سورية وحماس .. أي مقاربة لأيّ علاقة؟

أحمد بسيوني

سعت عدّة أنظمة عربيّة نحو “تطبيع” العلاقات مع النظام السّوري، بالرّغم من دمويّة النّظام وجيشه في قمع الشعب السّوري وتهجيره من بلاده، وعلت أصوات السوريين لخطورة هذه الخطوة، لانعدام حل سياسي واضح من المجتمع الدّولي فيما يخصّ الأسد، وبالرّغم من العقوبات الدوليّة على النّظام السّوري، إلّا أنّ مشهد التطبيع مع نظام الأسد، والذي بدأ عام 2018 بإعادة افتتاح سفارة الإمارات في دمشق، لفت أنظار الجميع، وبدأ الكل يتساءل عن أهميّة هذه الخطوة، في سحب بقيّة الدول العربيّة صوب إعادة العلاقة، إلّا أنّ الحدث الذي كان بمثابة صدمة دراماتيكيّة مُتوقّعة، هو الأخبار، بحسب “رويترز”، التي تداولت في طيّاتها عن عودة العلاقات بين حركة المقاومة الإسلاميّة (حماس) والنّظام السّوري[1]، بالرّغم من انقطاعها عام 2012، عندما طالبت حركة حماس النظام السوري بوقف المجازر التي يرتكبها بحق الشعب السوري، إلّا أنّ النظام استمرّ في عنفهِ غير المبرّر، ووجّه رسالة طرد للحركة، من خلال إغلاق مكاتبها في العاصمة دمشق، بعد توجيه اتّهامات لها بمشاركتها في الثورة السوريّة، وانقطعت العلاقات نهائيًا في يناير/ كانون الثاني 2012[2]. وعليه، ستقدِّم هذه المطالعة مقاربة نظريّة تُعالج من خلالها العلاقات الخارجيّة للحركة المتجاوزة أيّ علاقات نظام – نظام، ونظام – حزب، هذا جلّه بسبب التحوّلات الوجوديّة التي مرّت بها “حماس” المسوّغة بأبعادٍ سياسيّة ليست كلّها عشوائيّة.

حماس وبناء العلاقات الخارجيّة

ركّزت حركة حماس على العلاقات الخارجيّة، نوعا من الحشد لدعم القضيّة الفلسطينيّة وتأييدها. وكان خطابها الموجّه مبنيًا على أساسٍ إيديولوجي، بحُكم العلاقة التاريخيّة والهويّة الإسلاميّة المشتركة بين الدول العربية والدول الإسلاميّة. في المقابل، لم تهتم حركة حماس في بداياتها بتبنّي خطابٍ سياسيّ، يصبو إلى إقامة علاقات سياسيّة على الصعيد الدّولي، حيث ركّزت الحركة على ثلاثة محاور رئيسيّة: القضيّة الفلسطينيّة، العمق العربيّ، والهوية الإسلاميّة. وارتكز حديث الحركة في المجال الدولي على الإدانات القويّة للأطراف الدوليّة، من خلال رفض سياسات القوى الدوليّة في دعمها إسرائيل بصورة مباشرة أو غير مباشرة. ولكنّ هذا الخطاب تغيّر عام 1992، عندما أعلنت حركة حماس إيمانها بأهميّة الحوار مع جميع الحكومات، بغضّ النظر عن عقيدتها أو جنسيّتها أو حتّى نظامها السياسي، لبحث سبل التعاون مع أي دولة، من أجل خدمة القضيّة الفلسطينيّة[3].

وانطلقت حركة حماس في بناء علاقاتها مع الدّول العربيّة من قناعتها بأنّ دولة الاحتلال تمثّل خطرًا على الأمّة العربيّة ككل. وبالنظر إلى ما تمثّله القضيّة الفلسطينيّة من بعدين، عقائدي وقومي، فإنّ دور الدول العربيّة مركزي وأساسي، خصوصا الدول التي تشترك حدوديًا مع فلسطين، وهي مصر والأردن وسورية، ولم تبدأ حركة حماس علاقتها من الصّفر، بل استفادت من تجارب قوى فلسطينيّة أخرى في علاقتها مع الدّول العربيّة، كحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، والجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين. ومن الأسباب التي جعلت “حماس” تركّز على الدائرة العربيّة محاولة دولة الاحتلال عزل الدول العربيّة عن الصّراع مع الفلسطينيين، وحصره من صراع عربي – إسرائيلي، إلى صراع فلسطيني – إسرائيلي.

