هدنة مؤقتة بريف حلب: “تحرير الشام” تتمسك بالتمدد في مناطق “الجيش الوطني”

عدنان أحمد * جابر عمر

تعيش مناطق الشمال السوري حالة من الإرباك والترقب، بعد التطورات التي أعقبت إلقاء القبض على المتهمين بقتل الناشط عبد اللطيف أبو غنوم في مدينة الباب بريف حلب الشمالي الشرقي، والمنتمين إلى فرقة “الحمزات”، وما تبع ذلك من مواجهات بين “الفيلق الثالث”، الذي تشكّل “الجبهة الشامية” نواته، وبين هذه الفرقة وأنصارها، ودخول “هيئة تحرير الشام” على الخط، إذ وجدت في الاشتباكات فرصة لبسط سيطرتها على مدينة عفرين، بريف حلب، شمالي غرب سورية.

في موازاة ذلك، تلتزم تركيا الصمت إزاء هذه التطورات، خصوصاً ما يتعلق بسيطرة “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) على عفرين. وفي المقابل، اكتفت مصادر دبلوماسية تركية بالقول لـ”العربي الجديد”، إن “تركيا تتابع عن كثب التطورات، وتعمل على مسألة وقف إطلاق النار في المنطقة”.

وأكدت مصادر عسكرية من “الجيش الوطني”، لـ”العربي الجديد”، أن الوضع في مدينة عفرين كان هادئاً حتى ساعات ظهر أمس الجمعة، وسط اشتباكات متقطعة أعقبت سيطرة “هيئة تحرير الشام” على المدينة من دون قتال يذكر.

في موازاة ذلك، تمترس مقاتلو “الفيلق الثالث” في بلدة كفرجنة التي تفصل عفرين عن مدينة أعزاز، ضمن ما يُعرف بمنطقة “غصن الزيتون”، شمالي محافظة حلب.

وكان “الفيلق الثالث” العامل ضمن “الجيش الوطني السوري” قد تمكن من صد محاولة تقدم لـ”هيئة تحرير الشام” على محور بلدة كفرجنة، وشن هجمات معاكسة محدودة استعاد خلالها بعض المواقع التي خسرها أول من أمس الخميس لصالح “تحرير الشام”.

وقال مدير غرفة عمليات “الفيلق الثالث” العقيد عبد السلام حميدي، لـ”العربي الجديد”، إن “الفيلق الثالث تمكن ليل الخميس من تدمير دبابة لهيئة تحرير الشام واستعادة جبل الترندة”، مشدداً على أن “خطوط الدفاع لدى الفيلق خارج المناطق السكنية متينة ومُحصنة”.

“الجيش الوطني”: انسحبنا حماية للمدنيين

وأوضح حميدي أن “قوات الفيلق انسحبت من مدينة عفرين، الخميس، للحفاظ على أرواح المدنيين وعدم تعريض المدينة إلى اشتباكات داخلية في الأحياء”، وأشار إلى أن “الفيلق ثبت خطوطاً دفاعية خارج التجمعات السكنية، لتجيب المدنيين عواقب القتال وما قد يتسبب به من تهجير جديد لهم”.

وأضاف أن “الأطراف التي تستهدف المدنيين معروفة لدى الجميع. ولاحظنا في مدينة الباب القصف الذي طاول منازل المدنيين، بالإضافة إلى قصف مخيم كويت الرحمة، ما تسبب بإصابات بين النازحين، وهذا الأمر مخز جداً”.

ووفق مصادر عسكرية من “الفيلق الثالث”، تحدثت لـ”العربي الجديد”، فإن قوات “الفيلق” دمرت دبابة تابعة لـ”هيئة تحرير الشام”، وأسرت أربعة عناصر، فيما قتل وأصيب نحو 7 من عناصر “الفيلق” خلال الاشتباكات على محور بلدة كفرجنة.

وأوضحت المصادر أن “مفاوضات جرت بين قادة من الفيلق الثالث وهيئة تحرير الشام في منطقة الباسوطة بريف مدينة عفرين، شمالي محافظة حلب، مساء الخميس، بشأن انسحاب الهيئة من عفرين”.

وأشارت إلى أن “الاجتماعات لم تثمر أي نتائج، بعد رفض الفيلق مطالب تحرير الشام، والمتمثلة خاصة بإبعاد جيش الإسلام (المنضوي ضمن الفيلق) إلى منطقة نبع السلام بريفي الحسكة والرقة، شمال شرقي سورية، وحصول الهيئة على عائدات اقتصادية من المنطقة، لا سيما المعابر الحدودية مع تركيا وقوات سورية الديمقراطية (قسد)، وتبعية المؤسسات المدنية في منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون لحكومة الإنقاذ، الذراع المدنية لهيئة تحرير الشام في منطقة إدلب”.

تواصل الهدنة حتى اليوم السبت

وأضافت المصادر أنه جرى الاتفاق على تواصل الهدنة حتى اليوم السبت من أجل إفساح المجال لمزيد من المفاوضات بين الطرفين، فيما تجري مفاوضات مشابهة في الباب لعودة فرقة “الحمزات” إلى المدينة، واسترجاع مقراتها التي استولت عليها قوات “الفيلق الثالث”، وإعادة الوضع الى ما كان عليه قبل تفجر التطورات الأخيرة.

ونفى “الفيلق الثالث” عبر معرّفاته الرسمية ما نقلته بعض وسائل الإعلام عن مصادر عسكرية في “هيئة تحرير الشام” من أنه تم الاتفاق على دخول الأخيرة لمناطق “درع الفرات” و”غصن الزيتون”. وأكد الفيلق، في بيان، عدم وجود أي اتفاق بهذا الشأن، وأن قواته ستواجه “تحرير الشام” وستكون “سداً منيعاً أمام محاولات دخولها المنطقة سلماً أو حرباً”.

وحمّل البيان فرقة “الحمزة” (الحمزات) وفرقة “السلطان سليمان شاه” (العمشات) المسؤولية عن إدخال “هيئة تحرير الشام” إلى ريف حلب، “ومشاركتها البغي على فصائل الجيش الوطني من الفيلق الثالث وحركة التحرير والبناء”.

وأضاف أن تدخل “تحرير الشام” لم يكن مفاجئاً، “لكن الغريب كان تدخلها إلى جانب الحمزات والعمشات التي لطالما وصفتهما بالفصائل سيئة السمعة وتجار المخدرات وأصدرت بحقهما عدة بيانات”. وأشار البيان إلى أن “العمشات والحمزات” لطالما اعتبروا “تحرير الشام” فصيلاً إرهابياً “وأصبح مجاهداً في يوم وليلة، كما وصفه القيادي محمد الجاسم أبو عمشة على صفحته في فيسبوك”.

وكانت “هيئة تحرير الشام” قد تدخلت إلى جانب “فرقة الحمزة” وفرقة “السلطان سليمان شاه” على خلفية اشتباكات بدأت في مدينة الباب، وتوسعت إلى مناطق أخرى عقب ثبوت تورط “الحمزة” باغتيال الناشط محمد أبو غنوم وزوجته الحامل.

نزوح مدنيين من عفرين

يأتي ذلك، مع ازدياد معدلات النزوح من مدينة عفرين بعد دخول “الهيئة” إلى المدينة، فيما ذكرت مصادر محلية، لـ”العربي الجديد”، أن حواجز أمنية تابعة لـ”الفيلق الثالث” انتشرت على الطريق الواصل بين اعزاز وعفرين، ومنعت الدخول أو الخروج من مدينة اعزاز، حتى أمام النازحين.

وذكر بيان لفريق “منسقو استجابة سورية” أن نحو ألف عائلة نزحت من المخيمات المنتشرة شمالي حلب، فيما نزحت أكثر من 2500 عائلة من المخيمات الواقعة على مقربة من العمليات العسكرية، وذلك على الرغم من إقدام “هيئة تحرير الشام” والفصائل التي تقاتل إلى جانبها، على إغلاق عدة طرق في المنطقة، منها طرق اعزاز ــ عفرين، ودير بلوط – عفرين، ودارة عزة – عفرين، بالإضافة إلى بعض الطرقات وسط المدينة.

