يمهّد النظام السوري للتقارب مع تركيا، بتقويض نفوذ “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) تدريجياً، وهو ما استهله بمحاصرة القرى الواقعة في مقاطعة الشهباء الحدودية مع تركيا في ريف حلب الشمالي التي تخضع لسيطرة “قسد”.
ويستفيد النظام من تدهور علاقات “قسد” مع الولايات المتحدة من جانب، ومن ضغط روسي تُرجم بتصريحات تركية عن حوار قريب ومباشر مع النظام، لطي صفحة الخلافات وطرد التشكيلات العسكرية التابعة لـ”قسد” من تلك المناطق.
وقالت وكالة “هاوارا” المقربة من “الإدارة الذاتية”، إن حواجز النظام الأمنية المتمركزة على الطريق الواصل بين مدينة حلب والشهباء (هي مقاطعة تشكل جزءاً هاماً من ريف حلب الشمالي على طول الحدود التركية)، وطريق منبج ـ الشهباء، شدّدت حصارها على مقاطعة الشهباء، موضحةً أنها تمنع دخول المحروقات والأدوية والمستلزمات الطبية منذ مطلع آب/أغسطس.
وأضافت الوكالة أنه إلى جانب الحصار، يمارس النظام “سياسة الحرب الخاصة بحق مهجري عفرين من خلال تسهيل خروجهم من الشهباء”، مشيرة الى أن الهدف هو “إفراغ المنطقة بعد أن كانت تمنع خروجهم صوب المناطق الأخرى”.
وتتزامن الإجراءات مع تصريحات أنقرة حول استئناف العلاقات مع حكومة دمشق، عبر قمتين متتاليتين، الأولى كانت في طهران جمعت زعماء الدول الضامنة لمسار أستانة (روسيا وإيران وتركيا)، والثانية جمعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في سوتشي الروسية مطلع آب/أغسطس.
ورأى مدير مكتب “رابطة المستقلين الكرد” آزاد عثمان أن الضغط على مخيمات الشهباء، “يأتي بعض فشل المحادثات بين النظام وممثلي قسد في العاصمة دمشق قبل أسابيع”، موضحاً أن أهم بنودها هي “إعادة تلك المناطق لسلطة النظام، ودمج تشكيلات الإدارة الذاتية المسلحة بجيش النظام”.
وقال عثمان لـ”المدن”، إن “قسد” تعيش حالة من “القلق والتوتر بعد فشلها في استمالة كل من روسيا والولايات المتحدة من أجل تأمين تغطية سياسية”، إضافة إلى “استغلال النظام لتراجع متانة علاقات واشنطن مع قسد، والضغط أكثر باتجاه إخراجها من الحدود مع تركيا على عمق 30 كيلو متراً، التي تعتبرها أنقرة منطقة آمنة، وخالية من التشكيلات التي تصنّفها إرهابية”.
وعلى الرغم من كون التصريحات التي تتحدث عن تقارب تركي مع دمشق، “لاتزال حبيسة شاشات وسائل الإعلام، وتُعبر عن بوادر حُسن النيّة فقط من الجانبين”، حسب ما قال عثمان، إلا أنه لا يستبعد أن يكون حصار النظام لقرى الشهباء “ضمن خطة تهدف إلى إفراغ الخط الحدودي في الشمال الشرقي من سوريا”، كما تنص اتفاقية “أضنة”، و”تكون بمثابة ضربة استباقية لخطوات التقارب مع أنقرة، في الفترة المقبلة”.
وأشار عثمان إلى أن تصريحات مسؤولي “قسد”، تؤشر الى “الخذلان الذي تعاني منه جراء تراجع زخم الدول التي كانت تشكل غطاءً سياسياً لها في السابق”، مرجّحاً أن تتجه تلك الميلشيات أكثر باتجاه الداخل، نحو محافظات دير الزور والرقة، “بفعل ضغط الحصار الذي يزداد من قبل النظام”.
وكشفت وكالة “تسنيم” الإيرانية الاحد، أن الرئيس بوتين دعا رئيس النظام بشار الأسد لحضور قمة اجتماع منظمة “شنغهاي للتعاون” المزمع عقده في اوزبكستان منتصف ايلول/سبتمبر المقبل، موضحة أن دعوة أخرى وجهها بوتين إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وسط تقديرات بأن ترتب موسكو لقاء بين الاسد واردوغان على هامش القمة.
وكان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني أكد الاثنين، أن طهران لاتزال تعتقد أن على أنقرة أن تصلح موقفها من الأزمة السورية، مضيفاً أنها تشجع مسار التقارب الإيجابي مع النظام السوري وتشجع عليه.
وقال كنعاني في المؤتمر الصحافي الأسبوعي، إن “ما حصل في سوريا خلال الأعوام السابقة، كان نتيجة السياسات الخاطئة لبعض الدول، والتدخل في شؤونها الداخلية”، مضيفاً أن “الحكومة السورية دخلت مرحلة جديدة وتخطت الأزمة ومرحلة عدم الاستقرار، من خلال صمودها ومقاومتها”.
وأردف المتحدث الإيراني أن “طهران كانت ولاتزال تعتقد أن على تركيا تصحيح موقفها من الأزمة السورية، وأكدنا على ذلك من خلال علاقتنا الثنائية ولاسيما في مسار أستانة التفاوضي”. وتابع: “مسار التطورات إيجابي، ونشجع هذا المسار، ونأمل عودة العلاقات البناءة بين سوريا وتركيا إعادة العلاقات الرسمية وحل الخلافات بينهما من صالح البلدين، كما يخدم السلم والاستقرار في المنطقة”.
المصدر: المدن