إذا كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عازماً فعلاً على إحداث تحول في سياسته حيال دمشق، فإن وقع هذا التحول ستلمسه أحزاب المعارضة التي اتخذت من تركيا داعماً لها، وسيحملها ذلك على تغيير الكثير من الشعارات الجذرية التي رفعتها عند بداية الحرب.
كان أردوغان يقاوم حتى الآن مطالب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بضرورة معاودة الاتصالات بين أنقرة ودمشق، واكتفى بالمشاركة في “منصة آستانا” التي تضم إيران أيضاً، وأشرفت على معظم اتفاقات وقف النار في مناطق سورية عدة.
“المنصة” باتت مرجعية عسكرية وسياسية للتعاطي مع الشأن السوري، من دون أن تكون دمشق حاضرة أو ممثلة فيها، مما بدا أمراً مستغرباً إلى حد كبير، أن تقوم ثلاث دول بالبت في قضايا تتعلق بسوريا من دون أن تكون حكومة هذا البلد طرفاً فيها، على رغم أن موسكو وطهران داعمتان أساسيتان لدمشق. وهذا يعني أن تركيا هي من ترفض الإعتراف بحكومة دمشق وتصر على أجندة مختلفة عن تلك التي تتبعها روسيا وإيران.
وفي معرض شرحه لرفض أردوغان اقتراحاً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لعقد اجتماع مع الرئيس السوري بشار الأسد، كشف وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الخميس الماضي عن لقاء عقده مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد على هامش اجتماع لدول عدم الإنحياز في بلغراد في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. ولفت إلى أن أردوغان أبلغ بوتين أنه يفضّل إجراء إتصالات بين مسؤولي الإستخبارات في البلدين.
إن التحول التركي حيال سوريا لن يحدث بالسرعة التي حدثت فيها التحولات حيال دول الخليج العربية أو مصر. ذلك، أن الحالة السورية مختلفة في تراكماتها عن بقية الخلافات التي نشبت بين أنقرة ودول إقليمية أخرى.
هنا تركيا متورطة في الحرب السورية منذ عشرة أعوام وتسيطر هي وأحزاب المعارضة المدعومة منها على ما يوازي ثلث الأراضي السورية. وتدرب تركيا مقاتلي المعارضة وتمولهم، وأقامت مؤسسات تركية مثل المدارس والجامعات ويجري التعامل بالليرة التركية بدل الليرة السورية.
لذلك، أي انفتاح على دمشق يحتاج إلى مدة زمنية ليست بالقصيرة ويتطلب تهيئة الأرضية في اتجاه أحزاب المعارضة المدعومة من تركيا. وبدا من التظاهرات التي عمّت مناطق سيطرة المعارضة في أرياف حلب وإدلب، أن المعارضة قد فوجئت بإعلان جاويش أوغلو. ولعل التخوف الأكبر لدى هذه الأحزاب هي أن يضحى بها على حساب أي تغيير جذري في السياسة التركية المتبعة حيال دمشق منذ أكثر من عقد. ولا شك في أن الأحزاب السورية، تتذكر كيف حدّت أنقرة من نشاط جماعة “الإخوان المسلمين” المصرية عندما قرر أردوغان التصالح مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وتخشى الأحزاب السورية ملاقاة المصير ذاته.
وفي الوقت نفسه، قد يتعرض أردوغان لضغوط من الولايات المتحدة كي لا ينفتح على دمشق، طالما العملية السياسية في جنيف متوقفة ولا يبدو أن ثمة أملاً بتحقيق اختراق فيها في المستقبل القريب، حتى ولو تمت معاودة المفاوضات في الغد.
إن التطورات في الشرق الأوسط باتت تملي على الأطراف كافة تعاطياً مختلفاً مع أزمات المنطقة، وفي مقدمها الأزمة السورية. فهل تركيا مستعدة لإحداث نقلة جديدة في تعاطيها مع دمشق، خصوصاً أن الشعارات التي كانت تنادي بإسقاط النظام، ثبت عدم واقعيتها وجرفت سوريا إلى حرب أهلية طاحنة، قتل فيها مئات الآلاف وشرد الملايين؟
وتحاول روسيا وإيران إقناع أردوغان بسلوك طريق الواقعية حيال سوريا، من أجل إحداث إنفراج إقليمي، قد يكون الخطوة الأولى لإخراج سوريا من أهوال الحرب ومآسيها.
المصدر: النهار العربي