انتهى اليوم الثاني من المواجهات (يوم الأربعاء) بين “الفيلق الثالث” و”حركة التحرير والبناء” من جهة، و”هيئة تحرير الشام” و”فرقة الحمزة” و”فرقة السلطان سليمان شاه” من جهة ثانية في ريف مدينة عفرين الجنوبي، بسيطرة الحلف الثاني على بلدة جنديرس، والوصول إلى الأطراف الجنوبية لمدينة عفرين من محور الباسوطة – قرزيحل، وانسحاب الحلف الأول من قطاع المعبطلي شمال غربي مدينة عفرين.
وتقدم حلف “تحرير الشام” في محور قرزيحل لأن كامل المنطقة بين معبر الغزاوية وقرية قرزيحل هي قطاع تابع لفرقة الحمزة، في حين ما زال الفيلق الثالث مسيطراً على نقطة المشفى في ترندة جنوبي مدينة عفرين، لتكون خط الدفاع الرئيسي عن مدينة عفرين من الجهة الجنوبية.
أما محور جنديرس فشهد الاشتباكات الأعنف في اليوم الثاني، وتصدت حركة التحرير والبناء لهجمات متتالية من تحالف هيئة تحرير الشام، إلا أن مجموعات من فيلق الشام تشارك الحركة السيطرة على منطقة جنديرس سهلت دخول هيئة تحرير الشام إلى المدينة، في حين تمترست الحركة في معبر الحمام مع تركيا غربي بلدة جنديرس.
وقرر الفيلق الثالث الانحساب من منطقة المعبطلي شمال غربي مدينة عفرين تجنباً لمحاصرة قواته هناك، وهو القطاع الوحيد المحسوب على الفيلق الثالث في منطقة عمليات “غصن الزيتون”. وسيطرت فرقة السلطان سليمان شاه على المعبطلي ما يؤهلها للتقدم إلى شمالي مدينة عفرين وتطويق المدينة مع محور قرزيحل من الجهة الغربية بالكامل.
وصباح اليوم دخلت قوات تحالف “الهيئة والحمزات والعمشات” إلى الأحياء الشمالية لمدينة عفرين من محور راجو.
لماذا تدخلت هيئة تحرير الشام؟
لطالما تراشقت هيئة تحرير الشام وفرقتا الحمزة والسلطان ملك شاه الشتائم والاتهامات، وساقت الهيئة الفرقتين كنموذج تعممه على كامل الجيش الوطني باعتبارهما الأكثر انتهاكاً وفساداً والأكثر ولاء لتركيا، في حين لم يتوقف محمد جاسم أبو عمشة قائد فرقة السلطان سليمان شاه وسيف بولاد قائد فرقة الحمزة عن شتم الجولاني بعبارات نابية. اليوم تحالف الجولاني مع العمشة والبولاد، ما شكل صدمة لدى الأهالي في شمال غربي سوريا.
كشف تحقيق لموقع تلفزيون سوريا في تموز من العام الماضي عن لقاءات بين هيئة تحرير الشام وفرقة السلطان سليمان شاه، وجاءت هذه اللقاءات بعد مخاوف أبو عمشة من شن الفيلق الثالث هجوم للقضاء عليه بتهم الفساد والاغتصاب والقتل، فأعلن في نيسان عام 2021 الخروج من الفيلق الأول ثم الانضمام للفيلق الثاني الذي يقوده فهيم عيسى قائد فرقة السلطان مراد، ليكون بحماية فهيم عيسى، وهو ما حصل عندما تعرض “أبو عمشة” لهجوم من الفيلق الثالث نهاية شباط الفائت.
أما سيف بولاد فدخل قبل أشهر بخلاف حاد مع فهيم عيسى، الذي كان يعد القائد المرجعي لبولاد وأبو عمشة، ثم حاول بولاد التقرب من الفيلق الثالث فأصرّ على دعوة حسام ياسين أبو ياسين قائد الفيلق الثالث لزيارته ونشر تغريدة ترحيبية عن الزيارة الأولى من نوعها بين الطرفين. بعد تغريدة بولاد بعشرة أيام أعلنت فرقتا “الحمزة” و”السلطان سليمان شاه” الخروج من “هيئة ثائرون للتحرير” التي يقودها فهيم عيسى، لتصل العلاقة المتينة بين عيسى من جهة وبولاد وأبو عمشة من جهة ثانية للنهاية.
وتزامنت بداية الخلافات بين سيف بولاد وفهيم عيسى مع بدء اللقاءات بين بولاد والجولاني.
تحرك الفيلق الثالث لطرد فرقة الحمزة من مدينة الباب بعد الكشف السريع عن خلية اغتيال الناشط محمد أبو غنوم وتلبية مطالب ثوار الباب، – وما سبقه من تحرك مماثل ضد فرقة أبو عمشة، وموقف الفيلق الثالث من التصريحات التركية الداعية للتطبيع مع النظام السوري وحفاظ الفيلق الثالث على هامش قرار واسع ورفضه إرسال مقاتلين إلى ليبيا وأذربيجان-؛ أثار قلق هيئة تحرير الشام من ارتفاع أرصدة الفيلق الثالث في صفوف الثوار والحاضنة الشعبية، وظهرت تحركات الفيلق الثالث بالنسبة للجولاني على أنها نواة مشروع يوازي مشروع هيئة تحرير الشام، وبلغت مخاوف هيئة تحرير الشام حد الاصطفاف مع ألد عدوين لها في الجيش الوطني لمواجهة مشروع الفيلق الثالث.
