أخيرا حط ممثل حركة حماس خليل الحية في دمشق، وبرفقة ممثلين عن السلطة ومعظم الفصائل الفلسطينية توجهوا لقصر بشار الأسد.
ومن جديد خرجت تصريحات ومواقف عن المجتمعين تؤكد تزوير الحقائق من أن العلاقة مع النظام السوري بالنسبة لفلسطين وشعبها حاضنة وقلعة أخيرة، وأن هذا اللقاء سيمنح “المقاومين في فلسطين معنويات عالية “على سبيل المثال في شعفاط والقدس ونابلس والخليل وطولكرم، وكأن الجيل الفلسطيني المشتبك مع عصابات المستوطنين ويواجه عدوان إسرائيل ومؤسسته الاستيطانية تنخفض معنوياته وترتفع على مقياس العلاقة مع نظام دمر كل أسس الممانعة وحطم حواضنها.
تسويق صعب للعلاقة مع الأسد
العنوان الفلسطيني العريض لحركة المقاومة الإسلامية والجهاد والسلطة وكل الإجماع الفلسطيني في قصر بشار الأسد يقول إنهم يقفون خلفه “في مواجهة المشروع الأمريكي الصهيوني”، عنوان تغيب عنه الشجاعة الأخلاقية التي سقطت وإلى الأبد من ممثلي القوى الفلسطينية بما يخص جرائم النظام بحق أبناء فلسطين في سوريا، أعدم شبانا فلسطينيين بذريعة “انتمائهم لحماس” كما حدث في حفرة إعدام حي التضامن، وتصفية كوادر العمل الاغاثي في مخيم اليرموك من الحركة نفسها، مع حملة إعدام وتصفية طاولت كوادر الحركة في سوريا، ومصافحة المجرم فيها ظلم كبير للضحايا .
خطط النظام الأمنية والعسكرية
العودة لحضن النظام من باب رد العدوان عن سوريا والاصطفاف مع النظام، تسويقه صعب وصعب جدا، لسقوط هذا الشعار من يد النظام نفسه، فلا يوجد في خطط النظام الأمنية والعسكرية والاقتصادية، غير ما شهده العالم مع ملايين السوريين على الجغرافيا السورية، وما أحدثه في المجتمع السوري من خراب وكوارث بفعل همجية آلته العسكرية، فكانت حصة الفلسطيني عالية ومكلفة، تحطمت مخيماته بغارات الطائرات الأسدية ومدفعيته ونبشت مقابر شهداء فلسطين للبحث عن جثة صهيوني لتسلم كهدية من بوتين لنتنياهو، وعُفش كل أثر تركه اللاجئين تحت الركام، وسُحل وقتل وعُذب الآلاف في معتقلات النظام.
موقف حركة حماس بتطوير العلاقة مع نظام الأسد، والتطبيع الفلسطيني معه، لا يختلف عنه الموقف الفلسطيني الرسمي الذي عبرت عنه السلطة الفلسطينية في مناسبات كثيرة وعلى لسان موفديها لدمشق، و كذلك الفصائل وحركة فتح والجهاد والشعبية والديمقراطية وفتح الانتفاضة والصاعقة، حتى نخب سياسية وثقافية محسوبة على محور “الممانعة ” أو محور “التكويع الأوسلوي” كما يصفه الممانعون أنفسهم، لا يختلف عن ثبات موقفهم المبدئي الداعم للنظام السوري، تباين المواقف بجزئياته البسيطة، لا يعكس أي خلاف سوى نعت حركة حماس بموقفها من النظام السوري بالبداية واتهامها بالوقوف بمحور “الإخوان والإرهاب”.
وكما هو حاصل اليوم على الساحة الفلسطينية والعربية من ازدحام الهرولة نحو التطبيع مع الأسد بطرق ومسميات عدة، فلسطينياً لم تبرز هذه الروح الزاحفة للملمة جراح البيت الفلسطيني، كما نراها لاهثة تارة بالدفاع عن جرائم النظام وإنكارها بحق أبناء فلسطين وسوريا، وتارة أخرى للتطبيع مع الأسد وتلميع نظامه، الموقف لا يحمل أي شجاعة مبدئية أخلاقية وإنسانية، على الأقل مطالبة النظام بالكشف عن مصير آلاف المفقودين في فروعه الأمنية والكشف عن جثثهم، بعد عقد من المذابح التي اقترفها بحق أبناء جلدتهم وموتهم جوعاً بفعل حصار المخيمات الفلسطينية في سوريا، وفي أقبية التعذيب السورية التي غاب ذكرها عن المنابر الرسمية لحركة التحرر الوطني الفلسطيني.
يستمع الوفد القيادي الفلسطيني، من بشار الأسد “عن أهمية المقاومة، التي لا يمارسها النظام ، لأنه يضيف ” المقاومة ليست وجهة نظر بل هي مبدأ وأساس لاستعادة الحقوق، وهي من طبيعة الإنسان. ” ينصت القادة ويبتسمون للمحاضر المقاوم حارس القلعة الأخيرة للمقاومة كما وصفه البعض،
يستمر مسلسل تزوير الحقائق وطمسها، بعقول فلسطينية ” يسارية ثورية” وباختطاف مواقف الشارع الفلسطيني وتزييفها بسعادة.
تطبيع لا يخدم أي قضية عادلة
إذا أجمع الفلسطينيون اليوم سلطة وفصائل وقوى وأحزابا وحركات، على إقامة علاقة وثيقة مع نظام الأسد، ما الذي سيقدمه النظام ليخدم قضيتهم، إذا كان في سنوات “السمن والعسل” أٌقام لهم فرع فلسطين والضابطة الفدائية وفتح لهم في الأمن السياسي شعبة تخصهم وأقام على كل مكتب من مكاتب الفصائل كولبة حراسة أمنية، ونشر في كل الفصائل مندوبين أمنيين ليكتبوا تقاريرهم للفروع الأمنية بمن يحضر مناسباتهم الوطنية وندواتهم، ومن يتحدث بكل كلمة تُسجل له، هذه حقائق ووقائع يعرفها الجميع، ومن يزل على رأس عمله يدركها، هل نذكرهم بتهمة العرفاتية التي أطلقها حافظ الأسد ومصطفى طلاس وخدام وقضى بسببها في الأقبية مئات منهم، وبقية قادة الفصائل من الشعبية والديمقراطية والنضال وحركة حماس والجهاد حتى الصاعقة والقيادة العامة لم ينج أحد من بطش النظام، وجزء منهم “شرب فنجان قهوة ” ليلي ونهاري في تلك الفروع.
فكيف هو شكل ومضمون العلاقة التي يحرص عليها الطرف الفلسطيني، مع نظام ارتكب جرائم بحق أبناء فلسطين، ونبش قبور شهدائهم الذين يقابلون في كل مناسبة بشعار “العهد هو العهد والقسم هو القسم”، وأسمع المعتقلين في فرع فلسطين أعتى وأحط الشتائم التي لا يمكن أن تسمعها سوى من المستوطنين العنصريين، واغتصب نساء ورجال فلسطين، لكن للأسف مع كل هذه المخازي يبقى التطبيع الفلسطيني مع الأسد تغطية للجرائم أمام المجرم يبقى نيشانا على صدر زوار الأسد من الفرع الفلسطيني.
كاتب فلسطيني
المصدر: القدس العربي