“مؤامرة دولية لمحاصرتها”..|| هكذا تنظر إيران إلى الصراع الأذربيجاني الأرمني على حدودها

رسول آل حائي

يربط المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية في طهران التطورات في منطقة القوقاز بمؤامرة أجنبية، موضحا أن حرب قره باغ الثانية لم تكن لتحرير هذا الإقليم، بل غطاء لإنشاء “الممر التركي للناتو” أو ممر زنغزور.

أعاد الهجوم الأذربيجاني الأخير -على أهداف جنوبي أرمينيا- لغة التهديد والوعيد إلى الأوساط الإيرانية بشأن ضرورة عدم السماح بأي تغييرات جيوسياسية على حدودها، في حين تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة عن حشد القوات الإيرانية قرب الحدود المشتركة مع أذربيجان.

ويعزو مراقبون إيرانيون الاشتباكات المتجددة بين باكو ويريفان إلى “مؤامرة دولية ترمي إلى محاصرة إيران جغرافيا”، عبر احتلال الشريط الحدودي بين إيران وأرمينيا، بغية إنشاء ممر زنغزور بين مقاطعة نخجوان وبقية الأراضي الأذربيجانية.

وتتهم بعض الأوساط الإيرانية الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي “ناتو” (NATO) وإسرائيل بالعمل على مد ممر للناتو على الحدود الإيرانية المشتركة مع أرمينيا، وأن الممر الرابط بين مقاطعة نخجوان وبقية الأراضي الأذربيجانية ليس سوى تطبيق عملي لهذه الخطة التي تعدها طهران خطا أحمر، وتستهدف أمنها القومي أولا وشريانها الاقتصادي بالدرجة الثانية.

وتسعى الجزيرة نت في هذا التقرير إلى تقديم قراءة إيرانية للاشتباكات المتجددة بين أذربيجان وأرمينيا ومشروع إنشاء ممر زنغزور على حدودها.

ما موقف إيران حيال الاشتباكات المتجددة بين أذربيجان وأرمينيا؟

تباينت آراء الأوساط الإيرانية بشأن الصراع المتجدد قرب حدودها مع كل من أذربيجان وأرمينيا؛ فالمؤسسة العسكرية سارعت إلى حشد قواتها عند الحدود المشتركة وصرحت -على لسان أكثر من قائد عسكري- بأنها لن تسمح بتغيير الحدود الجغرافية في المنطقة،  في حين أعلنت وزارة الخارجية استعدادها للتوسط من أجل التوصل إلى حل سياسي للصراع، مستدركة أن الحدود المشتركة بين إيران وأرمينيا قائمة منذ آلاف الأعوام ولا يمكن تغييرها.

وإلى جانب الاتصال الهاتفي بين وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان ونظيره الأذربيجاني جيهون بيرموف، وتأكيده ضرورة عدم تغيير الحدود المعترف بها دوليا، سارع السفير الإيراني لدى باكو، عباس موسوي، إلى عقد اجتماع مع ألتشين أميربيوف المساعد الخاص للنائب الأول لرئيس جمهورية أذربيجان، مؤكدا استعداد بلاده “لمساعدة جيرانها من أجل تحقيق سلام مستدام عبر عقد اجتماعات ثنائية وثلاثية ومبادرة 3+3 الإقليمية في طهران” (آلية للتعاون والسلام في منطقة القوقاز).

في السياق، ربط المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية في طهران التطورات في منطقة القوقاز بمؤامرة أجنبية، موضحا أن حرب قره باغ الثانية لم تكن لتحرير هذا الإقليم، بل غطاء لإنشاء “الممر التركي للناتو” أو ممر زنغزور، وقال إن هذا يعني انتهاكا للمادة 4 من ميثاق الأمم المتحدة.

وفي تقدير موقف عن مؤامرة إنشاء الممر التركي للناتو مع تداعيات جيوسياسية ضد إيران وروسيا والصين، اعتبر المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية، أن الممر يستهدف الثالوث الشرقي (إيران وروسيا والصين) باعتباره العدو اللدود لحلف الناتو، ومن المفترض أن يلعب الممر التركي دور “ممر دانزج” لهتلر قبل الحرب العالمية الثانية، من أجل تنفيذ تغييرات جيوسياسية.

لماذا تعارض إيران مشروع إنشاء ممر زنغزور قرب حدودها المشتركة مع أرمينيا؟

لا كلام يعلو على الأمن القومي والاقتصاد المحاصر في رؤية إيران تجاه ما يحدث قرب حدودها المشتركة مع أرمينيا، وفق الباحث في شؤون أوراسيا، علي بمان إقبالي زارج، الذي جدد معارضة طهران المبدئية لأي توسع لحلف الناتو باتجاه الشرق عموما، وباتجاه حدودها على وجه الخصوص.

ورأى إقبالي زارج -في حديثه للجزيرة نت- في تضارب المصالح الأجنبية بمنطقة أوراسيا تهديدا للأمن القومي الإيراني، مؤكدا أن إنشاء ممر تركي سيضر مجال الترانزيت (التنقل) الإيراني عبر قطعه ممر شمال-جنوب أو تقويضه، فضلا عن قطعه الطريق بوجه إيران للوصول إلى أوروبا عبر أرمينيا.

