العراق: احتجاجات أكتوبر تتجدّد وتحصينات أمنية غير مسبوقة تحيط بالمنطقة الخضراء

مشرق ريسان

خرج آلاف المتظاهرين، أمس السبت، إلى ساحة التحرير، وسط العاصمة الاتحادية بغداد، وعدد من مدن البلاد الأخرى، في تظاهرات احتجاجية، في الذكرى الثالثة لانطلاق احتجاجات «أكتوبر 2019» وتجديد مطالبهم المتمثّلة برفض المحاصصة والفساد، ومحاسبة قتلة المتظاهرين، وسط إجراءات أمنية غير مسبوقة.

وجدد المحتجون مطالبهم السابقة بالكشف عن قتلة المتظاهرين، والانتهاء من سطوة الأحزاب السياسية الحاكمة منذ 2003 وتوفير الخدمات الغائبة.

ومنذ اليومين الماضيين، انتشرت قوات الأمن العراقية في عدد من المناطق والشوارع المحيطة بالمنطقة الخضراء الدولية، وعزّزت إجراءاتها بإغلاق ساحتي التحرير والخلاني وجميع الطرق المؤدية إليها، فضلاً عن استمرار قطع جسري الجمهورية والسنك الحيويّين.

وبالإضافة إلى تكثيف الانتشار الأمني ونصب الحواجز الكونكريتية على الجسرين، عزّزت قوات الأمن إجراءاتها بنصب بوابة «فولاذية» عند جسر الجمهورية، لمنع أيّ تقدم محتمل للمحتجين صوب المنطقة الخضراء، غير إنها لم تصمّد أمام جموع المحتجين.

ومع تقدّم المتظاهرين صوب الحاجر الأمني الأول المشيّد على جسر الجمهورية، واجهتهم قوات الأمن بوابل من القنابل الدخانية والمسيلة للدموع.

وتحدّثت خلية الإعلام الأمني الحكومية، عن رصدها قيام عناصر «مندسة» وسط المتظاهرين باستخدام المولوتوف وبنادق الصيد والأعتدة على القوات الأمنية في ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد، حسب بيان صحافي، داعية منظمي التظاهرة «تسليم هؤلاء المندسين داخل صفوفهم الى الأجهزة الأمنية فوراً والحفاظ على التظاهرة ومنع الإساءة إليها».

ويعيش العراق حالة من الغليان الشعبي، الرافض لاستمرار تشكيل الحكومات وفقاً لمبدأ المحاصصة منذ عام 2003 فضلاً عن توغّل الفساد في عموم مفاصل الدولة العراقية، في حين يعاني الشعب من نقص شديد في الخدمات.

ورغم نجاح احتجاجات أكتوبر 2019 في الإطاحة بحكومة عادل عبد المهدي، حينها، وتشكيل حكومة جديدة أشرفت على انتخابات 2021 غير إن البلاد لا تزال خاضعة لسلطة الأحزاب النافذة.

ويتزامن تجدد احتجاجات أكتوبر، مع استعداد أتباع زعيم التيار الصدري، لاتخاذ خطوة تصعيدية جديدة محتملة، عقب خروج المئات منهم في ساحة التحرير، تزامناً مع عقد البرلمان جلسة منح الثقة مجددا لرئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، أواخر الأسبوع الماضي، يرافقها استعراض عسكري لـ«سرايا السلام» الجناح العسكري للتيار الصدري، في مدينة البصرة الجنوبية.

وشهدت مدينة الناصرية، مركز محافظة ذي قار ليلة الجمعة/السبت، خروج «سرايا السلام» الجناح العسكري للتيار الصدري، في استعراض مسلّح، وذلك قبل يوم واحد من استعراض مماثل في مدينة البصرة.

وتُنّذر هذه الأحداث التصعيدية المتلاحقة، بتحوّل الاحتجاجات في الأيام المقبلة إلى اعتصامات قد تعيد مشهد اقتحام «المنطقة الخضراء» قبل أسابيع.

ويقول الكاتب والمحلل السياسي العراقي، علي البيدر في حديث لـ«القدس العربي» إن «التيار الصدري وزعيمه يدركان تماماً إنهما لا يمتلكان أيّة إمكانية لممارسة العمل السياسي سوى عبر الاحتجاجات، لذلك إن الاحتجاجات ستكون النتيجة الحتمية واقع حال المشهد المقبل».

