من طاجيكستان وقيرغيستان إلى أرمينيا..النفوذ الروسي في خطر

دعا رئيس قرغيزستان صدر جباروف الاثنين، شعبه إلى الوحدة وقال إن جيشه قادر على صد أي غزو بعد اشتباكات حدودية مع طاجيكستان خلفت قرابة 100 قتيل. وجاء خطاب جباروف في خطاب للأمة خلال يوم حداد وطني.

ويوضح هذا النداء التخوف من الاضطرابات الداخلية في البلد غير المستقر في آسيا الوسطى والذي شهد ثلاث ثورات منذ عام 2005 كان آخرها عام 2020.

واندلعت اشتباكات بالأسلحة الثقيلة الأربعاء على الحدود بين قرغيزستان وطاجيكستان اللتين تقوّضت علاقاتهما بسبب النزاعات الإقليمية المرتبطة خصوصاً بالوصول إلى الموارد المائية.

وقالت السلطات في البلدين ، إن 94 شخصاً على الأقل قتلوا في التصعيد الأخير، كما أعلنت قرغيزستان الاثنين يوم حداد وطني.

وقال جباروف في خطابه للأمة الاثنين: “نواصل بذل الجهود لتسوية النزاعات على الحدود بين قرغيزستان وطاجيكستان بالوسائل السلمية فقط”.

وأردف الرئيس القرغيزي: “نطلب من شعبنا التزام الهدوء ودعم مبادرات السلطات والقوات المسلحة من خلال وحدتهم”. وأكد أن الدولة لديها أموال كافية لدفع رواتب العسكريين وتزويدهم المعدات اللازمة وكذلك لتمويل إعادة إعمار المنازل التي دمرت في الاشتباكات.

صراع تاريخي

والاشتباك الحدودي الأخير بين طاجيكستان وقرغيزستان ليس الأول من نوعه، ويبدو أنه لن يكون الأخير، طالما بقيت الحدود الطويلة بينهما غير مرسومة بصيغة مرضية ومقبولة من الدولتين الجارتين، اللتين ورثتا تلك المشاكل الحدودية عن الاتحاد السوفياتي السابق منذ استقلالهما عنه مطلع تسعينيات القرن الماضي.

وتنبع قضايا الحدود في آسيا الوسطى من الحقبة السوفياتية عندما حاولت موسكو تقسيم المنطقة بين مجموعات عرقية كانت مستوطناتهم تقع غالباً وسط تلك التي تنتمي إلى أعراق أخرى. وخلال فترة الاتحاد السوفياتي، تم ترسيم حدود دول آسيا الوسطى بشكل مصطنع، في عشرينيات القرن الماضي في ظل حكم الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين، مما أدى إلى صراعات مختلفة بين تلك الدول التي نالت استقلالها عام 1991، ومن بينها قرغيزستان وطاجيكستان.

وقد وقعت اشتباكات حول الوصول إلى الموارد واستخدامها بين المجتمعات الحدودية القرغيزية والطاجيكية في الأعوام 2004 و2005 و2008 و2011 و2014 و2015. وخلال هذه السنوات، أبلغت وسائل الإعلام المحلية عن أكثر من 70 حادثة في المناطق الحدودية.

غموض روسي

وتتعدد التفسيرات لطبيعة الموقف الروسي من النزاع الحدودي بين طاجيكستان وقرغيزستان الذي يراه البعض موقفاً غامضاً، متردداً، معتبراً أن الدور الذي قامت به “منظمة معاهدة الأمن الجماعي” وغيرها من المؤسسات الإقليمية المتعددة الجنسيات التي تهيمن عليها موسكو “ضئيلاً في إدارة هذه الأزمات”.

وبينما يرى آخرون أن موسكو تتلاعب وتستغل التوترات بين جيرانها لكسب مزيد من النفوذ، حيث يتنافس المتصارعون لكسب تأييد موسكو، فإن هناك من يرى أن الحسابات الروسية باتت أمراً مشكوكاً فيه خصوصاً مع بوادر ظهور طامحين لمنافستها على تلك الساحة في ظل انشغالها بحربها في أوكرانيا.

نفوذ منحسر

فعندما شن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين غزوه لأوكرانيا، كان يأمل في استعادة أيام مجد الاتحاد السوفيتي في الخمسينيات، عندما كان في ذروة قوته. وبدلاً من ذلك، دخل في حالة من الفوضى على نطاق لم نشهده منذ انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991 بحسب صحيفة “بوليتيكو”.

وتقول الصحيفة في تقرير، إنه في جميع أنحاء النفوذ الروسي، من أوروبا الشرقية إلى القوقاز وآسيا الوسطى، فإن الأجزاء السابقة من إمبراطورية موسكو التي كانت واسعة النطاق في يوم من الأيام، أصبحت اليوم في حالة تمرد صريح أو تُترك لتدافع عن نفسها بينما يركز الكرملين على حربه الكارثية المتزايدة.

فخسارة موسكو لنفوذها بين رعاياها السابقين، ينتج عنه اندلاع صراعات جديدة وتشكل تحالفات وتفتح خلافات قديمة.

طاجيكستان وقرغيزستان

ومع اندلاع الصراع بين طاجيكستان وقرغيزستان، أعربت وزارة الخارجية الروسية عن “استعدادها لمساعدة الأطراف في التوصل إلى حل طويل الأمد ومقبول للطرفين لقضايا الحدود” وعرضت مشاركة “تجربتها الثرية في ترسيم الحدود”. ومع ذلك، بحسب الصحيفة، فإن القوة العسكرية الروسية في المنطقة آخذة في التآكل. وذكرت وسائل إعلام أن روسيا سحبت 1500 جندي من قواعدها في طاجيكستان.

أرمينيا وأذربيجان

وفي مكان ليس ببعيد دخل اتفاق لوقف إطلاق النار حيز التنفيذ عام 2020 بين أرمينيا وأذربيجان بوساطة روسية، بعد حرب اندلعت بين البلدين على خلفية النزاع على إقليم ناغورنو كاراباخ، وانتشرت القوات الروسية في المنطقة المتنازع عليها، ومع ذلك، تشير الصحيفة نقلاً عن تقارير، إلى أن الكرملين قد سحب أفضل جنوده وأكثرهم خبرة لإرسالهم إلى أوكرانيا، وفي الأسابيع الأخيرة، تجاوزت القوات الأذربيجانية خط التماس واستولت على سلسلة من الارتفاعات الاستراتيجية، مع عدم رغبة الروس أو عدم قدرتهم على إعادتهم الى الخلف.

كازاخستان

وخلال ظهور بوتين إلى جانب الرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف في منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي في حزيران/يونيو، تلقى الرئيس الروسي انتقادات غير متوقعة بعد أن أعلن أن الحرب في أوكرانيا كانت ضرورية لحماية إدارتين تدعمهما موسكو في دونباس. أجاب توكاييف أن كازاخستان لا تعترف ب”أقاليم شبه الدولة التي، في نظرنا، هي ما تشكله لوغانسك ودونيتسك”.

كما تلتزم كازاخستان رسمياً بالعقوبات الغربية ضد روسيا، وفي وقت سابق من شهر آب/أغسطس، نشر الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف على وسائل التواصل الاجتماعي، أن “كازاخستان دولة مصطنعة” ، مضيفاً أن “أراضيها البرية” كانت في الأصل مستعمرة من قبل الروس، ليتم حذف المنشور لاحقاً وقال مدفيديف إن حسابه تعرض للإختراق.

نفوذ صيني

وأظهرت قمة منظمة شنغهاي للتعاون التي عقدت في أوزبكستان أخيراً حجم التحول في السلطة حيث التقى بوتين في سمرقند بالرئيس الصيني شي جين بينغ واعترف بأن لدى نظيره الصيني “أسئلة” و “مخاوف” بشأن الحرب في أوكرانيا.

وأصدر شي خلال القمة بياناً مصاغاً بعناية قال فيه: “في مواجهة عالم متغير وأزمنة متغيرة وتغيرات تاريخية، فإن الصين جاهزة للعمل مع روسيا لإظهار مسؤوليات القوى الكبرى، لغرس الاستقرار والطاقة الإيجابية في عالم تسوده الفوضى”. وهذا بعيد كل البعد عن شراكة “بلا حدود” أعلن عنها الثنائي قبل الغزو الروسي لأوكرانيا.

كما قال شي إن الصين “ستدعم كازاخستان بحزم في الدفاع عن استقلالها وسيادتها وسلامة أراضيها”. فيما يبدو أن الصراع الجيوسياسي بين الصين وروسيا في آسيا لا يميل لصالح الأخيرة.

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى