في الآونة الأخيرة، فشلت شركتان عملاقتان في مجال البيع بالتجزئة في أميركا، نيمان ماركوس وجيه. سي. بيني، في سداد الفوائد على ديونهما. وينبغي لنا أن نتوقع أن تتقدم واحدة من الشركتين أو كلتاهما بطلب لإعلان الإفلاس قريبا، مما ينذر بطفرة من إفلاس شركات الأعمال الأميركية بسبب جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد – 19 COVID-19). ولأن أغلب الأسر الأميركية حاليا تفتقر إلى الأموال النقدية الكافية لتغطية المصروفات لثلاثة أشهر، فسوف تعلن أعداد كبيرة من الأسر والأفراد أيضا الإفلاس.
قبل أن تمر مدة طويلة، قد تواجه الولايات المتحدة ثلاثية كارثية تتألف من إعسار ملايين المستهلكين، وفشل آلاف الشركات الصغيرة، وإفلاس العديد من الشركات العامة الضخمة، مع إفلاس صناعات بأكملها في ذات الوقت.
كانت طلبات الإفلاس في الولايات المتحدة تبلغ ذروتها تاريخيا بعد عدة أشهر من ارتفاع معدلات البطالة. والآن ترتفع البطالة في الولايات المتحدة بمعدل غير مسبوق، مع تقديم أكثر من 30 مليون طلب في الأسابيع الستة الأخيرة. وإذا صدقت الأنماط التاريخية في الأشهر المقبلة، فقد تكون هذه الطفرة في حالات الإفلاس هي الأكبر على الإطلاق التي تشهدها المحاكم الأميركية.
يعمل نظام الإفلاس بشكل جيد وبالسرعة الكافية في الأوقات العادية، وخاصة لإعادة هيكلة الشركات العامة الضخمة. لكنه الآن عاجز عن العمل بشكل جيد، وسوف يعاني الاقتصاد، إذا أصبح النظام مثقلا وأصبحت الشركات عالقة في الإجراءات القانونية.
إذا ارتفعت حالات الإفلاس كما حدث بعد الأزمة المالية في الفترة 2008-2010، فإن حساباتنا، التي تستند إلى كم من الوقت يستغرقه التعامل مع كل حالة، تشير إلى أن قاضي الإفلاس الأميركي الواحد سيتعين عليه أن يعمل لما يقرب من خمسين ساعة في الأسبوع لملاحقة العدد المتزايد من الحالات. الواقع أن الاقتصاد ينكمش بالفعل بشكل أكثر حِدة مما كانت عليه الحال خلال الانهيار المالي في عام 2008، مما يشير إلى أن طفرة إفلاس بمعدل ضعف نظيره في عام 2010 احتمال ممكن. حتى إذا تقدمت نسبة ضئيلة للغاية لا تتجاوز 0.9 % من الثلاثين مليون شخص الذين أصبحوا عاطلين عن العمل مؤخرا بطلبات إفلاس، فقد يتجاوز عدد طلبات الإفلاس الذروة التي بلغها في عام 2010. لا أحد يتوقع أن يعمل قضاة الإفلاس 100 ساعة أسبوعيا. أي أنهم سيضطرون إلى الاختصار وإهمال بعض القضايا عن طريق الفرز القضائي.
صحيح أن الدعم الحكومي بموجب قانون المعونة والإغاثة والأمن الاقتصادي لتخفيف آثار فيروس كورونا (CARES) سيمنع بعض حالات الإفلاس الفورية. لكن العديد من الشركات لا تزال تناضل للوفاء بالتزاماتها تجاه الدائنين والموظفين والموردين. وهي لا تزال بالإضافة إلى هذا، مثلها في ذلك كمثل نيمان ماركوس وجيه. سي. بيني، وقسم كبير من صناعة النفط، غير قادرة على سداد ديونها. وقد سجلت حالات الإفلاس ارتفاعا كبيرا خلال أزمة 2008-2010 أيضا، على الرغم من المساعدات الاقتصادية الحكومية الكبيرة.
على عكس ما قد يتصور كثيرون، فإن الإفلاس ليس إعلان وفاة، وخاصة بالنسبة إلى الشركات العامة التي تدير أعمالا أساسية قابلة للاستمرار. وبالنسبة إلى الشركات القادرة على كسب المال، لا يعني الإفلاس الإغلاق والتصفية. فبالاستعانة بالموارد المناسبة، يصبح قضاة الإفلاس فعالين للغاية في إعادة هيكلة مثل هذه الشركات إلى شركات قادرة على الاستمرار والمنافسة. على مدار العقود القليلة الأخيرة، على سبيل المثال، أعيدت هيكلة معظم شركات الطيران الأميركية في قضايا إفلاس وخرجت منها موفورة الصحة. علاوة على ذلك، يسمح الإفلاس لأصحاب الأعمال الصغيرة ــ ولنقل أصحاب المطاعم المفلسين ــ بوضع ديونهم خلفهم والبدء من جديد. وعلى هذا فإن الحفاظ على عملية نظام إفلاس فعّالة أمر بالغ الأهمية لصحة الاقتصاد الأميركي.