وفي تحالفها مع فرقتي الحمزة والسلطان سليمان شاه، لدى هيئة تحرير الشام مطامع وأسباب عديدة، فالفرقتان تمتلكان صندوقاً مالياً ضخماً من عائدات التهريب وتجارة المخدرات وتصنيعها وأجور القتال خارج سوريا، وكذلك تمتلكان تسليحاً بمئات العربات والرشاشات الثقيلة وآلاف القطع الأخرى من السلاح، ومستودعات ضخمة من الذخائر.
وتنتشر فرقتا “الحمزات والعمشات” في مناطق الباسوطة وجنديرس بريف عفرين الجنوبي المتاخم لمناطق سيطرة هيئة تحرير الشام في ريفي حلب الغربي وإدلب الشمالي، وكذلك في منطقتي الشيخ حديد وراجو. وهذا يعني أن الفيلق الثالث في حال سيطر على هذه المناطق فسيكون على تخوم مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام. أما الآن فزادت هيئة تحرير الشام من مساحة سيطرتها الجغرافية ووطأت منطقة للمرة الأولى.
وأوضح الباحث عبد الرحمن الحاج في منشور على حسابه في فيسبوك أن “الجولاني انتهى إلى التحالف مع تجار المخدرات والمجرمين بعد عدة تحولات أنهت الأيديولوجيا الجهادية السلفية وحولته إلى أمير حرب كلاسيكي يقاتل بهدف تحقيق المكاسب، انتقل من الجهادية السلفية إلى محاربة المقاتلين الأجانب وأخيرا إلى التحالف والشراكة مع المجرمين. أي أن مقاتلي الجولاني يقاتلون بلا أيديولوجيا نهائياً”.
سيناريوهات الأيام القادمة
شكّل هجوم هيئة تحرير الشام على عفرين صدمة لدى المراقبين، لأن هجومها الأخير على المنطقة في حزيران الماضي نتج عنه استنفار في تركيا على أعلى المستويات، فروسيا استغلت ذلك لإدانة ضبط أنقرة للمنطقة، وتسبب هجوم الهيئة بإقالة مسؤول ملف إدلب في المخابرات التركية وفرضت تركيا جملة عقوبات على “أحرار الشام – صوفان” وفيلق الشام والحمزات وغيرهم. أما الآن لم تظهر أي مؤشرات لتحرك تركي لمنع هجوم هيئة تحرير الشام.
ووقع الفيلق الثالث في سوء تقدير واضح، فلم يتوقع دخول تحرير الشام على خط المواجهة، وعندما هاجم مقارّ “الحمزة” في مدينة الباب توقف ولم يكمل على باقي مقارّها في محيط المدينة وكذلك في منطقة الغندورة، ويبدو من صمت فهيم عيسى وعدم تدخله أن الفيلق الثالث تحرك دون أن يضمن موقف فهيم عيسى معه، بل دون أن يقنعه بالانخراط في هذه العملية الأمنية لاجتثاث “الحمزات” واعتقال سيف بولاد وتقديمه للقضاء.
الآن يسيطر تحالف الهيئة والعمشات والحمزات على معظم أرياف عفرين الشمالية والغربية والجنوبية، في حين يحافظ الفيلق الثالث على مواقع دفاعية في مداخل المدينة، وينتشر في ريف المدينة الشرقي وصولاً لكفرجنة ومن ثم مدينة اعزاز، وهذه منطقة نفوذ الفيلق الثالث منذ عملية “نبع السلام”.
من غير المستبعد أن يسيطر تحالف الهيئة على كامل منطقة عفرين، وفي حال تدخل المسؤولون الأتراك فستنسحب قوات الهيئة إلى إدلب وتسلّم المنطقة لحلفائها، أو قد تبقى على مجموعات من الهيئة سراً، وبالتالي يصبح خط المواجهة مع الفيلق الثالث عند منطقة كفر جنة وجبل برصايا غربي مدينة اعزاز، وفي هذا السيناريو يضع الفيلق الثالث جدار حماية عند كفرجنة، ثم يكمل عمليته الأمنية لاستئصال الحمزات من المنطقة الواقعة شرقي اعزاز وصولاً إلى جرابلس والباب.
في هذا السيناريو لا يعتبر الفيلق الثالث نفسه خاسراً، فهو في الأساس لا يسيطر في منطقة “غصن الزيتون” إلا على مناطق صغيرة وغير استراتيجية.
في حال أكمل الفيلق الثالث تمشيط كامل ريف حلب الشرقي من الفصائل، تكون الخطوة التالية التحالف مع هيئة ثائرون للتحرير بقيادة فهيم عيسى والعودة إلى مشروع “عزم”. وكشف مصدران من قيادة الفيلق الثالث وهيئة ثائرون للتحرير لموقع تلفزيون سوريا عن تكثيف الجانبين اللقاءات منذ أيام، دون التوصل لاتفاق على المشروع. وبذلك يبقى في شمال غربي سوريا تحالف هيئة تحرير الشام وتحالف الفيلق الثالث.
كما أنه من المحتمل أن يتدخل المسؤولون الأتراك ويطرحون حلاً بانسحاب الفيلق الثالث من كامل منطقة عمليات “غصن الزيتون” مقابل انسحاب “تحرير الشام” أيضاً إلى إدلب. ويعني هذا السيناريو سيطرة “العمشات والحمزات” و”هيئة ثائرون” على المنطقة عفرين.
تطورات ما بعد جريمة اغتيال أبو غنوم أظهرت التمايز الحاصل في شمال غربي سوريا بشكل واضح، فمشروع الفيلق الثالث مع حركة التحرير والبناء ينظر إليه المحللون والناشطون على أنه المشروع الوطني المأمول به خاصة بعد السياسة التركية الجديدة للتقارب مع النظام السوري، وفريق من أمراء الحرب تجمعهم المصالح المرحلية والشخصية رغم التناقضات والعداء القديم، وفصائل لطالما التزمت الحياد ولا تمتلك أي مشروع.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا