بادر نشطاء مقدسيون من مختلف الأحياء المقدسية إلى ابتداع أساليب عدة للسخرية من شرطة الاحتلال والاحتجاج ضد الطائرة بدون طيار، والمعروفة لديهم بـ “الزنانة”، والتي تحلّق على مدار الساعة فوق مخيم شعفاط شمال شرق القدس، وفي مساحة جغرافية، في محاولة منها لرصد أي اتصال أو أية إشارة تدل على مكان اختباء عدي التميمي المتهم بتنفيذ الهجوم الفدائي على حاجز مخيم شعفاط العسكري، والذي بات بطلاً في نظر كثيرين من الشباب الفلسطيني لجرأته وشجاعته.
ومن بين وسائل السخرية، عشرات المكالمات التي تتلقاها شرطة الاحتلال من شبان فلسطينيين يسخرون من “الزنانة”، ويطالبون بالتوقف عن “الزن” فوق رؤوسهم لأنها حرمتهم من النوم. في حين يكتفي بعض المتصلين بإصدار صوت من قبيل “ززز”، مفضلين بعث رسائل السخرية الصامتة للشرطة التي لم تفلح حتى الآن في اعتقال منفذ الهجوم.
إلى جانب ظاهرة “حليقي الرؤوس” التي بدأت تتسع بين الشبان المقدسيين وباتت تنتشر في محيط جغرافي واسع من الأرض الفلسطينية دعماً وإسناداً لعدي التميمي، ولتمويه الاحتلال عنه، لنشرهم صورة له حليق الرأس.
يقول عصمت منصور، وهو أسير محرر سابق ومختص في الشؤون الإسرائيلية، معلقاً في حديث لـ”العربي الجديد”، على هذه الظاهرة الجديدة: “هذه المظاهر التي برزت بشكل عفوي، وانتشرت بشكل جماعي، والتزم الجميع بها، تعكس حقيقة مفادها أن الحاضنة الشعبية والجمهور الفلسطيني عموماً متعطش للنضال، ولديه استعداد للتضحية وكسر حاجز الخوف من الاحتلال، وأنه لم تعد ترهبه إجراءاته. بل بالعكس بات يتماهى مع كل مظهر نضالي، ويريد أن يكون جزءاً من أي حالة نضالية تواجه الاحتلال وتكسر شوكته”.
ويتابع منصور “أعتقد أنه بعد كل هذا الإذلال الذي يمارسه الاحتلال وعمليات القتل للأطفال والإعدامات الميدانية للمقاومين، وكذلك الاقتحامات الميدانية، يجد شعبنا في هذه الأساليب نوعاً من المساهمة الفعلية في النضال، وإن كانت بأدوات شعبية ساخرة، وهذه الروح تظهر في كل مرحلة، وحين تنشأ حالة نضالية ناضجة”.
بدوره الناشط الفتحاوي خضر الدبس، من كوادر حركة فتح في القدس، يؤكد لـ”العربي الجديد”، أن “الجيد في موضوع الزنانة أنها تزعج أيضاً مستوطنة “بسغات زئيف” المقامة على أراضي القدس، إذا نحن لا ننام من صوتها، وأيضاً المستوطنون هناك لا ينامون، وهم من سيشتكون من إزعاجها، الأمر الذي سيفرض على سلطة الاحتلال إيقافها بضغط داخلي”.
أما عن إبداعات شباب مخيم شعفاط، يؤكد الدبس أنها “متعددة بدءاً من حلق رؤوسهم، وذكر اسم عدي بجميع وسائل الاتصال، وآخرها الاتصال الساخر بشرطة الاحتلال، وستكون القائمة الإبداعية طويلة خلال الأيام القادمة، ولشبابنا في عملية النضال والمقاومة الشعبية نفس طويل، فهم لا يكلون ولا يملون، وإن عدتم عدنا”.
في حين علق الكاتب والأديب إبراهيم جوهر على هذه الظاهرة بقوله: “الاستفقاع والتّشتيت سلاحان جديدان يدخلان المعركة، كنت سأعلّق بهذين المصطلحين المستحدثين على ظاهرة حلق الشّعور على الصّفر وشقيقتها ظاهرة الاتصال بمراكز الشرطة حول الزّنّانة، وإذا كانت لفظة (الاستفقاع) ذات أبعاد نفسية وعملية يفهمها أبناء اللغة وبناتها، فإنّ التّشتيت قد مورس من قبل الشبان، إذ تلقّت المراكز المقصودة اتصالات عديدة وقت الهروب الكبير من باستيل الجلبوع (في إشارة إلى تمكّن ستة أسرى العام الماضي الفرار من سجن جلبوع عبر نفق حفروه، ثم أعاد الاحتلال اعتقالهم)”.
هذه الطائرة المسيّرة تؤدي ثلاث مهمات أساسية هي: التصوير، والتعقب، والاغتيال والتصفية الجسدية، كما حدث في قطاع غزة، وقد بدأ استخدامها في الأراضي الفلسطينية، على نحو واسع، بعد اندلاع انتفاضة الأقصى في عام 2000، وهي شديدة الإزعاج بما تصدره من صوت مستمر يسبب الصداع ويثير القلق.
يذكر أن ظاهرة “حليقي الرؤوس” تجاوزت مخيم شعفاط وامتدت إلى معظم أحياء المدينة المقدسة، خاصة في الرام، وكفر عقب، والعيزرية وأبو ديس، وإذ تدافع العديد من الشبان إلى صالونات الحلاقة في هذه الأحياء وحلقوا شعر الرأس تماهياً مع عدي التميمي، والذي بات برأسه الحليق رمزاً شعبياً يتفاخرون به.
المصدر: العربي الجديد