن إسرائيل لن تقدم أنظمة أسلحة إلى أوكرانيا، بسبب مجموعة متنوعة من الاعتبارات التشغيلية”.
بدوره قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الخميس، إنه يرى “اتجاها إيجابيا” في علاقات كييف مع إسرائيل، بعدما تبادل الجانبان معلومات استخباراتية حول استخدام روسيا لمئات الطائرات بدون طيار الإيرانية في حربها ضد جارتها، مضيفاً أن بلاده “بدأت التعاون مع إسرائيل في مجال الاستخبارات والدفاع”.
المصدر: الحرة. نت