جذور الانحراف في الفكر الإسلامي -1

معقل زهور عدي

أحد تلك الانحرافات وواحد من أخطرها تأثيراً في التاريخ الاسلامي هو الاعتقاد بدور النسب في السياسة والحكم . لقد ترك ذلك الاعتقاد أثرا عميقا في السنة والشيعة على حد سواء , لكن أثره في الشيعة كان أعمق وأشد خطرا وأبعد في تأثيره في جميع مناحي الحياة والسياسة بصورة خاصة.

فالأصل في الاسلام أنه ” ولاتزر وازرة وزر أخرى ” سورة فاطر , الآية 18″ والمدلول هنا لايقتصر على الذنب كما قد يتبادر بل يمتد بالضرورة للمسؤولية في جميع مناحي الحياة .

لذلك كان فصل الاسلام واضحا وحاسما بين الأبوة والنسب وبين القيمة الانسانية التي تتحدد بعمل الانسان فقال تعالى ردا على طلب نوح عليه السلام إنقاذ ابنه من الطوفان وضمه معه في السفينة : ” قَالَ يَٰنُوحُ إِنَّهُۥ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُۥ عَمَلٌ غَيْرُ صَٰلِحٍۢ ۖ فَلَا تَسْـَٔلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِۦ عِلْمٌ ۖ إِنِّىٓ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْجَٰهِلِينَ”

لنتأمل هنا التعبير ” إنه عمل غير صالح ” فلم يقل القرآن مثلا إن ابنك كافر , لكنه قال ” إنه عمل غير صالح ” بالطبع الكفر عمل غير صالح لكن ما أراد القرآن إظهاره والتشديد عليه هو التمايز بالعمل عوضا عن النسب .

وفي الحديث الصحيح ” يا مَعْشَرَ قريشٍ ! اشْتَرُوا أنفسَكم من اللهِ ، لا أُغْنِي عنكم من اللهِ شيئًا ، يا بني عبدِ مَنَافٍ ! اشْتَرُوا أنفسَكم من اللهِ ، لا أُغْنِي عنكم من اللهِ شيئًا ، يا عباسُ بنَ عبدِ المُطَّلِبِ ! لا أُغْنِي عنكَ من اللهِ شيئًا ، يا صفيةُ عَمَّةَ رسولِ اللهِ ! لا أُغْنِي عنكِ من اللهِ شيئًا ، يا فاطمةُ بنتَ مُحَمَّدٍ ! سَلِينِي من مالي ما شِئْتِ لا أُغْنِي عنكِ من اللهِ شيئا .”

فلا النسب لقريش يقدم أو يؤخر , ولا النسب لبني عبد المطلب , ولا حتى لابنة الرسول فاطمة , فما يقدم ويؤخر هو وحده عمل الانسان كما قال القرآن الكريم في ولد نوح .

وفي الحديث الحسن ” إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ أذهبَ عنكم عُبَّيَّةِ الجاهليةِ وفخرَها بالآباءِ ، الناسُ بنو آدمَ ، وآدمُ من ترابٍ ، مؤمنٌ تقيٌّ ، وفاجرٌ شقيٌّ ، لَيَنتهينَّ أقوامٌ يفتخرون برجالٍ إنما هم فحمُ جهنَّمَ ، أو ليكوننَّ أهونَ على اللهِ من الجُعلانِ”

وهو ينسجم مع الحديث السابق ومع النص القرآني .

وفي خطبة الوداع مما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ” أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب أكرمكم عند الله اتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى – ألا هل بلغت….اللهم فاشهد قالوا نعم – قال فليبلغ الشاهد الغائب”

فإذا لم يكن لعربي فضل على أعجمي فكيف يكون لهاشمي فضل على عربي ؟

وذلك أيضا ينسجم مع الأحاديث السابقة ومع القرآن الكريم .

ماحصل أن انحرافا في الاعتقاد تمثل في مخالفة روح الاسلام والنص القرآني والحديث النبوي في المساواة التامة بين البشر وتحديد فضلهم بالعمل الصالح والتقوى , في الذهاب نحو إعطاء النسب قيمة سواء في التدين أو في السياسة وهو الأخطر بدون شك .