ارتكزت محدّدات حركة حماس في تواصلها مع الدول العربيّة على الاتّصال بمختلف الدول، بغض النظر عن توجهاتها السياسيّة وانتمائها الإيديولوجي، ورفض التدخّل في الشؤون الداخليّة للأنظمة العربيّة، وعدم افتعال أزمات مع أيٍّ من الدّول العربيّة، وعدم نقل الاقتتال مع دولة الاحتلال من الساحة الفلسطينيّة إلى ساحة دولة عربيّة، كما حدث في بيروت عام 1982م[4]. أمّا الأهداف من هذه العلاقات فكانت متعلِّقة بتأكيد حضور حركة حماس على الساحة السياسيّة العربيّة، والانفتاح السياسي والإعلامي وتوفير فضاء جغرافي للتحرّكات السياسيّة، والحصول أيضًا على اعتراف الدول العربيّة بها[5]، بالإضافة إلى الحفاظ على استمراريّة الدعم، خصوصا الجانب المالي[6]، وأخيرًا الحصول على شرعيّة عربيّة[7]. أمّا على صعيد العقبات التي واجهت حركة حماس، في علاقاتها الخارجيّة، فكانت تتمثّل في إرث الإخوان المسلمين، وشرعيّة منظمة التحرير الفلسطينيّة ممثّلا وحيدا عن الشعب الفلسطيني، ومشاريع السّلام بين الدّول العربيّة ودولة الاحتلال الإسرائيليّ[8].

محددات السياسة الخارجية لـ”حماس”

هنالك ركائز تستند عليها حركة حماس في رسم علاقاتها مع مختلف دول الإقليم، بما يخدم مصلحتها الحركيّة أولا، ويعزِّز من وجودها على الصّعيد الفلسطيني كمعارضة سياسيّة، وأيضًا على الصّعيد الإقليمي، كحركة تحرير، وحزب يحظى بقاعدة انتخابيّة واسعة. تكمن هذه المحدّدات في أبعادها العسكريّة والدبلوماسية والاقتصاديّة، والتي جعلت “حماس” تتحرّك بسياسة خارجيّة هجينة، اتّسمت تجاه بعض الدّول العربيّة بالبعد الإيديولوجي، وهذا ما ظهر جليًا عندما عبّرت الحركة عن تنديدها بالانقلاب على الرئيس محمد مرسي في مصر. وبعد ذلك اتّسمت سياستها مع النظام المصري الحالي ببراغماتيّة تبحث مصلحتها حزبا يسأل شرعيّة وجودِه في غزّة. وأيضًا علاقتها مع الدّولة التركيّة ببعدين إيديولوجي وبراغماتي، الأوّل بصفة تركيا دولة إسلاميّة، ثانيًا بصفتها دولة ذات قوّة إقليميّة تجمعها علاقات مع إسرائيل.

بالإضافة إلى سعي “حماس” إلى الاتّصال والربط بمختلف الأطراف الإسلاميّة، بغضِّ النظر عن توجهها الفكري أو انتمائها السياسي أو الطائفي، وهذا ما شدّدت عليه في وثائقها التأسيسيّة عقب الانتفاضة الأولى عام 1988، ورأت الحركة نفسها أنّها في منأى عن التحالفات المتضادة بين الدّول العربيّة والإسلاميّة، إلّا أنّ لجوء دول عربيّة إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل أجبرها على تشكيل تحالفات إقليميّة مع دول متصارعة مع الدّول العربيّة، كتخلّي السعوديّة عن حركة حماس، بسبب علاقتها مع إيران، ولجوء “حماس” إلى إيران وتركيا.

على صعيد المجتمع الدّولي، اعتمدت حركة حماس على مجموعة من الضوابط السياسيّة، البعيدة عن الإيديولوجيا، وتستند على منظومة نضاليّة كحركة تحرّر شبيهة بمنظّمة التحرير، مبنية على سلامة المسار السياسي للحركة، واستمرار أدائها تجاه القضيّة الفلسطينيّة، ومتابعة كل التطوّرات الخارجيّة، وعدم التدخّل في الشؤون الداخليّة لدول الإقليم. وبالتّالي، تستند طبيعة العلاقات السياسيّة على مصالح الشعب الفلسطيني وخدمة قضيته، والتركيز على البعد الإنساني الذي يعزِّز من دعم المجتمع الدّولي للقضيّة الفلسطينيّة، ودعم مقاومته الشعبيّة، إلّا أنّ هذه العلاقات مهدّدة دائمًا، خصوصا وأنّ حركة حماس تجمعها علاقات مع محور المقاومة، كإيران المعزولة دوليًا، وسورية قبل انقطاعها، ومع قطر التي أثارت حفيظة السعودية والإمارات عام 2017، هذه العلاقات تتراوح ما بين الإيديولوجيا الإسلاميّة مع الدّول الإسلاميّة، والإيديولوجيا الوطنيّة/ القوميّة التي تجمعها مع الدّول العربيّة، وأيضًا البراغماتيّة في علاقتها مع دول أوروبيّة وأميركا الجنوبيّة.

