ما تزال تحركات قائد “اللواء الثامن” أحمد العودة، الذي أصبح يتبع فرع الأمن العسكري في درعا، بعدما مارس نشاطه لسنوات تحت راية “الفيلق الخامس” من مرتبات الجيش السوري، تثير الكثير من الجدل والتساؤلات، على الرغم من أن الرجل فقد، في الآونة الأخيرة، جزءاً كبيراً من استقلاليته، ولم يعد قادراً لأن يصبغ تصرفاته بطابع التمرد الذي اعتاد عليه عندما كان يوصف بأنه “رجل روسيا الأول في الجنوب السوري”.
فقد تجدد الجدل، مؤخراً، في أعقاب الكشف عن قيام العودة بزيارة مفاجئة إلى تركيا. وأثيرت التكهنات حول أسباب هذه الزيارة وخلفياتها ومدلولاتها لا سيما أنها تزامنت مع تطورات سياسية وميدانية في الملف السوري.
وذكرت مصادر إعلامية سورية معارضة أن زيارة أحمد العودة تركيا، حيث شوهد في مدينة إسطنبول، جاءت بدعوة وجهتها له الاستخبارات التركية، غير أن المصادر لم تذكر أية تفاصيل أخرى عن أسباب الدعوة والملفات التي ترغب أنقرة في مناقشتها مع العودة.
ويعتبر استدعاء العودة من قبل الاستخبارات التركية، بمثابة تعبير تركي عن رغبة أنقرة في التدخّل بملف الجنوب السوري الذي يشهد صراعات خفية ومعلنة على هامش التسوية التي أعادته ظاهرياً إلى أحضان الجيش السوري عام 2018، ولكنه لا يزال عملياً خارج القبضة الحديدية لقوات الأمن السورية التي تضطر بين الحين والآخر إلى خوض مواجهات دموية لفرض بنود التسوية أو تعديل بعضها.
وتزامنت زيارة القائد السابق لفصيل “شباب السنّة” مع تغييرات أجرتها أنقرة على مناصب المسؤولين عن إدارة الملف السوري، حيث تمّ نقل أردم أوزان الضابط المسؤول عن الملف الأمني في الشمال السوري ليصبح سفير أنقرة في العاصمة الأردنية عمّان. وقد استدعى ذلك الربط بين تولّي ضابط أمني لمهام السفارة التركية في عمان بالطرح الذي تسعى الأخيرة إلى تسويقه والمتمثل في حشد حضور عربي بارز لحل الأزمة السورية. وقد تكون هذه هي الثغرة التي تحاول أنقرة استغلالها من أجل إيجاد موطئ قدم لها في الجنوب السوري عبر أداء دور ما يمكنها من مواكبة الطرح الأردني.
وعلى الرغم من أن انقرة ليس لديها أي هواجس أمنية تدفعها إلى لعب دور في الجنوب السوري، إلا أن ثمة مصالح اقتصادية كبيرة لا تقل أهمية عن الهواجس الأمنية. ويبرز في هذا السياق رغبة تركيا في ضمان قدرتها على استخدام معبر نصيب الحدودي بين سوريا والأردن من أجل إرسال شاحنات التصدير إلى دول الخليج العربي. وقد تكون أنقرة استشعرت بأن المبادرة الأردنية ربما تؤدي في المستقبل إلى إمكان تفعيل خط التجارة عبر الجنوب السوري أو على الأقل تزيد من فرص حدوث ذلك، ولعل هذا الاحتمال كان له دور في استدعاء أحمد العودة للاطلاع منه على الظروف الأمنية والعسكرية وأيضاً السياسية التي تحيط بهذا الملف.
ومن غير المستبعد أن تكون أنقرة التي اهتزت قبضتها على منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون في أعقاب المغامرة التي قام بها أبو محمد الجولاني وسيطر من خلالها على مدينة عفرين وهدد مدينة إعزاز، شمال حلب، قد اكتشفت وجود أدوار تمارسها بعض الدول الخليجية والغربية من أجل إضعاف تأثيرها في الملف السوري، ونتيجة ذلك أرادت من خلال استدعاء العودة أن تتلمس الطريق لمعرفة مدى قدرتها على الدخول في كباش مع هذه الدول التي تعتبر مؤثرة في ملف الجنوب السوري، وعلى رأسها السعودية والإمارات والولايات المتحدة الأميركية وكذلك إسرائيل.
والمفارقة أن “اللواء الثامن” الذي يقوده أحمد العودة أصبح منذ أواخر العام الماضي يتبع تنظيمياً لفرع الأمن العسكري في درعا، وبالتالي لم يعد ضمن مرتبات الجيش السوري، ولم تعد له علاقة مباشرة مع قيادة القوات الروسية في حميميم، وبالتالي فقد الكثير من استقلاليته وقدرته على التحرك بحرية. والسؤال الذي ينبغي طرحه في هذا السياق: هل جاءت زيارة العودة تركيا بمعرفة مسبقة من شعبة المخابرات العسكرية في سوريا أم أنه قام بذلك بمفرده ومن دون الحصول على أذن الجهة التي يتبعها؟.
قد يكون من الصعب جداً الحصول على جواب عن السؤال السابق، غير أن ارتباط العودة بجهاز أمني سوري دفع العديد من المراقبين إلى التساؤل عن احتمال أن تكون أنقرة قد قامت باستدعائه من أجل الاطلاع على تفاصيل تجربة التسوية في الجنوب السوري والاستفادة منها في الخطوات التي تقوم بها على مسار التقارب مع دمشق.
المصدر: النهار العربي