فالرسول عليه السلام لم يورث أحدا من نسبه , ولو فعل لظهر ذلك واضحا وضوح الشمس دون الحاجة لتأويل , وأبو بكر الصديق لم يورث أحدا من نسبه , أما عمر بن الخطاب فحين اقتربت وفاته بعد أن طعنه أبو لؤلؤة عرض عليه أن يخلفه ابنه عبد الله بن عمر وكان معروفا بصلاحه وفضله فرفض ذلك وقال قولته المشهورة : ” كفى آل الخطاب أن يسأل منهم رجل واحد “

وقد سارعمر بن الخطاب على نهج الرسول وأبي بكر , فتسلم الحكم بالبيعة وليس بالقوة والغصب , ولا بالنسب , وقبل وفاته , جعل الشورى في ستة يختار من بينهم من يخلفه وهؤلاء الستة هم طلحة والزبير و عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعثمان وعلي .

ولم يترشح للخلافة بعد ذلك عثمان ثم علي لنسبهم بل لمكانة كل منهم في الاسلام وما قدمه من خدمة وجهد للدعوة وما تميز به من صحبة وصلة وثيقة بالرسول .

أما عمر بن عبد العزيز الذي يوصف بالخليفة الراشد الخامس فقد رفض أن يتسلم الحكم ببيعة بدا له أنها فرضت بموجب وصية سليمان بن عبد الملك , فصعد المنبر وأعلن للناس أنكم في حل من تلك البيعة , ولم يرض أن يتسلم الحكم سوى ببيعة ثانية .

ورد في كتاب سيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي أن عمر صعد المنبر بعد أن أخذ له رجاء بن حيوة البيعة فخطب الناس وقال : ” أيها الناس اني قد ابتليت بهذا الأمر عن غير رأي كان مني فيه , ولا طلبة له , ولامشورة من المسلمين , واني قد خلعت مافي أعناقكم من بيعتي فاختاروا لأنفسكم ” .

جاء في كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد ” أخبرنا علي بن محمد عن أبي عمرو الباهلي قال جاء بنو مروان إلى عمر فقالوا إنك قصرت بنا عما كان بنا من قبلك وعاتبوه فقال لئن عدتم لمثل هذا المجلس لأشدن ركابي ثم لأقدمن المدينة ولأجعلنها أو أصيرها شورى أما إني أعرف صاحبها الأعيمش يعني القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق” (الطبقات الكبرى – الجزء الخامس – ص344)

وهناك أكثر من خبر حول عزم عمر بن عبد العزيز إعادة الخلافة لمبدأ الشورى , ولم يكن للنسب الهاشمي أي أثر في تفكيره السياسي .

الاعتقاد بالنسب بالدرجة الأولى كمؤهل للحكم لم يأت من الاسلام بقدر ماجاء من عقائد أخرى تؤمن بخصائص الدم للملوك مسقطة ذلك على سلالة فاطمة رضي الله عنها .

كما قد جاء كغطاء ايديولوجي , وشعار سياسي للحشد والتعبئة , وكما نعلم فكل الخلافات والصراعات السياسية في تاريخ الاسلام الطويل اجتهدت لترتدي لباسا دينيا – مذهبيا , ووجد كثير منها في النسب ضالته المنشودة .

وفي السنة نجد قتادة بن أدريس أحد أحفاد الحسن يتخذ من نسبه سلما للسلطة السياسية على مكة بعد أن تسمى ذلك الفرع في مكة بالأشراف وهو لقب لم يدعيه الحسن ولا الحسين ولا أولادهم لأنفسهم .

ولكونهم من ” الأشراف ” فهم الأحق بحكم الحجاز ….هكذا !

ومن حسن حظهم أن البيئة القبلية التي احتفظت بطابعها لمئات السنين في شبه الجزيرة العربية تقدس النسب , أليس مايجمع القبيلة البدوية هو الدم والنسب ؟

المصدر: صفحة معقل زهور عدي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى