لابد لأي متتبع لمسار الثورة السورية منذ انطلاقتها وحتى اللحظة أن يسجل كيف أن هذا المسار لم يغادر منهج التمرحل الذي قام عليه ..وهو الأمر الذي يدفعنا إلى القول إنه منهج معقلن ومدروس بدقة. وللتذكير فقط…كشاهد على هذا المنهج..عندما انطلقت المظاهرات السلمية …بدأت عناصر اجهزة عصابة النظام والتابعين لهم من مرتزقتهم بالتصدي للوجوه المتميزة في صفوف المتظاهرين وذلك بالضرب والشتم والمطاردة…ثم تطور الحال ..الى الاعتقال الفردي والجماعي..ثم اخذت عمليات القتل والاغتيال والاختطاف…تطالهم جميعا.ثم تحولت المواجهات بين الاجهزة الاسدية والثوار الى زج العصابة للقطع العسكرية في ميدان المواجهة..حيث بدأ اطلاق الرصاص على المتظاهرين من الاسلحة الفردية كالبواريد والمسدسات والرشاشات ..ثم انتقل لاحقا الى القصف بنار الدبابات ثم المدفعية ….ليتلوها قصف الطيران فالصواريخ واخيرا البراميل المتفجرة …ليتلوها لاحقا استعمال الاسلحة الكيميائية…
المعروفة لدى السوريين والعالم…ولاننسى ايضا التمرحل الذي اعتمد في عملية تهجير المواطنين..حيث بدأت عمليات التهجير لتصيب الاحياء اولا..اي ان يهجر المواطنون.. احياءهم في المدينة الى احياء اخرى اقل خطورة واكثر امنا… وهذا ماطُبق ايضا على الارياف والقرى… هذا التمرحل والتدرج..لمسناه ايضا في مسار تشكل الفصائل العسكرية التي ظهرت بشكل متفرق هنا وهناك كرد فعل مفروض على
الثوار لمواجهة الالة العسكرية للنظام العميل… والتي تطورت لاحقا الى مايسمى بالجيش الحر والذي تلاه ايضا ماسمي بجيش الاسلام واحرار الشام وغيرها من الجيوش…..وفي هذا المقام لاننسى كيف ان هذه التشكيلات العسكرية عندما انجزت مايسمى بتحرير المدن والاراضي من سلطة العصابة الاسدية انما نفذت عملياتها بتدرج لافت وحدود مرسومة كما لوانها….تخضع لخطوط حمراء ثُبِتت لهامسبقا تمنعها من تجاوزها حول المدن وداخلها…
وفي المقلب الاخر لاننسى ما حدث على المستوى الاداري والسياسي والدبلوماسي..
حيث بدأ العمل بانشاء مجالس الاحياء ثم مجالس المدن وتلاها مجالس المحافظات…..الى تاسيس المجلس الوطني فالائتلاف ثم هيئة التفاوض..فاللجنة الدستورية …وما وازاها ايضا من موتمرات اسيتانا وسوتشي.. ومتفرعاتها..
ولايغيب عن الذكر حيال ماتم سرده..الدور المتمرحل والمتغير ايضا للدول الفاعلة والمؤثرة في مسار الثورة السورية بدءا من الاطراف العربية الى الطرف الاوروبي فالامريكي الى الطرف التركي..وحتى الاسرائيلي..وكل طرف من هذه الاطراف كان يتحرك ضمن هوامش خاصة به حسب طبيعة علاقته مع القوى الفاعلة مع الثوار والثورة .والشعب السوري تاريخيا..
من جميع ماتقدم…وما رافقه من افعال قتل همجية ووحشية وممارسات دموية غير مسبوقة في التاريخ المعاصر.. بحق اهلنا وشعبنا…وعمليات التهجير الداخلي والخارجي الفظيعة التي لم يكن ليتصورها رواد الحضارة الراهنة ودعاة ديمقراطيتها وعلمانيتها ومروجو الحداثة والعولمة التي وصلت اليها..
جعل من سوريتنا الحبيبة على مدى قرابة احد عشر عاما تلك الذبيحة التي تناولنا الامها وحشرجاتها على مدار مقالاتنا السابقة ..لنصل اليوم الى المحطة الاخيرة ..في عملية الذبح المشار اليها….حيث كانت عملية تسير ببطء العارف المدبر والعالم ….كل ذلك الذي لم يكن له شبيها في ممارسات التوحش والهمجية البشريةعبر التاريخ. انما انجز بخبث ودهاء لانظير له لكي يعيد صياغة كيان الوطن السوري فيحيله من سورية الامس التي اورثنا ايا ها الاستقلال الاول بعد تضحيات وعذابات ونضالات وطنية مشهورة… الى سورية اليوم حيث غدت اكثر من سورية واحدة ..في كياناتها الجغرافية والسياسية والاقتصادية…
الامر الذي استهدفته عملية الذبح..اياها..والتي شارفت اليوم على الانتهاء..وعليه…
يُمَكننا ذلك من تفسير الانعطافة الاخيرة للموقف التركي الذي لايمكن ان نقرأه الا في السياق نفسه ..وبان عملية الذبح المتدرجة قد انتهت وقد آن اوان استثمارها ..
فالذبيحة اوشك ان ينفذ فيها كل ما ابدعه المشغل الاول واعده.. لهذه المنطقة ليعيد تغيير ملامح كيانيتها.. لصالح دمج الكيان الصهيوني القذر فيها…
ويبقى السؤال التاريخي…هل ينجح جلاوذة المافيات العالمية في مشروعهم البربري وتُنحر الذبيحة الى الابد….؟؟؟؟ام ان للشعوب وحقوقها قول آخر….يمكن ان يسطره رجال استثنائيون في زمن استثنائي….