ووفقاً للبيدر فإن «مواقف التيار الصدري تتماهى مع دعوات ورغبات المحتجين (التشرينيين)» مرجّحاً «انصهار التيار الصدري مع بقية الحركات الاحتجاجية، من خلال تأمين الصدر الدعم والحماية للمتظاهرين، الأمر الذي يؤدي إلى ذهاب الأوضاع باتجاه التصعيد».

وبشأن الفرص المتاحة لتجّنب التصعيد، أشار البيدر إلى إن ذلك متوقف على «إجراءات الحكومة العراقية».

وتحظى الاحتجاجات في العراق بدعم «ديني شيعي» يضاف إلى تبنّي القوى السياسية المدنية لمطالب المحتجين.

إذ عبّرت المؤسسة الدينية التابعة لرجل الدين الشيعي الراحل، محمد الخالصي، في الكاظمية ببغداد، عن تأييدها للحراك الاحتجاجي ضد ما وصفته «مهزلة العملية السياسية».

وذكر عضو الهيئة العلمية في المدرسة، علي الجبوري في بيان صحافي وجّهه إلى العراقيين، إنه «لم يعد السكوت على ما يجري من مهزلة ما يسمى بالعملية السياسة حلاً لتجاوز الأزمة التي خلّفها الفشل المتكرر فيها والفساد الذي أزكم الأنوف وضيّع الثروة وأفقد الدولة هيبتها وسيادتها» مبيناً إن «حجم المأساة كبير، وضياع الحقوق للوطن والمواطن بات واضحاً وبيناً».

وأكد إن «الواجب الشرعي- قبل كل شيء- والوطني يدعونا جميعاً إلى ان نتحرك من أجل استعادة الوطن واسترجاع الحقوق، خصوصاً بعد أن عاد الفاسدون من جديد ليتسلّطوا على رقابنا، وقد أوغلوا في خراب الوطن ونهب ثرواته، ولعل آخر هذه المهازل ما جرى من إعادة انتخاب رئيس البرلمان الذي جاء بالتزوير العلني والذي أدانته كل القوى السياسية بما فيهم من أعادوا انتخابه اليوم وهم الذين قد نعتوه بالأمس بأقبح الصفات والنعوت السيئة».

ورأى إن «العراق اليوم يستصرخكم لكي تتحركوا بلا تردد أو خوف في مشروع وطني خالص بعيد عن الاملاءات الخارجية وتوجيهات السفارات الأجنبية المعادية للعراق وأهله، من أجل استعادة وبناء هذا الوطن من جديد، وإعادة الهيبة والسيادة والاستقلال الحقيقي إليه، بعد أن اختطف من قبل الفاسدين والسارقين والخائنين، على أن يكون هذا التحرك من خلال هيئة وطنية مستقلة يقودها المخلصون من أبناء العراق، ويجتمع تحت رايتها كل من يريد الخير لهذا الوطن من الشرفاء الذين لم تتلطخ أيديهم بدماء العراقيين قبل الاحتلال وبعده، وهي على خط مقررات شعبنا في الجهاد وثورة العشرين في الاستقلال الناجز والتزام الحكم بمقررات المجلس النيابي المنتخب بنزاهة والممثل للشعب بصدق ويقين، وان نتوكل على الله بصدق نحو هذا الهدف العظيم، فلا خير في عمل لا يتوكل فيه الإنسان على ربه».

وأكد الجبوري تأييد وتبنّي «كل حراك جماهيري وطني يرفع صوته رافضاً العملية السياسية الاحتلالية وبكل افرازاتها الفاسدة والسائرين في ركابها» ومطالباً «بمشروع وطني عراقي بديل خارج المنظومة الحاكمة التي فرضها المحتل على شعبنا من خلال العملية السياسية».

وشدد أيضاً على ضرورة أن «يكون هذا الحراك المستقل عاملاً ضمن برنامج عملي يتجنب الفوضى والعنف وتعطيل الأعمال والأسواق والمدارس والتصعيد غير المبرر؛ كاقتحام بعض الدوائر المشبوهة والمعطلة بالأصل، والمناطق الفاسدة والمعزولة؛ ضمن توجيهات الهيئة الوطنية المستقلة؛ التي يجب ان تتبنى وتتحمل كل إرهاصات المرحلة الانتقالية الدقيقة؛ ليكون هو المخرج من هذه المأساة والمحنة التي سببتها العملية السياسية الاحتلالية».

ويتفق العراقيون على النتائج الوخيمة التي خلفها نظام «المحاصصة» المُعتمد في تشكيل الحكومات المتعاقبة منذ 2003 وارتباطه بشكلٍ وثيق بالفساد المستشري في أغلب مفاصل الدولة العراقية.

والأسبوع الماضي، أصدرت «قوى التغيير الديمقراطية» بياناً في خضم التطورات المتسارعة التي يشهدها الشارع العراقي، مؤكدة ضرورة الحفاظ على أمن المتظاهرين.

وذكرت أنه «لا حل للأزمات بالإصرار على المحاصصة، حيث أوشك عام أن ينتهي على انتخابات (تشرين 2021) وما تزال البلاد تعيش حالة انسداد سياسي، يكاد يعطل جميع جوانب الحياة، والبارحة، انعقد مجلس النواب، الفاقد للشرعية السياسية والشعبية، بسبب عجزه عن إيجاد الحلول ووضع مسار حقيقي للتغيير يعالج فشل وفساد الحكومات التوافقية المتعاقبة والذي ترتب عليه حالة من الفوضى وانعدام الثقة ما بين المواطن والقوى السياسية الماسكة بزمام السلطة. انعقد المجلس ليبدأ فصل جديد من المحاصصة المقيتة، بإصرار سياسي على منهج مدمر، بدلا من العمل على وضع حلول جذرية لمعالجة الأزمات العميقة».

وأضاف البيان أنه «وترتب على عقد الجلسة تداعيات خطيرة، كادت أن تطيح بالسلم الأهلي، وإجراءات أمنية متشددة عطلت حياة الناس ومصالحهم، كذلك رافقها اعتداء إيراني سافر على مدن آمنة في إقليم كردستان أوقع شهداء وجرحى من المواطنين الأبرياء، في ظل غياب قرار حكومي رادع لتلك الانتهاكات المتكررة للسيادة الوطنية من جيران العراق بمختلف الذرائع».

ووفقاً للبيان فإن «قوى التغيير الديمقراطية، إذ تؤكد أهمية ضمان السلم الأهلي وحفظ الدم العراقي، فأنها تدعو مجدداً إلى ضرورة وجود مسار واضح للتغيير السلمي يتضمن حل مجلس النواب، والدعوة إلى انتخابات مبكرة، وفق اشتراطات النزاهة والتمثيل العادل، كذلك تفسير سليم للنصوص الدستورية، مع التأكيد على محاسبة الفاسدين وقتلة المتظاهرين وتطبيق قانون الأحزاب وحصر السلاح بيد الدولة».

كما شدد على «حق التظاهر السلمي الذي يكفله الدستور العراقي، وندعو أحبتنا وأخوتنا من المتظاهرين في الذكرى الثالثة لانطلاق حراك تشرين إلى الحيطة والحذر من محاولات جر الاحتجاجات إلى مناطق العنف وتحريف المطالب الحقة».

كما أكد البيان إن قوى التغيير الديمقراطي «ستبقى على عهدها بالمطالبة والعمل من أجل تحقيق التغيير الشامل المنشود، فمعركة التغيير الديمقراطي السلمي، انطلقت ولن تتوقف إلا بتحقيق كامل الأهداف».

وعقب تجديد الثقة برئيس البرلمان، محمد الحلبوسي، تستعد قوى «الإطار التنسيقي» وبقية الأحزاب السياسية- باستثناء التيار الصدري- للمضي في استكمال إجراءات اختيار رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، وتأليف كابينته الحكومية.

وعلّق البيدر على مساعي «الإطار التنسيقي» الشيعي، وبقية الأحزاب السياسية، المضي في استكمال إجراءات تشكيل الحكومة، عبر تحالف مشترك أطلق عليه اسم «إدارة الدولة» قائلاً: «حسبما قالوا إن سفينة الدولة أبحرت، لكن هذه الحكومة ستكون قلقة ولن تستمر طويلاً بسبب فقدان الثقة بين أطرافها أو نتيجة التحركات الخارجية».

ورأى إن «الواقع يشير إلى إن هذه الحكومة لن تتمكن من المضي في دورة انتخابية كاملة (4 سنوات) مثلما تريد قوى الإطار التنسيقي» مرجّحا «العودة إلى المربع الأول بإجراء انتخابات مبكرة، والتي قد تؤدي إلى نتائج مشابهة لانتخابات (2021)».

ووفقاً للبيدر فإن «المنظومة السياسية العراقية لا تريد الوصول إلى نتائج إصلاحية، كون هذا الأمر يضرّ بمصالحها، لذلك هي تحاول المناورة من خلال الخروج من أزمة والدخول بأخرى، لإعادة تدوير نفسها».

المصدر: «القدس العربي»

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى