يجتمع اليوم في جنيف ممثلو أصدقاء سوريا الدوليون، للإعراب عن دعمهم للعملية السياسية في جنيف التي سهلت الأمم المتحدة تنفيذها بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2254.
وسوف نَحثُّ النظام مرة أخرى على العمل بحسن نية من أجل التوصل إلى تسوية سياسية حقيقية وشاملة. وهذا لا يتطلب موقعاً جديداً للمحادثات، أو عقد «مؤتمر» جديد. بل المطلوب منه، ومن داعميه الروس والإيرانيين، النظر في مستقبل الشعب السوري أولاً، والمشاركة في محادثات حقيقية مع المعارضة السورية المستعدة دوماً.
وعلى الرغم من تقاعس النظام وداعميه، تواصل الجماعات السياسية السورية الاضطلاع بالمهمة الشاقة المتمثلة في محاولة إشراك النظام في عملية سياسية سلمية وذات مغزى.
كما أنَّ كثيراً من السوريين العاديين الآخرين، برغم تجاهل النظام المستبد لهم، يحققون أموراً مذهلة، متعلقين بالأمل في بناء مستقبل أفضل. ويجد الملايين سبلاً شتى لكسب الرزق، بدعم مزداد من مبادرات «التعافي المبكر» الدولية. وتواصل منظمات المجتمع المدني العمل بهدوء مع المجتمعات المحلية، والمحافظة على الركائز الأساسية القوية للمجتمع السوري، على الرغم من حكومته.
ولا يزال كثير من السوريين الشجعان يرصدون جرائم الأسد ويوثقونها، ومن بينها اختفاء عشرات الآلاف من المواطنين على أيدي جلاوزة النظام. ولا يزال المعلمون، والعاملون في الرعاية الصحة، يقدمون الخدمات لشعبهم، بأدنى ما يتوفر لديهم من موارد. الأشخاص الذين يوصلون المساعدات في سوريا، فيما لا تزال تُعد إحدى كبرى عمليات إيصال المساعدات الدولية في العالم، هم أنفسهم مواطنون سوريون شجعان ومتعاطفون. والنساء السوريات، في واحد من أسوأ البلدان على مستوى العالم لجهة التعامل مع الإناث، يتحملن على نحو مزداد المسؤولية عن الإبقاء على سير الاقتصاد، إنهن يقفن صامدات ويُسمعن العالم أصواتهن المدوية.
فإذا أراد النظام الإعراب عن استعداده للعمل مع (ولصالح) هؤلاء السوريين الشجعان المجتهدين، فثمة طرق متعددة يمكنه أن يؤكد بها ذلك.
بإمكان النظام الوفاء بالوعود الواردة في العفو العام الصادر عنه، والإفراج عن عدد كبير من السجناء، ما يتيح رصد المنظمات المستقلة المرموقة مَنْ وُجهت إليهم الاتهامات، والمحتجزين والمطلوبين.
كما يمكنه أن يسمح للمراقبين المحايدين برصد النازحين العائدين إلى ديارهم، سواء كانوا من داخل سوريا أو من مناطق أخرى، وأنهم يتمتعون بالحماية والأمان من العنف والانتقام.
ويمكنه أيضاً إحكام قبضته على المقربين منه ممن يتواطأون مع الجماعات المدعومة من الخارج بقصد إفساد الاقتصاد وتهديد أمن المنطقة عبر الجريمة المنظمة.
غير أن النظام السوري لم يفعل شيئاً من ذلك.
بدلاً من ذلك، يتواطأ الأشخاص الأقرب إلى الأسد مع «حزب الله»، والجماعات المسلحة الأخرى المدعومة من الحرس الثوري الإيراني، في إنتاج وتصدير كميات هائلة من مخدر «فينيثايلين» أو «الكبتاغون»، ما يولد أرباحاً ضخمة وغير مشروعة على حساب الشباب المستضعف في سوريا والمنطقة. ووفقاً لما كتبته كارولين روز، في مقال هنا في يناير (كانون الثاني) الماضي، فإن هذه الشبكات تستهدف عدداً من الدول العربية والخليجية، كونها المقصد الرئيسي لتهريب «الكبتاغون»، وتهدف إلى ارتفاع معدلات استهلاك وإدمان هذه المخدرات على طول بلدان العبور البري لهذه التجارة.
وقد توقفت عمليات الإفراج بموجب العفو، التي لا يُعتد بها إلا في حالات قليلة للغاية. إذ تتواصل الاعتقالات كالمعتاد، بما في ذلك اعتقال الأشخاص الذين اعتقدوا أنهم سوف يتمتعون بالأمان الآن.
كما يواجه اللاجئون السوريون الذين يعودون انتهاكات جسيمة ويتعرضون للاضطهاد على أيدي الحكومة السورية والميليشيات التابعة لها. وقد عانوا من الاعتقالات التعسفية والاحتجاز القسري والتعذيب البدني وسوء المعاملة والاختفاء القسري أو غير الطوعي، وكذلك الإعدام بإجراءات موجزة. وقد سُرقت الأراضي ونُهبت الممتلكات، ما جعل العودة المستدامة أمراً مُحالاً. إن سوريا ليست بلداً آمناً الآن لعودة اللاجئين إليه.
ولا تعكس تصرفات النظام السوري أي علامة على رغبته في الحكم من أجل الشعب السوري بأكمله. ويبدو أن المحاولات التي بذلتها بلدان مختلفة للحوار مع النظام السوري لم تُسفر عن أي فوائد ملموسة ومستدامة. ولا يزال النظام ومؤيدوه يشكلون خطراً على السوريين وعلى المنطقة بأسرها.
وحتى لو اختار النظام السوري نفسه هدم سيادة القانون في بلاده، فإن أصدقاء سوريا الدوليين سوف يواصلون السعي لتحقيق العدالة في الجرائم الفظيعة المرتكبة خلال السنوات الإحدى عشرة الماضية. لقد أثبتت روسيا، وهي المستفيدة من النظام السوري، في أوكرانيا مُجدداً بالغ الازدراء للمعايير الدولية وحقوق الإنسان، إذ استغلت سوريا ميداناً للتدريب، حيث دمرت مدينة «خيرسون» و«خاركيف» الأوكرانيتين تماماً، كما دمرت مدينة حلب. ولا يسعنا غض الطرف عن تلك الفظائع، وعن السوريين والروس الذين ارتكبوها، إذ إن ذلك من شأنه زيادة تشجيعهم ودعم تصرفاتهم غير الإنسانية.
لدى أصدقاء سوريا الدوليين دور مهم في حماية السوريين، ومنح أفضل فرصة ممكنة للمبادرات الرائعة التي يحتاجها الشعب السوري. وهذا ما نهدف للقيام به خلال اجتماعنا اليوم في جنيف. لكن السوريين أنفسهم، من خلال النية الحسنة المخلصة والمحادثات السياسية الإيجابية، هم وحدهم القادرون على إخراج البلاد من كابوسها إلى مستقبل أفضل، ورفع رأسها عالياً في المجتمع الدولي.
المصدر : الشرق الأوسط