من المؤكد أن تعطل محاكم الإفلاس نتيجة لإرباكها بأحمال عمل تفوق طاقتها سيخلف أثرا سلبيا على الاقتصاد. بادئ ذي بدء، هناك احتياج إلى إجراءات خاصة لتمكين المفلسين من السداد للموردين المهمين، والموظفين في بعض الأحيان. وإذا تراكم العمل على المحاكم فسوف يتأخر السداد، مما يتسبب في حدوث اضطرابات تمتد عبر سلاسل الإمداد والتوريد.
علاوة على ذلك، يجب اتخاذ بعض قرارات الإفلاس على الفور تقريبا، حتى يتسنى للشركات الحصول على ما يكفي من الأموال النقدية والاحتفاظ بها للبقاء على قيد الحياة حتى موعد دفع الرواتب التالي. نشر أحدنا مؤخرا دراسة توضح أن حل القضايا يستغرق وقتا أطول عندما تزدحم محاكم الإفلاس بأحمال مربكة من القضايا، ويتم تصفية العديد من الشركات الصغيرة، ويسترد الدائنون أقل من المستحق لهم.
الأسوأ من ذلك أن الشركات التي على حافة الإفلاس بعد بضعة أشهر من الآن ستتحمل قدرا من الديون يمنعها من العمل بكفاءة. إن الشركات المثقلة بالديون ترفض غالبا، أو لا تستطيع، ملاحقة حتى المشاريع الجيدة، مما يدفعها إلى المزيد من تقليص توظيف العمالة والاستثمار. مثل هذه الشركات المثقلة بالديون يمكن إعادة هيكلتها بسرعة الآن، لكن هذا لن يكون في حكم الممكن ما دامت المحاكم مثقلة بالقضايا بعد ستة أشهر من الآن.
وكأن هذا لم يكن كافيا، فإن 65% من قضاة الإفلاس في الولايات المتحدة تتجاوز أعمارهم الستين عاما. وفي ظل أسباب صحية مرتبطة بفيروس كورونا تضطرهم إلى العمل عن بُـعد، فإنهم سيتخلون عن الاجتماعات “داخل الغرف” حيث يحثون المدينين والدائنين غالبا على التسوية.
على الرغم من قتامة هذه النظرة، فإذا صدقت الأنماط التاريخية وبلغت طلبات الإفلاس ذروتها بعد عدة أشهر من بدء الركود، فهذا يعني أن هناك فرصة سانحة للتحرك. أما إذا بلغت حالات الإفلاس ذروتها بسرعة أكبر هذه المرة، فلن نجد وقتا نضيعه.
ينبغي للكونجرس الأميركي أين يضاعف عدد قضاة الإفلاس وموظفي الدعم المتاحين. ومن الأهمية بمكان أن يعكف المشرعون على إنشاء هيئة قضائية جديدة مؤقتة، وإعادة توزيع قضاة فيدراليين آخرين، ونقل قضاة الإفلاس في المحاكم الأقل ازدحاما إلى الأماكن حيث تشتد الحاجة إليهم.
هذه إجراءات منخفضة التكلفة وعائدها مرتفع. ورغم أن الطبيعة الحزبية المتزايدة التي تتسم بها الترشيحات القضائية من الممكن أن تحمل بعض نواب الكونجرس على التردد، فإن تعيين قضاة الإفلاس يتم من قِـبَـل قضاة محكمة الاستئناف الفيدرالية، وليس بواسطة الرئيس، ولا يتطلب تعيينهم موافقة مجلس الشيوخ. لا ينبغي لنا أن نسمح للنزعة الحزبية بإعاقة جهود توسيع قدرة محاكم الإفلاس.
يتعين علينا أن نعمل على تعزيز هذه القدرة الآن، تماما كما نتمنى الآن لو أننا قمنا بزيادة قدرة نظام الرعاية الصحية على التصدي لجائحة كوفيد – 19 قبل أشهر. إن الحل الأفضل في مواجهة التهديد المتمثل في الحمل الزائد من حالات الإفلاس يتلخص في وضع نهاية مبكرة لأزمة الصحة العامة وتحقيق التعافي الاقتصادي السريع. ولكن لا يمكننا أن نعتمد على هذا. نحن الآن لدينا المهلة اللازمة لتأمين الـمُـعادِل التجاري لاختبارات الفيروس وأجهزة مساعدة التنفس الغائبة. ولا يجوز لنا أبدا أن نكرر خطأ إهدار الفرصة التي تتيحها هذه المهلة.
ترجمة: إبراهيم محمد علي Translated by: Ibrahim M. Ali
*بِن إيفرسون أستاذ في جامعة بريجام يونج. مارك رو أستاذ قانون الشركات في كلية الحقوق في جامعة هارفارد.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
المصدر: الغد الأردنية