خصوصيّة العلاقة بين حماس والنظام السوري

تتميّز العلاقة بين حركة حماس والجمهوريّة السوريّة بخصوصيّة، تجعلها تختلف عن علاقتها بالدّول العربيّة الأخرى، لأنّ الدولة السوريّة هي الوحيدة التي لم تعترف بدولة إسرائيل. وكانت تجمع حركة حماس والدولة السوريّة الرؤية المقاومة خيارا استراتيجيا، وأيضًا انفراد الدّولة السوريّة بالموقف القومي المناهض للسياسة الأميركيّة والصهيونيّة. وتعتبر جبهة المقاومة ودول الممانعة متمثِّلة في العراق، وسورية ولبنان بجانب فلسطين. إلّا أنّ هذه العلاقات كانت تحكمها إشكالات الامتداد والارتباط بين “حماس” والإخوان المسلمين، هذه الأخيرة التي خاضت صراعًا دمويًا مع النظام السوري بداية الثمانينيات[9].

بعد طرد “حماس” من الأردن، استقبلت سورية قيادتها، وفتحت مكتبًا تمثيليًا لها في دمشق، بالإضافة إلى الترحيب بفوزها في الانتخابات التشريعيّة، وتقديم دعم مالي للحكومة الفلسطينيّة في غزّة، وتسهيل حركة الفلسطينيين في سورية[10]، وتعرّضت سورية للهجوم الواسع من المجتمع الدّولي لإيواء حركة حماس، من ضمنها الضغوط الأميركيّة والأوروبيّة على سورية لإغلاق مكاتب “حماس”، بالإضافة إلى صدور قرارات دوليّة تطالب بمقاطعة سورية، لأنّها تهدد عمليّة السّلام في الشرق الأوسط، بصفتها حاضنة الحركات الإسلاميّة المسلّحة[11]. ومع ازدياد هذه التوتّرات والتهديدات، استمرّت العلاقة بين الطرفين مبنيّة على التفاهم والتعاون، وتبادل المصالح، إلّا أنّ الاختلافات أيضًا كانت موجودة ضمن هذه العلاقة، منها تعارض الرؤية التحرريّة لحركة حماس مع الرؤية الاستراتيجيّة السوريّة للسلام مع إسرائيل، وأيضًا اختلاف الرأي في الغزو الأميركي للعراق عام 2003، حيث كانت “حماس” ترفض التدخل الخارجي في المنطقة، وسورية كانت مع التدخّل لإسقاط صدام حسين[12].

بالرغم من متانة العلاقة بين حركة حماس والدّولة السوريّة، إلّا أنّها وصلت إلى منعطف طرق، بعد اندلاع الثورة السوريّة في مارس/آذار 2011، ودعم حركة حماس حقّ الشعوب السوري في التعبير عن إرادته، وإنشاء نظام سياسي يمثّله، إثر ذلك، توتّرت علاقة حماس بإيران وحزب الله، كوْنهما من أكبر الداعمين للنظام السوري. وبعد خمس سنوات من التقاطع، وبالتحديد بعد تعديل “حماس” ميثاقها عام 2017، وتنصّل “حماس” من جماعة الإخوان المسلمين، وقوْلها إنها تطمح إلى إعادة بناء العلاقات مع العالم واستكمالها، من أجلِ تطوير الحركة. تحسّنت العلاقات مع إيران، وحزب الله، حيث وصفت إصلاح العلاقات هاته بالمغازلة مع النظام السوري[13]، لكن ليس بناءً على أيديولوجيّة إسلاميّة، وإنّما على وجود مصلحة مشتركة، وكوْن حركة حماس جزءا من محور الممانعة.

خاتمة

أخذت حركة حماس على عاتقها بناء علاقات واسعة، اعتمدت فيه على البعد الإيديولوجيّ مع بعض الدّول، وعلى البعد البراغماتيّ مع دولٍ أخرى، من أجلِ مواكبة التطوّرات السياسيّة، خصوصا بعد ثورات الربيع العربي. لربّما من الصّعب جدًا أن الحديث عن سياسة خارجيّة للحركة، ووصفها بالبراغماتيّة، لأنّنا بحاجة إلى دولة وخطاب سياسي حقيقي يجمع الرؤية الوطنيّة فوق أيِّ اعتباراتٍ أخرى، إلّا أنّ علاقة “حماس” مع الدّول والأنظمة، لربما لامست طرف الخيط في السياسة الخارجيّة، واعتمدت على محدّداتٍ واضحة في إثبات وجودها، كما فعلت منظّمة التحرير بعد حرب بيروت عام 1982.

وركّزت “حماس” في بناء علاقاتها الخارجيّة على ثلاثة أبعاد: الأول، كان عسكريا بامتياز، وجمعها مع “محور الممانعة”، وتوصيل العتاد العسكري إلى قطاع غزّة[14]. الثاني، كان ماليًا، حيث كانت تبحث تمويلها من أجلِ تعزيز وجودِها، وزيادة قدراتها والمؤسّساتيّة. وهنا تبرز العلاقة التي جمعتها مع قطر وتركيا. وظهر هذا جليًا عبر الدعم الاقتصادي الذي قُدِّم للحركة بعد حرب عام 2014، واستمرار زيارات وزير رئيس اللجنة القطرية لإعادة إعمار غزة، محمد العمادي، قطاع غزّة، وتقديمه الدعم المالي بقيمة 40 مليون دولار شهريًا لحكومة حماس[15]. وأخيرًا البعد الدبلوماسي، ولا يقل أهمية عن البعدين العسكري والاقتصادي، خصوصا وأنّ العلاقة التي تحتوي حركة حماس مع الدّولة المصريّة، وبالتّحديد تدخّل الأخيرة بقوّة في فرض حل نهائي للانقسام الفلسطيني، وأيضًا المطالبة بإجراء انتخابات فلسطينية برلمانيّة ورئاسيّة، يوضِّح مدى تمسّك حركة حماس بوجود جمهوريّة مصر العربيّة[16]، حاضنة كانت وما زالت، واعترفت أيضًا بمعارضة الحركة للسلطة الفلسطينيّة. تحتِّم علينا هذه الأبعاد الثلاثة السابقة، قراءة حركات الإسلام السياسيّ من منظور السياسة الخارجيّة، خصوصا أنّها أثّرت وما زالت تؤثِّر على علاقات الدّول بعضها ببعض، وهذا جزء مما أفرزته لنا ثورات الربيع العربي.

 [1] “حماس” تقرر استئناف علاقاتها مع النظام السوري، العربي الجديد، نشر بتاريخ: 21/6/2022، تم الدخول في: 24/6/2022، عبر: https://rb.gy/jwkpp3

 [2] عدنان أبو عامر، “علاقات حركة حماس مع العالم العربي”، تحرير محسن صالح، (بيروت: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 2015)، ص 316.

 [3] خالد الحروب، حماس: الفكر والممارسة السياسيّة، بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينيّة، 1996، ص 211.

 [4] عدنان أبو عامر، “علاقات حركة حماس مع العالم العربي”، تحرير محسن صالح، (بيروت: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 2015)، ص 290-292.

 [5] عدنان أبو عامر، مرجع سابق، ص 297.

 [6] إياد البرغوثي، الأسلمة والسياسة في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، (رام الله: مركز رام الله لدراسات حقوق الإنسان، 2003)، ص 42.

 [7] أنور أبو طه وآخرون، الأحزاب والحركات الاجتماعيّة والإسلاميّة، (بيروت: المركز العربي للدراسات الاستراتيجيّة، 2000)، ص 235.

 [8] عدنان أبو عامر، مرجع سابق، ص 300-301.

 [9] عدنان أبو عامر، مرجع سابق، ص 312.

 [10] يُنظر: رأفت مرة، “حماس وإيران وسوريا.. مصالح في مناخات متوتّرة”، في تركي الدخيل وآخرون، حركة حماس، الكتاب العشرون، (دبي: مركز المسبار للدراسات والبحوث، 2008).

 [11] جميل النمري، “مبادرة إنسانيّة تفتح نافذة سياسيّة.. لم لا؟”، موقع عمون، تاريخ النشر: 30/8/2009، تاريخ الدخول: 24/6/2022، عبر: https://tinyurl.com/4ujdmuac

 [12] يُنظر: https://tinyurl.com/wtzt4ydm

 [13] عز الدين أبو عيشة، “مغازلات سياسيّة بين حماس والنظام السوري، هل عادت العلاقات؟”، إندبندت بالعربيّة، تاريخ النشر: 12/7/2019، تاريخ الدخول: 24/6/2022، عبر: https://tinyurl.com/wzdvwvu

 [14] أحمد قاسم حسين، “كيف أسست حماس جيشها في غزّة؟ قراءة في تطوّر العمل العسكري لكتائب عزّ الدين القسّام”، سياسات عربيّة، العدد 45، 2020، ص 59-60.

 [15] يُنظر: https://tinyurl.com/3v3ec2br

 [16] يُنظر: https://tinyurl.com/yxr3wr2p

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى