أمام “العجز” عن وقف تدفق المخدرات إلى أراضيه، والخوف من تنامي دور الميليشيات المدعومة من الحرس الثوري الإيراني عند حدوده الشمالية، يسعى الأردن إلى البحث عن حلول بدعم عربي، مراهناً هذه المرة على ردود الفعل الأميركية الخافتة تجاه التطبيع مع النظام السوري، وكذلك على عدم ارتياح بعض الدول العربية من مخطط التقارب التركي مع النظام السوري.
طبيعة المبادرة
ومع اتخاذ الاختراقات التي تُسجل على الحدود أبعاداً تنذر بالأسوأ، أي تسجيل أكثر من حالة تهريب سلاح إلى جانب شحنات المخدرات (الكبتاغون)، أعلن وزير الخارجية الأردنية أيمن الصفدي أن بلاده تحشد دعماً من أجل عملية السلام التي تقودها بعض الدول العربية في سوريا، مضيفاً أن “عمّان تحشد الدعم الإقليمي والدولي لعملية سياسية، يقودها العرب لإنهاء الحرب في سوريا”.
وحسب الصفدي فإن العملية تستند إلى القرارات الأممية، معتبراً أنه بالإمكان التغلب على العقبات التي تفرضها العقوبات الأميركية على المتعاملين مع النظام السوري، قائلاً: “أستطيع أن أقول بأمان أن الجميع يريد أن يرى نهاية لهذه الأزمة، والجميع منفتح على أي آلية يمكنها إنهاء هذه الأزمة”.
إشراط طهران
وفي حين لم يكشف الوزير الأردني عن تفاصيل المبادرة الجديدة، التي ستشمل السعودية ودولاً أخرى، أبلغت مصادر “المدن” أن الجديد في هذه المبادرة هو دخول إيران المتهم الرئيسي بالوقوف خلف كل ما يجري في الجنوب السوري، على خط التفاوض.
وهو ما يؤكد عليه الباحث الأردني الدكتور كمال الزغول، الذي يرى أن ما يميز هذه المبادرة، رغم غياب التفاصيل الدقيقة عنها، إشراك طهران في المفاوضات حول الجنوب السوري مقابل تسوية سلمية على أساس القرارات الأممية.
ويضيف ل”المدن”، أن نجاح المبادرة التي لا زالت في طور الفكرة والتي تحتاج خطوات كثيرة للاجتماع حولها، يعتمد على حجم التنازلات من قبل إيران في الجنوب السوري، مبيناً أن “الأردن يضغط على ايران لتخفيف عملها في الجنوب بهدف التهدئة”، وأنه “ملتزم بقرارات الامم المتحدة الانسانية والسياسية، كون المرحلة الحالية هي مرحلة تهدئة تخدم جميع الأطراف”.
ويبدو أن المبادرة الجديدة جاءت بعد قناعة سادت لدى كل الأطراف الإقليمية والدولية باستحالة فصل النظام السوري عن إيران ولو جزئياً، وبعد التلويح باحتمال تشكيل مظلة دولية لمكافحة المخدرات، على غرار “التحالف الدولي” الذي شكل لمحاربة تنظيم داعش في أيلول/سبتمبر 2014.
أدوات خشنة
وفي هذا الاتجاه، يرى الكاتب والمحلل السياسي درويش خليفة أن الأردن يسعى سواء بأدوات خشنة من خلال الاستعانة بقوات عربية أو طلب المساعدة من القاعدة الأميركية، أو بأدوات ناعمة (المبادرة الجديدة) إلى فرض التهدئة في الجنوب السوري.
ويقلل في حديثه ل”المدن”، من حظوظ المبادرة، مرجعاً ذلك إلى عدم اهتمام الأطراف الفاعلة في الساحة السورية بالحالة السائدة في الجنوب السوري، مثل تركيا وروسيا وإسرائيل. ويقول إن تلك الأطراف ليست متأثرة من تهريب المخدرات لكنها تشترك مع الاستخبارات الأردنية في غرفة عمليات واحدة، تقدم من خلالها بعض المساعدات في مكافحة التهريب وتوفير معلومات عن العاملين على التهريب سواء من المدنيين المجندين لصالح “حزب الله” اللبناني أو “الفرقة الرابعة”.
وبالعموم، قد تلقى المبادرة استجابة عربية، لكن ذلك لا يعني أن نصيبها سيكون أكبر من كل المبادرات العربية السابقة.
ويؤيد ذلك، الكاتب والباحث السوري جمال الشوفي الذي يجزم بفشلها بالرغم من الاحتمال الكبير لاستجابة النظام السوري لها. ويقول ل”المدن”: “أي مبادرة ما لم تطرح جدية التغيير السياسي في سوريا فعلياً وفق القرار 2254 ستتلقفها السلطة السورية وتوافق عليها شرط فرض سلطتها، لكن الأردن سيجد نفسه غير قادر على التأثير في شيء”.
وكان الوزير الصفدي قد تحدث عن تسليم المساعدات الإنسانية إلى السوريين، قائلاً: “إننا نريد أن نرى كيف يمكننا تحقيق تسريع في مشاريع التعافي المبكر وفق القرار 2642″، وذلك بهدف تشجيع النظام السوري على التجاوب مع المبادرة”.
وفي رأي الشوفي، يسهم الحديث عن “التعافي المبكر” في تكريس الواقع السوري الحالي، إلى حين تمكن روسيا من فرض حلولها السياسية هي في المعادلة السورية، وهو أمر مستبعد.
ويضيف أن مبادرة التعافي المبكر تبدو ذات وجه إنساني ببعد اقتصادي غرضه المواطن السوري الذي بات دون خط الفقر بنسبة تفوق ال90 في المئة، لكنها تتغاضي عن ضرورة التغيير السياسي كمقدمة لأي حل للواقع السوري.
ويقول الشوفي إن خاصية المنطقة الجنوبية ليست واضحة المعالم كشمال شرق وشمال غرب سوريا، فهي وإن كانت تحت سيطرة النظام لكنها متمردة عليها وغير مستقرة لأي وصاية بعد، والمنطقة الجنوبية لم تدخل باستثناء من عقوبات “قيصر” وواقعها بجوار الاردن وعدم وضوح قوى السيطرة عليها خاصة بعد انسحاب روسيا الجزئي منها منذ الحرب الأوكرانية، جعلها ممراً لتهريب المخدرات مع خشية أردنية بوقوعها تحت سيطرة الميليشيات الإيرانية.
المصدر: المدن