أحيا إعلان روسيا تدريبات عسكرية مشتركة مع الجزائر على الحدود مع المغرب الحديث عن صراع تموقع قوي بين روسيا والولايات المتحدة في منطقة شمال أفريقيا، بعد أن انحصرت القراءات حول رد جزائري على مناورات “الأسد الأفريقي” التي أقيمت في المغرب بقيادة أميركا.
إعلان وتأويلات
وأعلنت الخدمة الصحافية للمنطقة العسكرية الجنوبية في روسيا، أن التدريبات الروسية الجزائرية المشتركة لمكافحة الإرهاب، التي تحمل اسم “درع الصحراء 2022″، ستجرى بالجزائر للمرة الأولى، في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. ولفتت إلى أن التدريب سيجرى في قاعدة “حماقير” جنوب غربي البلاد على الحدود مع المغرب. وأوضحت أن التمرين سيتم بمشاركة نحو 80 عسكرياً من وحدات البنادق الآلية المتمركزة في شمال القوقاز، ونحو 80 عسكرياً جزائرياً، مضيفة أنه، خلال التدريبات، ستقوم القوات العسكرية بمهام البحث عن جماعات إرهابية وكشفها والقضاء عليها في مناطق صحراوية.
ويأتي الإعلان عن المناورات الجزائرية – الروسية “درع الصحراء”، بعد نحو شهرين من انتهاء تمارين “الأسد الأفريقي” بين الجيشين الأميركي والمغربي قرب الحدود الجزائرية، ما أثار قراءات عدة تمحورت بين استعراض العضلات بين الجزائر والمغرب في ظل استمرار التوتر بين البلدين، وكذلك، توسع دائرة الصراع والتنافس بين روسيا والولايات المتحدة في سياق ما بعد الحرب الروسية – الأوكرانية.
مواجهة التهديدات
ورأى الباحث الجزائري في الشؤون الأمنية والاستراتيجية عمار سيغة أن المناورات العسكرية المشتركة الروسية الجزائرية تأتي استكمالاً للجهوزية التي يعمل عليها الجيش الجزائري، بخاصة أن الحدود الغربية تعرف جملة من التهديدات بعد تصاعد وتيرة نشاط الجماعات الإرهابية والخلايا الإجرامية الناشطة، وفي ظل ما تعيشه مالي من تراجع للأمن وتزايد للاعتداءات الإرهابية. وأوضح أن اختيار مكان العملية جاء بشكل مدروس ودقيق نتيجة تزايد التهديدات في ظل الحضور الإسرائيلي في المنطقة. وقال إن الجزائر تدرك جيداً حجم المخططات والمؤامرات التي تحاك بهدف زعزعة الاستقرار والأمن الإقليميين.
وتابع سيغة أنه على الرغم من تبني المغرب المناورات التي أشرفت عليها القوات الأميركية، غير أن ذلك لم يحرك هواجس الجزائر التي تنتهج دوماً سياسة ضبط النفس، بخاصة في ظل عمق التنسيق والتعاون الأمني والعسكري مع القوة الروسية، مضيفاً أنه بذلك تكون الجزائر قد بعثت برسائل إلى خصومها بأنها حسمت خياراتها في ما تعلق بحلفائها العسكريين، وعلى رأسهم كل من روسيا والصين. وختم بأنه “بحسب اعتقادنا، فإن روسيا التي تعد كذلك من مؤسسي مجموعة (بريكس)، تراهن على الجزائر كعضو يمكن انضمامه”.
التأثير في الموقف الروسي
في المقابل، اعتبر الناشط الحقوقي المغربي محمد سالم عبدالفتاح أن الأمر يتعلق بمحاولات حثيثة تبذلها الجزائر للتأثير في الموقف الروسي بخصوص التصعيد الذي تنخرط فيه إزاء المغرب، وبخاصة حول ملف قضية الصحراء، باعتباره محور الخلاف المغربي – الجزائري، فلا يوجد أي سياق أمني أو عسكري موضوعي يبرر اختيار مواقع قريبة من الحدود مع المغرب لإجراء هذه المناورات العسكرية. وقال إن إشراك روسيا في هذه التمارين يصب في خانة محاولات الجزائر التأثير في مواقف القوى الدولية الوازنة إزاء صراعها مع المغرب، فكما تلجأ الجزائر لتوظيف صفقات تصدير وإمداد الغاز للتأثير في مواقف بلدان الاتحاد الأوروبي، فإنها تحاول توظيف صفقات استيراد السلاح للتأثير في الموقف الروسي.
معركة تموقع بين واشنطن وموسكو
ويبدو أن ما يجري مرتبط بمعركة تموقع بين واشنطن وموسكو في سياق تشكيل المشهد الدولي الجديد، ولا علاقة له بالتوتر المغربي الجزائري الذي بدأ يأخذ صفة “وقود” المعركة الروسية – الأميركية في المنطقة في شكل صراع بالوكالة، وهو ما سبقت الإشارة إليه من طرف المسؤول عن القيادة العسكرية الأميركية لمنطقة أفريقيا الجنرال ستيفن تاونسند حين كشف عن رؤية بلاده لما يجري في المنطقة بالقول، في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية خلال اختتام تدريبات “الأسد الأفريقي” العسكرية الدولية في “طانطان” جنوب المغرب في يونيو (حزيران) الماضي، إننا “نشهد تصاعداً للتطرف العنيف في أفريقيا الغربية، وخصوصاً في منطقة الساحل”. أضاف، “نرى كذلك وصول فاعلين لديهم نيات مغرضة إلى المنطقة، وأقصد بالتحديد مرتزقة (فاغنر) الروس الموجودين في مالي”.
لا يمكن إخراج المناورات عن سياقها
الباحث المصري المهتم بالشؤون العربية رئيس مركز دراسات سياسية واستراتيجية حامد فارس، له رأي آخر، فقد أكد أنه لا يمكن إخراج هذه المناورات عن سياقها الطبيعي والهدف الذي ستجرى من أجله، وهو هدف مشترك يحقق مصالح كل الدول في المنطقة، ويتمثل في محاربة مخاطر ومواجهة تهديدات الحركات والتنظيمات المتطرفة في منطقه الساحل الأفريقي وفي دول أخرى مثل نيجيريا وغينيا وغيرهما. وأوضح أن هذه التدريبات تعقد في ظروف متشابكة ومعقدة يمر بها العالم بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية والصراع الدائر بين الغرب وأميركا من ناحية، وروسيا من ناحية أخرى، وباعتبار موسكو هي الطرف الثاني في المناورات مع الجزائر، وأيضاً في ظل التوترات الشديدة بين الجزائر والمغرب، كلها عوامل تجعل كثيرين يظنون أنها رسالة مبطنة من الجزائر إلى المغرب كرد على قيام الأخيرة بمناورات “الأسد الأفريقي”.
أضاف فارس أن هذه المناورات هي دلالة على عمق ومتانة العلاقات الجزائرية – الروسية الآخذة في التطور في شتى المجالات، ولا سيما المجال العسكري الذي يعزز قدرات الجيش الجزائري، كما أن التدريبات ليست الأولى من نوعها، فقد أجريت مناورات عسكرية مع روسيا في أكتوبر 2021 في منطقه “أوسيتيا”، وفي الشهر ذاته، أجرى الجيشان الروسي والجزائري مناورات عسكرية في عرض البحر المتوسط شاركت فيها قطع بحرية جزائرية روسية، مشيراً إلى أن موسكو تستهدف إيصال رسائل إلى واشنطن أن هناك حلفاء استراتيجيين في أفريقيا وآسيا، وأن العقوبات الغربية لم تفلح في عزلها عن العالم.
المصدر: اندبندنت عربية