ووثق فريق “منسقو استجابة سورية” مقتل أربعة مدنيين وإصابة 28، معظمهم من النساء والأطفال، نتيجة الاشتباكات والقصف المتبادل شمالي شرق محافظة حلب، حتى أول من أمس الخميس. وشارك العشرات بعد صلاة الجمعة أمس في تظاهرة بمدينة اعزاز نددت بهجوم “هيئة تحرير الشام” على مدينة عفرين ومحاولاتها التقدم إلى اعزاز.

غياب موقف تركي من هجوم “تحرير الشام”

وكان لافتاً في هذه التطورات غياب الموقف التركي من الهجوم على فصائل محسوبة عليه من جانب “هيئة تحرير الشام”، المصنفة كفصيل إرهابي عند الأتراك وجزء من المجتمع الدولي، فيما يعتقد أن لأنقرة صلات جيدة مع “الهيئة” على المستوى الميداني على الأقل.

وحاولت “العربي الجديد” التواصل مع أكثر من جهة في المعارضة السورية، مقربة من تركيا، للتعليق على هذه التطورات، لكن الجميع رفضوا، واتفقوا على إجابة واحدة أن “الصورة غير واضحة بعد”.

غير أن مصدراً في “الجيش الوطني”، فضل عدم الكشف عن اسمه، اعتبر، في تصريح لـ”العربي الجديد”، “أن ما يجري كان معداً له بشكل مسبق، وأن اعتقال قتلة الناشط أبو غنوم كان مجرد ذريعة لتنفيذ خطط قديمة معروفة”.

رغبة “تحرير الشام” بالتمدد

وأضاف أن “هيئة تحرير الشام” لا تخفي رغبتها في “التمدد إلى مناطق سيطرة الجيش الوطني في ريف حلب، وقد حاولت ذلك سابقاً وفشلت، ووجدتها ذريعة اليوم لتحقيق هذا المخطط مستخدمة بعض فصائل الجيش الوطني كمطية لها”.

وأوضح أن أهداف “الهيئة” معروفة، وهي “الحصول على حصة من عائدات المعابر، وتقديم نفسها بوصفها القوة الوحيدة المنضبطة في الشمال السوري والقادرة على تقديم خدماتها لكل الأطراف، بما فيها تركيا والنظام السوري”.

واعتبر أن تحرك “الهيئة” في هذا الوقت يأتي “استعداداً لأي استحقاقات مقبلة قد تؤدي إلى تقارب بين تركيا والنظام، وهي تريد تقديم أوراق اعتمادها لديهما من أجل تسليمها المنطقة بعد إلحاق فصائل الجيش الوطني بها، تحت ذريعة الاندماج أو وحدة الصف”.

ورأى المصدر أن تركيا من خلال “غض الطرف حتى الآن عن تحركات تحرير الشام، ربما تكون قد أرادت توجيه صفعة للجبهة الشامية وتحجيمها، بسبب عدم إطاعتها الأوامر التركية بشكل أعمى، ومحاولاتها سابقاً الاحتفاظ بقدر من الاستقلالية، فضلاً عن رغبة تركيا في تهيئة الأوضاع الميدانية في الشمال السوري لاستقبال مئات آلاف السوريين المقيمين على أراضيها، والذين قد يترددون في العودة بسبب الفوضى الأمنية التي تعيشها مناطق الشمال السوري”.

ملخص لحالة الفوضى بالشمال السوري

ورأى الباحث غازي دحمان، في حديث مع “العربي الجديد”، أن ما يجري يلخص حالة الفوضى في الشمال السوري وتنافس القوى المسيطرة لتحقيق مكاسب خاصة بها، أو لحساب القوى التي تدعمها، بينما تأتي مصالح الشعب السوري في أسفل اهتمامات تلك القوى.

وأضاف دحمان أن تركيا بوصفها اللاعب الدولي الرئيسي في الشمال السوري، لطالما حاولت ترتيب الأوضاع هناك وفق أجندتها، لكنها عموماً لم تحقق نتائج كبيرة، بسبب تداخل القوى على الأرض، والضغوط التي تتعرض لها تركيا من الروس والأميركيين، ما يجعل من الصعوبة بمكان الوصول الى قراءة صحيحة ونهائية للتطورات هناك.

 

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى