تؤكد تصريحات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بخصوص التعاون الاستخباراتي مع النظام السوري، بوادر تقارب تركي- سوري، لا تُعرف طبيعته بعد.
تقارب استخباراتي
جاءت تصريحات الرئيس التركي عقب عودته من روسيا ومباحثاته مع رئيسها، فلاديمير بوتين، وقال للصحفيين خلال عودته بالطائرة، إنه فيما يخص الحل في سوريا، أشار بوتين إلى إيجاد الحل بالاشتراك مع النظام السوري، واصفًا إياه بالحل “الأكثر منطقية”.
وأفاد أردوغان بأن المخابرات التركية تعمل مع نظيرتها السورية، قائلًا في حديثه لبوتين، “في حال عمل مخابراتنا مع المخابرات السورية، ورغم هذا، بقيت المنظمات الإرهابية تصول وتجول هناك، فيجب عليكم تقديم الدعم لنا، وقد كنا متفقين على هذا”.
وتجتمع النيات التركية والسورية في مواجهة عدو مشترك، هو “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، التي تعتبرها أنقرة امتدادًا لحزب “العمال الكردستاني” المحظور والمصنّف إرهابيًا، وينظر النظام السوري إليها كـ”قوة انفصالية”.
وسبق تصريح أردوغان ما أعلنه وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، والذي كان بمنزلة جس نبض للشارع الدولي فيما يتعلق باستعداد تركيا للتعاون مع النظام السوري في حال وقوفه على نفس الخط من مجابهة “قسد”.
وكان الرد مبشرًا لتركيا، إذ لم تطلق دولة واحدة أي تنديد أو استنكار للتصريحات التركية بدعم النظام سياسيًا، في الوقت الذي كانت اعتادت فيه واشنطن الخروج ببيان يستنكر أي تعاون أو تنسيق مع النظام، كما فعلت سابقًا مع الأردن والإمارات العربية المتحدة.
وفي 27 من تموز الماضي، صرح جاويش أوغلو أن بلاده على استعداد كامل لدعم النظام السوري في مواجهة تنظيم “YPG/PKK”، موضحًا أن بلاده أجرت سابقًا محادثات مع إيران بخصوص إخراج “الإرهابيين” من المنطقة، مضيفًا، “سنقدم كل أنواع الدعم السياسي لعمل النظام (السوري) في هذا الصدد”.
وتابع أن من الحق الطبيعي للنظام السوري أن يزيل “التنظيم الإرهابي” من أراضيه، لكن ليس من الصواب أن يرى المعارضة المعتدلة (يقصد بها فصائل “الجيش الوطني” المدعوم من تركيا) “إرهابية”، وفق ما ذكرته وكالة “الأناضول“.
لم ينقطع أساسًا
الباحث عبد الله النجار، وهو ضابط أمن سياسي سابق، قال لعنب بلدي، إن التعاون أو التواصل الاستخباراتي بين الدول لا ينقطع حتى في حالات الحروب، ضمن إطار العمليات العسكرية، أي أنه إذا أراد الطرفان التفاهم على نطاق عمليات عسكرية محددة، أو وقف العمليات العسكرية القائمة، أو إخلاء سبيل الجرحى والقتلى، أو في حال ملاحقة التنظيمات الإرهابية التي يناصبانها العداء.
ويجب أن يبقى هناك خط ساخن بين الدول، ولكن هذا لا يعني أن هناك علاقات سياسية أو اقتصادية قائمة بينها.
وأكد أن التواصل الاستخباراتي بين كل من تركيا والنظام السوري وكل دول الإقليم لم ينقطع في الأساس.
ويرى النجار أن النظام السوري غير قادر على الوفاء بمتطلبات تركيا المتمثلة في إنهاء “الكيان الانفصالي المتمثل في (الإدارة الذاتية) القائمة بشمال شرقي سوريا”.
وعزا الباحث ذلك لسببين، الأول أنه لا يملك الإرادة لإنهاء الكيان، كونه لا تزال هناك حاجة إليه، فالأسباب التي دعته لاستدعاء تنظيم “العمال الكردستاني” وتسليمه الشريط الحدودي لا تزال قائمة، والتهديد لا يزال قائمًا وهو “الثورة السورية”.
أما السبب الثاني فيعود لعدم امتلاك النظام وسيلة للقضاء على هذا “الكيان الانفصالي”، بحسب تعبيره، فالولايات المتحدة تفرض حظرًا جويًا شرق الفرات، وهي تحمي “قسد” و”الإدارة الذاتية”، ولا يستطيع النظام القيام بأي عمل عسكري ضدها، وعليه فإن أي حديث عن تعاون أمني بين الطرفين السوري والتركي حاليًا هو مجرد كلام لا يمكن تحويله إلى فعل، بحسب النجار.
هل النظام السوري ضالع باستهداف قيادات كردية؟
في تموز الماضي، قالت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، إنها اعتقلت “جواسيس” تسببوا بمقتل قياديين تابعين لها إثر غارة تركية ضربت سيارتهم شمالي سوريا.
وبحسب البيان الصادر عن المكتب الإعلامي لـ”قسد”، فإن “وحداتها الخاصة” ألقت القبض على “خلية جواسيس” تضم ثلاثة أشخاص (رجل وامرأتان)، عملوا خلال الفترة الماضية في أنشطة تجسس لمصلحة تركيا في مناطق شمال شرقي سوريا.
واعترف الأشخاص الثلاثة خلال فترة التحقيق الأولى، أنهم جمعوا معلومات ورصدوا تحركات عضو المجلس العسكري لـ”قسد” سوسن بيرهات، وقدموها إلى الاستخبارات التركية، التي استهدفت بدورها القيادية مع قياديين وعناصر آخرين، بحسب بيان “قسد”.
وأشارت القوات إلى أن “الجواسيس” اعترفوا بتلقيهم التعليمات والمهمات من الاستخبارات التركية، إذ كانوا بصدد تنفيذ مهمة استخباراتية أخرى لتحديد أهداف جديدة عندما أُلقي القبض عليهم، على حد قولها.
وحول احتمالية ضلوع النظام السوري باستهدافات الطائرات التركية المسيّرة لقادة من “قسد”، التي جرت خلال الفترة الماضية، استبعد الباحث عبد الله النجار تعاونًا من هذا النوع بين الجهتين.
وأرجع استبعاد ضلوع النظام بتلك العمليات للاختراق الاستخباراتي التركي الكبير لـ”قسد”، ولعدم قدرة خلايا النظام السوري على متابعة تحركات “قسد”، إلى جانب وجود مناطق شاسعة تحت سيطرة “قسد” لا توجد فيها قوات النظام.
خمس نقاط.. “أضنة 2”
وكان الصحفي السوري إبراهيم حميدي، تحدث عن خمس نقاط في مقال له بصحيفة “الشرق الأوسط“، كانت على هامش لقاء أردوغان بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في قمة “طهران” التي جرت في تموز الماضي، تتعلق بالتنسيق الروسي- التركي والتعاون مع النظام السوري في مواجهة “قسد”، وتتضمن:
- سماح منظومة الدفاع الروسية لتركيا بتوسيع ضرباتها بالطائرات المسيّرة ضد قياديين في حزب “العمال الكردستاني” أو في “وحدات حماية الشعب”، عوضًا عن التوغل العسكري التركي والصدام مع قوات النظام.
- إقامة سلسلة من الاجتماعات الأمنية الرفيعة المستوى التي تجمع مسؤولين سوريين ونظراءهم من الأتراك في موسكو، وهو ما حصل خلال الأيام الماضية، بحسب حميدي.
- السماح لتركيا بعملية عسكرية محدودة في منطقة تل رفعت بريف حلب، لتحديد منصات الصواريخ التي تعتبر تهديدًا للجيش التركي.
- وضع اتفاقية “أضنة” بين أنقرة ودمشق لعام 1998 على طاولة التفاوض، والعمل على توقيع اتفاقية “أضنة 2″، ما يضمن تعاونًا سياسيًا مستقبليًا، وتجلى ذلك بتصريحات جاويش أوغلو الأخيرة بالدعم السياسي للنظام السوري.
- دفع قوات النظام لإجراء تنسيق عسكري وإجراء مناورات مشتركة، بشكل تكون يد النظام هي العليا على “قسد” لتعود بها إلى “حضن جيش النظام”.
ما اتفاقية “أضنة”
الصحفي التركي فهيم تاس تيكين تساءل، في مقال بموقع “المونيتور”، عام 2019، بعنوان “هل تعيد اتفاقية أضنة أردوغان إلى دمشق”، عن إمكانية استعادة العلاقات بين أنقرة ودمشق في إطار الاتفاقية، خاصة بعد طرح روسيا الاتفاقية لأول مرة من قبل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عندما استضاف نظيره التركي، رجب طيب أردوغان، في كانون الثاني من عام 2019 بموسكو.
وأوضح المقال أن مضمون اتفاقية “أضنة” وإمكانية تطبيقه أمر مثير للجدل، إذ جرى توقيع الاتفاقية بين أنقرة ودمشق، في 20 من تشرين الأول عام 1998، في مدينة أضنة جنوبي تركيا، التي وضعت أسس التعاون الأمني بين البلدين.
وجاءت الاتفاقية بعد الإجماع على مغادرة زعيم حزب “العمال الكردستاني” (PKK)، عبد الله أوجلان، سوريا.
ويعد أوجلان أول قائد للحزب اليساري الذي يسعى إلى الاستقلال في تركيا. واعتقل في عام 1999 على يد المخابرات التركية، بدعم من المخابرات المركزية في نيروبي، واقتيد إلى تركيا، وحُكم عليه بالإعدام، لكن عقوبته خُففت إلى السجن مدى الحياة دعمًا لطلب تركيا المقدم لعضوية الاتحاد الأوروبي.
وبموجب الخطوط العريضة للاتفاقية، التزمت دمشق بالاعتراف بأن حزب “العمال الكردستاني” جماعة “إرهابية”، وبإغلاق معسكرات الحزب وحظر جميع أنشطته على الأراضي السورية، كما عملت على تسليم بعض مقاتلي الحزب، وكذلك منعتهم من استخدام الأراضي السورية للسفر إلى بلدان أخرى.
المصدر: عنب بلدي