وخلص إلى أن ممر زنغزور يرمي إلى نقل الطاقة من أوراسيا وآسيا الوسطى إلى القارة الخضراء، مما يعني أنه سيضع حدا نهائيا للحاجة الأوروبية إلى الطاقة الإيرانية.

وفي السياق، اتهم السفير الإيراني الأسبق في أذربيجان محمد باقر بهرامي -في تصريح للتلفزيون الإيراني- كلا من إسرائيل وبريطانيا وتركيا وأذربيجان بالعمل من أجل خلق “عالم تركي” عبر إنشاء ممر ليمتد حتى تركمانستان وإحدى المقاطعات الصينية ذات الأغلبية الأويغورية.

وأضاف بهراني أنه من الأفضل تسمية ممر زنغزور بـ”الممر التركي للناتو”؛ لأنه “بعد إنشاء هذا الممر ستكون لنا حدود مشتركة مع الناتو والصهاينة من جهة، وسيقطعون اتصالاتنا مع الشمال من جهة أخرى، وهذه القضية ستكون على حساب إيران وروسيا والصين”.

كيف يمكن لإيران مواجهة إنشاء ممر زنغزور؟

كان المرشد الإيراني الأعلى، آية الله علي خامنئي، قد أثار موضوع الاشتباكات المتجددة بين أذربيجان وأرمينيا، لدى استقباله كلا من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، يوليو/تموز الماضي، مؤكدا أن بلاده ترفض أي تغيير في الحدود الواقعة في شمالها الغربي.

ويعد موقف المرشد الإيراني خارطة طريق يجب إتباعها من قبل المؤسسات الإيرانية، لمنع أي تغييرات جيوسياسية على الحدود المشتركة مع أرمينيا، وهو ما يبرر تحرك الخارجية الإيرانية لحلحة الخلاف بين باكو ويريفان سياسيا، وحشد القوات الإيرانية عند الحدود الشمالية الغربية عسكريا.

وعن توجّه طهران البديل في حال فشل الخيار السياسي، يشير بهرامي إلى مناورات بلاده العسكرية على الحدود القريبة من مناطق النزاع بين أذربيجان وأرمينيا، مؤكدا أنه في حال حدوث تغيير في الحدود المعترف بها دوليا، فإن بلاده ستضطر للتدخل لمنع ذلك.

كيف يمكن لإيران أن تساعد في حلحلة الخلاف بين أذربيجان وأرمينيا؟

يُذكّر السفير الإيراني الأسبق في باكو أن بلاده عرضت الوساطة منذ بداية الصراع في ناغورني قره باغ، مؤكدا استعدادها لإعداد خطة من أجل ربط نخجوان بجنوب أذربيجان عبر الأراضي الإيرانية، وشدد على أن معالجة المشكلة ممكنة بإنشاء عدة جسور على نهر آراس الواقع على الحدود مع أذربيجان وأرمينيا.

واستدرك بهرامي أنه “إذا كان الأمر يتعلق فقط بالنشاط الاقتصادي، فبإمكانهم التنقل عبر إيران، لأن نخجوان وأذربيجان ترتبطان عبر إيران ويمكنهم استخدام هذا الطريق”.

وخلص إلى أنه إذا كانت باكو وأنقرة وحلف الناتو لا تريد فعلا تنفيذ “مؤامرة الممر التركي للناتو” -على حد قوله- بالاعتداء على مقاطعة سيونيك الأرمينية، فإن أفضل حل هو عبور هذا الطريق عند نقطة زنجيلان ونخجوان الحدودية مع أرمينيا من داخل الأراضي الإيرانية، وقد تم التوقيع على مذكرة تفاهم بهذا الشأن بين طهران وباكو عام 2021.

لماذا تصر إيران على ربط موضوع ممر زنغزور بالناتو؟

يعتقد السفير الإيراني السابق في باكو، محسن باك آئين، أن الناتو يسعى -بتشجيعه على إنشاء ممر زنغزور- إلى الوصول إلى روسيا عبر بحر قزوين، محذرا من أن هذا سيقطع اتصال إيران بروسيا عبر الأراضي الأرمينية.

وفي حديثه للجزيرة نت، أشار باك آئين إلى عضوية تركيا في حلف الناتو، مؤكدا أن الحلف يرى مصلحته في الوصول برا إلى مياه بحر قزوين عبر ممر زنغزور على حساب إيران، وقطع اتصالها بيريفان التي تعتبر بوابة إيران نحو أوروبا الشرقية.

وأشار السفير الإيراني السابق في باكو، إلى تنامي الحضور الإسرائيلي في أذربيجان، محذراً من “المخطط الصهيوني الرامي إلى الاقتراب من حدود إيران والعبث بأمنها”، عازياً الهجوم الأذربيجاني الأخير على أرمينيا إلى تناغم باكو مع سياسات أنقرة حليفة الناتو في المنطقة.

المصدر: الجزيرة. نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى