المختفون قسرياً: مصير مجهول وشهادات صادمة

سونيا العلي

الصراع في سورية تسبب في كثير من المآسي للشعب السوري على يد النظام المستبد قتلاً ودماراً وتشريداً، ولكن الأصعب من ذلك كله هو سلب الحرية التي تعد أغلى ما يملكه الإنسان، حيث أن عناصر النظام والموالون له يمارسون الإخفاء القسري الذي يعد أحد أقسى أشكال انتهاكات حقوق الإنسان وأكثرها لا إنسانية، فهم يرفضون الاعتراف بحرمان الشخص من حريته، ويخفون مصيره ومكان وجوده مما يحرمه من حماية القانون، أما في محافظة إدلب فقد اتخذه النظام السوري أداة لسحق المعارضة ونوع من الانتقام من الأهالي، بالإضافة إلى الرغبة بالحصول على المال، مستغلين بذلك أن سكان المحافظة يضطرون للسفر أحياناً إلى بقية المحافظات، والمرور بحواجز نظام الأسد، فيختفي بعضهم أثناء الطريق وتنقطع أخباره عن أهله وذويه، إلى حين تدخل الوسطاء لدفع المال واسترجاع المختفي، مستغلاً النظام في ذلك الرغبة العارمة لدى أسر المفقودين لمعرفة مصير ولدهم وإنقاذه وتخليصه، وتضطر بعض الأسر الفقيرة لاستدانة مبالغ كبيرة أو بيع ممتلكاتها من أجل ذلك، فيما يقع الكثيرون ضحية الابتزاز المادي، وعمليات النصب والاحتيال .

أحمد السلامة (45عاماً) من مدينة جرجناز بريف إدلب والد الشاب الجامعي “محمد”  الذي تم خطفه من سكنه الجامعي في ظروف غامضة، وعن ذلك يقول: “حاولت كثيراً معرفة مكان ولدي وأنفقت أموالاً كثيرةً لمعرفة أي معلومات عنه، وما إذا كان على قيد الحياة أم لا ولكن دون جدوى، كما تلقيت وعوداً كثيرة لإخراجه من السجن أو حتى سماع صوته، ولكنني اكتشفت بعد ذلك أنه نوع من الحيلة والخداع لابتزازي مالياً، وأنا أتجرع مرارة الإنتظار بكثير من اليأس للحصول على خبر يثلج صدري ويريح نفسي . “

ويكون مصير عدد كبير من المعتقلين الموت لأنهم يعيشون في ظروف قاسية وغير إنسانية، حيث يتم وضعهم في غرف صغيرة ومكتظة، فتتفشى بينهم الأمراض دون الحصول على العلاج، ويتعرضون لكل أنواع التعذيب، ومن يخالفه الحظ ويخرج من ظلام سجنه، تلاحقه لعنة الأمراض الجسدية والنفسية فيما تبقى له من حياة.

كمال جعفر ( 37 عاماً)من مدينة معرة النعمان، أحد ضحايا الإخفاء القسري، وكتبت له النجاة عام 2018،  يتحدث بحزن عن فظاعة ما مر به وما شاهده داخل المعتقل قائلاً: “تم اعتقالي أثناء سفري إلى مدينة حماة، ،وأودعت في زنزانة صغيرة برفقة خمسين آخرين وكنا نعاقب دائماً عن طريق الضرب بالعصي والقضبان المعدنية، فضلاً عن الشبح والتعليق في الهواء والصدمات الكهربائية.” مؤكداً أن الكثيرين فارقوا الحياة أثناء التعذيب أو نتيجة الأوضاع المزرية وهناك من أصيب بالهستريا جراء الضرب رؤوسهم بالعصي .”

ويؤكد جعفر بأن حرمان الإنسان من رؤية ضوء النهار ونور الشمس بشكل مستمر وطيلة سنوات من أصعب ما يعاقب به الإنسان على الإطلاق، وبأنه ورفاقه كانوا يتمنون الموت في مواقف كثيرة.

وذكرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير لها أن ضحايا الاختفاء القسري في سورية في ازدياد مستمر، وهناك قرابة 111 ألف مواطن مختفٍ قسرياً منذ مارس/آذار 2011، غالبيتهم العظمى لدى النظام السوري.

ويتم اعتقال الكثير من المدنيين لمجرد أنهم على قرابة بشخص مطلوب من قبل النظام السوري، وهو ما حصل مع الضابط المنشق عن صفوف النظام فواز السليم (41عاماً) من مدينة إدلب، حيث تم اعتقال أخيه على الحدود السورية اللبنانية، وعن ذلك يقول: “أعلنت انشقاقي عن النظام عام 2015، لما رأيت من ممارسات النظام الوحشية في وجه شعبه، وبعد حوالي سنة تم اعتقال أخي أثناء عودته من لبنان إلى سورية، وأنا أتعذب كثيراً من أجله وأجهل المصير الذي آل إليه، وأكثر ما يؤلمني أنني أنعم بالحرية ليدفع أخي ثمن حريتي، وأتمنى أن أسلم نفسي للنظام من أجل تخليصه من ذنب لم يقترفه ولكنني لا أعلم إن كان حياً أم ميتاً، ولا أضمن إطلاق سراحه إن فعلت، كم أتمنى أن أطلب منه أن يسامحني، وأبثه معاناتي وآلامي لما حل به.”ويندد السليم بكل من يدعم النظام السوري في ممارساته ضد الأبرياء والمدنيين، ويطلب من جميع عناصر الجيش الانشقاق عنه.

أما اعتقال النساء فله وقع مؤلم عند العائلات السورية التي تعده مصاباً جللاً وفضيحة أصعب من الموت، لأن الجميع يعلم الاستغلال الجنسي الذي قد تتعرض له النساء من السجانين القذرين الذين تجردوا من صفة الإنسانية وتحولوا إلى وحوش لا ترحم، وهذا ما قالته والدة إحدى المعتقلات وهي طالبة جامعية تم إعتقالها على أحد الحواجز الأسدية :”أحب ابنتي كثيراً ولكنني أتمنى لها الموت فأعلم أنها ذهبت إلى رحمة ربها بدلاً من التفكير الدائم المتواصل والأفكار السوداء التي تراودنا بعد أن وقعت في أيدي ظلام لا يرحمون ولا يحسبون للأعراض والحرمات حساباً .”

وعلى الرغم مما يلاقيه المختفون قسرياً من تعذيب وذل وإهانة لم تكن هذه القضية مبعث اهتمام من المجتمع الدولي الذي لم يحرك ساكناً، ولم يكترث لأحوال مئات الآلاف من الأمهات والآباء الذين فقدوا أولادهم، دون أن يعلموا إن كانوا في عداد الأموات أو الأحياء.

بالرغم من كل المصاعب التي يمر بها أبناء الشعب السوري ورغم قساوة ومرارة الواقع المعاش يظل المحتجزون وراء القضبان الحديدية هم الأكثر ضرراً في حكايات واقعية تقشعر لها الأبدان، وتضطرب لسماعها النفوس لأن مصيرهم يكتنفه الغموض ويعيش ذووهم ما بين الخوف والرجاء، والأمل واليأس، لذلك كان المعتقلون والمختفون قسرياً هم الشهداء الأحياء والضحايا الأكبر في ثورة الحرية والكرامة.

المصدر: اشراق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى